عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Jan-2020

في غزة.. هذا ليس اقتصاد - ايهودا فاكمان

 

إسرائيل هيوم
 
قبل بضعة أيام بشرنا بمنح تسهيلات اقتصادية لغزة، هذه المرة في شكل تصاريح لعدد أكبر من التجار للدخول والخروج من والى القطاع. وفي ذات اليوم جاء عن قيادة المنطقة الجنوبية بان “التسوية” تجري كما ينبغي. مصادر في غزة، هكذا قيل، أفادت بان البالونات المتفجرة التي سقطت في سديروت، وبالذات في نفس الوقت مع “التسهيلات” هي رد من جانب اولئك الذين في غزة ممن هم غير راضين عن وتيرة تقدم “التسوية”. ظاهرا تفسير كامل لوضع عديم المنطق. مرت بضعة أيام اخرى، وانظروا العجب – طريقة عمل “المارقين” اصبحت طريقة عمل المنظمة التي تجري معها إسرائيل مباحثات “التسوية”. وأفادت وسائل الإعلام بان حماس تعتزم تشديد أعمالها ضد إسرائيل لان “التسوية” لا تجري بما يرضيها.
العنف لا يسكت لدفع رشوة اقتصادية. في العام 1923 أجاد جابوتنسكي لان يهزأ في مقالته “الحائط الحديدي” لاولئك الذين عندنا ممن يعتقدون بانه يمكن ارضاء معارضة العرب للصهيونية في امتيازات اقتصادية: “طالما كان لدى العرب ذرة أمل للتخلص منا، فانهم لن يبيعوا أملهم هذا – لا لقاء كلام حلو ولا لقاء أي شريحة خبز بالقشدتة”.
في 1987 بعد 64 سنة من “الحائط الحديدي”، نشبت الانتفاضة الأولى. وقد نشبت بالذات حين كان عشرات آلاف الغزيين ينالون رزقهم في إسرائيل، وعبور البضائع لم يقيد والوضع الاقتصادي كان جيدا بما لا يقاس مع الوضع الذي ساد قبل السيطرة الإسرائيلية. وفي العام 2000 نشبت الانتفاضة الثانية. وها هم، بالذات عندما تحرروا من السيطرة الإسرائيلية واتيح لهم توجيه جهودهم إلى الداخل، شرع الفلسطينيون بهجوم اجرامي ضد إسرائيل.
إن جملة البحوث التي حللت دوافع العنف في إسرائيل وفي العالم كله على مدى التاريخ، تؤكد الفرضية الاساس لجابوتنسكي: لا توجد أي صلة بين الوضع الاقتصادي الشخصي وبين اختيار العنف كطريق لتحقيق ايديولوجيا ما. دولة إسرائيل ما كانت لتقوم لو كان العناد الذي تميز به مؤسسوها على مدى الزمن بالفكرة الصهيونية مشروط برفاههم الاقتصادي.
اولئك الذين من بيننا ممن اهملوا قسما مهما من ايديولوجيتهم التأسيسية، وكل ما يريدونه هو ان يسيروا في قناة الحياة الطيبة، يشرحون وفقا للمنطق اياه سلوك الطرف الاخر. هذا هو الدافع للفكرة الإسرائيلية التي تعتقد بان نقل المال إلى غزة واعطاء التسهيلات الاقتصادية لسكانها سيقللان من تعلقهم بحماس وكذا ايضا الرغبة الشعبية لتحقيق ايديولوجيا المنظمة. هذا تذاك عسكري إسرائيلي من النوع المعروف، كنتاج مباشر للتفكير الدارج في الثقافة الغربية العلمانية. اما عمليا، فان الامتيازات الاقتصادية تصبح المرة تلو الاخرى رافعة للابتزازات والتهديدات، الموجهة باسلحة ضد من آمن بنجاعتها.
من يعتقد أن الحل السحري لمشكلة غزة يكمن في تحسين شروط حياة الغزيين، يتجاهل قوة الايديولوجيا والتعليم، اللذين يخلقان شبانا، سواء كانوا جوعى أم شبعى، مستعدين لان يضحوا انطلاقا من الأمل في تحقيق مثال أعلى وليس انطلاقا من يأس من وضعهم. ان القيادة الإسرائيلية تكذب على نفسها وعلى مواطنيها. فالضعف، الخداع الذاتي، الاماني وبالاساس التجاهل لدروس الماضي تسمح لمنظمة الجريمة المسماة “حماس” بالنجاح في سلوكها الابتزازي تجاه إسرائيل، الأمر الذي يدفع ثمنه سكان الجنوب منذ سنوات عديدة. انه ليس الاقتصاد، يا غبي…
*عقيد احتياط، مرشد في العقيدة القتالية في الجيش الإسرائيلي