عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Sep-2025

الأهل فاقدو السعادة.. هل يمكن أن يمنحوها لأبنائهم؟

 الغد-ديمة محبوبة

تجلس لارا سعيد تتأمل أبناءها الثلاثة، تتعالى أصواتهم بالضحك حينا وتنخفض حينا آخر. فما يثقل صدرها هو ذلك الشعور الخفي بأنهم لا يعيشون طفولة سعيدة كما كانت تحلم. 
 
 
هي تدرك أن توترها الدائم وخلافاتها المستمرة مع زوجها تتسرب إلى أولادها وتترك أثرا في نفوسهم لا يمحى بسهولة. فقد كانت تظن أن ما يحدث يمر من دون أن يعلق في عقول الصغار، لكنها اكتشفت أن كل تفصيلة، مهما بدت بسيطة، تخزن في ذاكرتهم، وأنهم يتشربون المشاعر التي تتجسد أمامهم.
هذا المشهد العائلي يتكرر في بيوت كثيرة، حيث يختبئ الحزن خلف الأبواب المغلقة، ولا يمكن لأهل غير سعداء أن يتركوا أبناء سعداء، كما يقال: "فاقد الشيء لا يعطيه".
لكن خلف هذه الجملة القصيرة تمتد حكايات طويلة عن أثر العائلة في تكوين شخصية الطفل، وعن العلاقة الوثيقة بين توازن الأهل النفسي والاجتماعي وبين سعادة الأبناء وقدرتهم على بناء حياة صحية مستقرة.
اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي، يضع الأمر في إطاره الأوسع، مؤكدا أن العائلة ليست مجرد مؤسسة صغيرة منغلقة على نفسها، بل هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع.
ويشرح، إذا كانت هذه اللبنة مضطربة أو هشة، فمن الطبيعي أن يمتد الاضطراب إلى البناء بأكمله. ويقول خزاعي " إن العائلة المتوازنة نفسيا واجتماعيا تخلق جيلا متوازنا، قادرا على العطاء والإبداع".
أما حينما يفقد الأهل سعادتهم أو يستسلمون لضغوط نفسية واجتماعية غير صحية، فإن الأبناء يتشربون هذه الأجواء المشحونة ويترجمونها إلى سلوكيات كالقلق والعزلة أو حتى العدوانية.
ويصف خزاعي علاقة الأبوين بأطفالهم بالمرآة: فإن كانت صافية انعكست حياة صافية، وإن كانت مكسورة تشوهت صورتهم.
ويؤكد أن الأبناء، بوعي أو من دون وعي، يتعلمون من البيئة التي ينشأون فيها كيف يحبون، وكيف يغضبون، وكيف يتعاملون مع الخلافات والضغوط.
التربوية والمرشدة النفسية رائدة الكيلاني تتفق مع خزاعي، وتضيف أن التربية لا تقتصر على توفير المتطلبات المادية من مأكل وملبس وتعليم، بل تقوم أولا على إشباع الحاجات العاطفية كالحب والاحتواء والحنان. فالسعادة ليست كماليات، وإنما ضرورات أساسية تشكل وجدان الطفل وتبني ثقته بنفسه.
وتنوه إلى أنه: "عندما يكبر الطفل في بيئة يسيطر عليها التوتر أو الحزن المستمران، فإنه يتعلم أن هذه هي القاعدة الطبيعية للحياة، لأنه يعكس ما عاشه وما رآه في علاقاته المستقبلية، سواء في صداقاته أو زواجه مستقبلا أو حتى في طريقة تعامله مع أبنائه".
وترى الكيلاني، أن فاقد السعادة يجد صعوبة حقيقية في منحها، فالأهل الذين لم يتعلموا التعبير عن مشاعرهم الإيجابية، أو الذين غابت عن حياتهم الطمأنينة النفسية، غالبا ما ينقلون هذا الحرمان إلى أبنائهم عن غير قصد.
وتوضح أن الطفل يحتاج إلى أن يرى والديه يتبادلان الاحترام والود، لا أن يكتفي بسماع كلمات النصح والإرشاد فقط.
وتؤكد أن التربية بالقدوة أبلغ من أي خطاب أو نصيحة، لافتة إلى أن العائلات التي لا تعيش ضغوطات قاسية، سواء أكانت اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية، تستطيع أن تضمن لأبنائها حياة أكثر توازنا.
ويلتقي خزاعي والكيلاني عند ضرورة الوعي بالمشكلة والاعتراف بها أولا، ثم البحث عن مساعدة متخصصة عند الحاجة، فطلب الاستشارة من مختص نفسي أو اجتماعي لم يعد وصمة كما كان ينظر إليه في الماضي، والحفاظ على بيئة صحية يظل أهم من أي شيء، وفق الكيلاني.
وتلفت إلى أن هذه خطوة شجاعة نحو حماية العائلة، وتحديدا الأبناء، وأن الوعي والعلاج المبكران للخلافات الزوجية أو الضغوط النفسية الفردية، يمكن أن يحميان الأبناء من آثار طويلة المدى قد تكون أشد خطورة مما يتصوره الأهل.
ويشدد خزاعي على أن سعادة الأهل ليست ترفا فرديا يمكن الاستغناء عنه، بل هي مسؤولية تربوية واجتماعية. فيقول "الوالدان السعيدان أكثر قدرة على الإصغاء، وعلى منح الوقت النوعي، وعلى تعليم أبنائهما كيف يواجهون ضغوطات الحياة بأسلوب صحي".
أما الوالدان الغارقان في حزن مستمر أو نزاع لا ينتهي، فيجدان نفسيهما مرهقين إلى حد لا يسمح لهما بالقيام بدورهما التربوي على الوجه الصحيح.
ويوضح أن العائلة هي النواة الأولى للمجتمع، وإذا تصدعت هذه النواة، فإن المجتمع بأسره يدفع الثمن.
لذا؛ فإن بناء مجتمع متوازن نفسيا واجتماعيا يبدأ من بناء عائلات متوازنة، وهو أمر لا يحتاج إلى رفاهية زائدة بقدر ما يحتاج إلى وعي وتفاهم وتواصل صادق بين الأهل.
ووفق خزاعي، فإن العائلة التي تجيد إدارة حوار صحي، وتعرف كيف تختلف من دون أن تنهار، وتمنح أبناءها مساحة آمنة للتعبير، قادرة على إنجاب جيل يحمل مشعل السعادة والتوازن.
وأخيرا، تقول الكيلاني "إن السعادة قد يعتقد أحيانا أنها بعيدة المنال وسط ضغوط الحياة المتراكمة، لكن المؤكد أن السعي إليها داخل البيت ليس خيارا ثانويا، بل هو واجب تجاه الأبناء وتجاه المجتمع".