عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Apr-2020

إسرائيل والفلسطينيون وباء واحد.. دولة واحدة - بقلم: جدعون ليفي

 

هآرتس
 
في بداية فترة الوباء وقعت حادثة هامشية كما يبدو، لم تحظ باهتمام خاص: اسرائيل اعلنت بأنها ستسمح لعشرات آلاف العمال الفلسطينيين من المناطق بالبقاء والمبيت داخل اسرائيل كي يستطيعوا مواصلة العمل فيها. عشرات آلاف “بالقوة” سينامون في اسرائيل، حتى في ايام وباء؟ أين الشباك عندما نحتاجه، أين الشرطة وأذرع الامن؟ من يحافظ علينا من عشرات القنابل الموقوتة التي ستنام على مدخل غرف الاطفال وفي غرف نومنا. عشرون سنة خفنا منهم خوف قاتل. عشرون سنة حذرونا منهم، منذ الانتفاضة الثانية لم نسمح لهم بالنوم هنا. وفجأة زار الخطر وكأنه لم يكن ومعه منع النوم. فجأة لمن يقوم ببناء بلادنا مسموح له ايضا النوم فيها. شعرة من شعر الاسرائيليين لم تسقط – الفلسطينيون ناموا هنا والسماء لم تسقط. يمكن بالطبع الاعتماد على اسرائيل: عند انتهاء الوباء، بناة اسرائيل مرة اخرى سيضطرون الى المراوحة بين الحواجز في الليل.
كثير من الفيروسات والأوبئة انتشرت منذ ذلك الحين بين البحر والنهر. اسرائيل والسلطة الفلسطينية اجتمعتا تحت غطاء ثقيل من الضائقة والخوف. هذه كانت الاشهر الاكثر هدوء في المنطقة منذ سنوات. حدود اسرائيل ومدنها وقراها؛ مخيمات اللاجئين، مدن الضفة والقطاع، جميعها عرفت هدوء نسبي لم نعرفه منذ زمن. يد خفية اوقفت النار. البالونات والصواريخ وأيضا الاعتقالات والاغتيالات. بسبب وباء كان هناك هدنة. وهي ما تزال مستمرة. ايضا ستزول وستنتهي وكأنها لم تكن. وربما لا.
في نفس الوقت وقف في جبهة مكافحة الوباء اطباء رجال ونساء، ممرضين وممرضات، صيادلة، رجال نظافة وعمال مساعدة عرب. وسائل الاعلام الجماهيرية التي لم تشاهدهم في أي يوم، ولا أبناء شعبهم، والتي لم تحسب لهم أي حساب في الايام العادية، تعاملت معهم باحترام وتقدير. فجأة اصبح العرب بشر، ربما للمرة الاولى في حياتهم. شخص يختص بالأوبئة أو مدير مستشفى عربي ما زالوا لا يعتبرون خبراء بما يكفي من اجل الظهور في مجال تخصصهم في وسائل الاعلام. ولكن فجأة، صور العرب تظهر على الصفحة الاولى في “يديعوت احرونوت” وهم ليسوا ارهابيين. هل كنتم تصدقون؟ حتى ممن سيشعلون المشاعل، قمة الاحتفالات الصهيونية الرسمية، سيكون هناك تمثيل عربي، ليس للمرة الاولى طبعا، لكن هذه السنة لم يكن هو العربي الجيد أو العميل، بل أحد افراد طاقم طبي اختير بفضل اخلاصه وليس بفضل ولائه.
الى جانب هذا حدثت ظاهرة مفاجئة ما يزال من الصعب قياس تسجيلها: للمرة الاولى في تاريخ الاسرائيليين شعروا بمشاعر الفلسطينيين. ليس حقا، لكن مع ذلك: اغلاق، حظر تجول، حواجز وبطالة بكميات مذهلة. لقد عرفوا أن هذا مؤقت، الهدف كان مبرر – خلافا لما يجري في الاحتلال – لكن مع ذلك، ذاقوا طعم احتلال صغير. هل هذا سيساعدهم في الشعور بالقليل من التماهي مع الضحايا الفلسطينيين؟ هل سيدرك الاسرائيليون بأن ما خبروه هنا طوال شهرين بشروط فاخرة، خبره الفلسطينيون اكثر من 50 سنة بشروط تنكيل واهانة لا تصدق؟ هناك شك كبير، لكن ربما.
براعم شوهدت في البلاد. هل ايضا وقت العندليب جاء؟ هناك شك كبير. الكورونا دفعتنا ملليمتر نحو حل الدولة الواحدة الذي لم يبق أي حل آخر غيره. خطوة صغيرة جدا للشخص هي خطوة للانسانية. خطوة هشة وقابلة للتراجع. عرب اسرائيل ظهروا للحظة كبشر مثلنا، يتعرضون لنفس الخطر ويواجهونه مثلنا، وحتى لحسن الحظ، لا ينشرونه أكثر منا، مثلما كان هناك بالتأكيد من أملوا ذلك. الارهاب في المناطق مات، الانشغال بجانبي الحدود تحول الى مدني، مثلما في دولة سليمة، حتى مع فتات المساعدة الطبية هنا وهناك. غزة بقيت في سجنها، المستوطنون الذين لا يفوتون أي فرصة للعنف، حتى امام الوباء، ضربوا ودمروا وسرقوا اكثر من المتوسط، اسرائيل لم يخطر ببالها القيام بأي بادرة حسن نية في فترة الكورونا مثل اطلاق سراح سجناء. ولكن في الاجواء وقف للحظة شيء يبعث على الأمل.
هل الاسرائيليون سيستخلصون الدروس من هذه التطورات الصغيرة؟ هل دفنت هنا بذرة للتغيير في الوعي المصيري جدا؟ الذي لم يحدث في أي يوم، والذي سيجعل الاسرائيليين يدركون بأن الفلسطينيين هم بشر بالضبط مثلهم، لديهم نفس الاحلام ونفس الحقوق؟ لا يوجد أي مكان لتوقعات كبيرة. وكلاء الحروب والكراهية والعنصرية والقومية المتطرفة ما يزالون اقوياء مثلما كانوا. مع ذلك، شعبين، وباء واحد، دولة واحدة. الدولة الواحدة التي يعيش فيها شعبان تحت ثلاثة أنظمة حكم، توقفت للحظة عن سباق التسلح والدم المجنون لها. نحتاج كما يبدو الى كارثة اكبر بكثير كي تحدث التغيير. سنعزي انفسنا بالكارثة الصغيرة التي أدت الى تغيير اصعب، كما يبدو سينقضي. تغيير كهذا هو أمر يسعد الفقراء.