منع ارتداء العباءة في المدارس.. امتداد العلمانية القمعية في فرنسا
الغد-رفيق شكات* - (أوريان 21) 31 آب (أغسطس) 2023
قرر وزير التربية الوطنية الفرنسي غابرييل أتال منع ارتداء العباءة في المدارس عشية العودة المدرسية، في خطوة تُظهر مواصلة الإشراف السياسي على الدين في فرنسا. هذه "العلمانية الجديدة" التي يروج لها إيمانويل ماكرون تؤدي إلى وصم المسلمين بشكل متزايد وتكليف الأسرة التربوية بدور ضبط النوايا.
كيف يمكن تفسير العودة المتواصلة للجدل حول "الرموز الدينية" في المدارس الحكومية بفرنسا، في حين أن المعضلة الأساسية التي تواجهها هذه المؤسسات هي النقص غير المسبوق في عدد الأساتذة والكوادر التربوية؟ إن حجة تحويل موضوع النقاش لا تكفي لتفسير حجم هذا الهجوم الرجعي. فمنذ ثلاثة عقود من الزمن، دفعت هذه الخطابات إلى نشوء قضية الدفاع عن "العلمانية المحاصرة" التي باتت قضية وطنية يمكن اللجوء إليها في أي وقت، ولا سيما في أوقات الأزمات أو الاضطرابات الاجتماعية. ويجعل رصد "انتهاكات العلمانية" من الممكن اليوم إضفاء مضمون على الذعر الأخلاقي، ويستدعي إجابة شافية من السلطات العامة لوقف ظاهرة مثيرة للقلق، حتى لو تطلب الأمر اعتماد تدابير تقييدية جديدة مثل منع ارتداء العباءات في المدارس الإعدادية والمعاهد، الذي أعلن عنه وزير التربية الوطنية، غابرييل أتال، عشية انطلاق السنة الدراسية.
لتفكيك الخلط المحيط بموضوع العلمانية في المدارس، التي أصبحت علمانية سلبية في الأساس، من الضروري التمييز بين جانبين: الأول يتعلق بقانون 2004 نفسه، بنصه وروحه، وانقلاب المعنى الذي نتج عنه، ونتائجه العملية منذ دخوله حيز التنفيذ قبل عشرين عاما. أما الجانب الثاني، فيتمثل في قضية العلمانية الفرنسية نفسها، والتأطير السياسي لما هو "ديني".
الحظر قاعدة والترخيص استثناء
شهد العام 1989 ظهور أول "قضية حجاب" في المدارس الفرنسية. في مدينة كراي، إحدى ضواحي باريس، قام مدير المدرسة الإعدادية، غابرييل هافيز، بطرد ثلاث طالبات (فاطمة وليلى وسميرة) مؤقتا، بسبب رفضهن خلع الحجاب في الفصل. ودفعت الضجة الإعلامية والسياسية حول هذا الموضوع بوزير التربية الوطنية آنذاك، ليونيل جوسبان، إلى طلب المشورة من مجلس الدولة للبت فيما إذا كان "ارتداء رموز انتماء إلى طائفة دينية يتوافق أم لا مع مبدأ العلمانية"، وتحت أي شروط يمكن قبول هذا اللباس.
أجاز مجلس الدولة في رأيه الصادر بتاريخ 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 1989 من حيث المبدأ الرموز الدينية في المدارس: "إن ارتداء التلاميذ رموزا يعتزمون من خلالها إظهار انتمائهم إلى دين ما لا يتعارض في حد ذاته مع مبدأ العلمانية، بقدر ما يشكل ممارسة لحرية التعبير وإظهار المعتقدات الدينية". غير أن هذه الهيئة الإدارية العليا تحيط هذا الترخيص من حيث المبدأ ببعض التحفظات، إذ يجب ألا يشكل ارتداء التلاميذ لرموز الانتماء الديني عملاً من أعمال الضغط أو الاستفزاز أو التبشير أو الدعاية، ويجب ألا يقوض كرامة أو حرية الطالب أو غيره من أعضاء المجتمع التربوي، وألا يمس بصحتهم أو سلامتهم، ولا يعطل سير الدروس والدور التعليمي للأساتذة، ولا الأداء الطبيعي لهذا المرفق العام.
بناء على هذا الرأي، أجازت السوابق القضائية الإدارية ارتداء الرموز الدينية مع مراعاة التحفظات الصادرة عن مجلس الدولة. وهكذا تم اتخاذ معظم القرارات لصالح الطلاب (ومعظمهم كانوا من المسلمين)، وإلغاء إجراءات الإقصاء الصادرة ضدهم. لكن قانون 15 آذار (مارس) 2004 سيعمل على قلب هذا المنطق السائد ليصبح الحظر هو القاعدة، بينما يكون الترخيص هو الاستثناء.
قانون 2004، مرور بالقوة
اصطبغ السياق السياسي في بداية الألفية الثانية بهجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 واستقطاب النقاش العام في فرنسا حول موضوعي الإسلام والعلمانية، على خلفية خطاب "صراع الحضارات"، مما هيأ الأرضية للمشرع لتمرير قانون 2004، المراد به ضمان حياد المرافق العامة في المسائل الدينية من خلال فرض التزام الحياد -ليس فقط على الوكلاء، ولكن كذلك على مستخدمي هذه المرافق.
في أعقاب عمل "لجنة التفكير في تطبيق مبدأ العلمانية" التي أنشأها جاك شيراك في صيف العام 2003، تم اعتماد قانون الرموز الدينية في المدارس في 15 آذار (مارس) 2004. وأضاف هذا القانون المادة (L. 141-5-1) إلى قانون التعليم، التي تحظر "ارتداء الرموز أو الملابس التي يعبر بها الطلاب ظاهريا على انتماء ديني".
بعد بضعة أسابيع، صدر منشور رقم 2004-084 بتاريخ 18 أيار (مايو) 2004، الذي حدد شروط تطبيق هذا القانون، مما أدى إلى توسيع نطاق الحظر. ويميز هذا النص الذي لم ينتبه إليه أحد تقريبا في ذلك الوقت، بين نوعين من الرموز أو الملابس الدينية: من ناحية، تلك "التي يؤدي ارتداؤها إلى التعرف الفوري إلى الانتماء الديني، مثل الحجاب الإسلامي -أيا كان الاسم الذي يُطلق عليه- أو القلنسوة اليهودية أو الصليب ذي الحجم الكبير". ومن ناحية أخرى، يمكن اعتبار الملابس التي تبدو عادية والتي يضفي عليها الطالب "طابعا دينيا" محاولة للتحايل على القانون.
البحث في "النوايا الدينية"
من خلال التحذير من احتمال ظهور "رموز جديدة"، تذهب "مذكرة فيون"، التي تحمل اسم وزير التربية الوطنية آنذاك، إلى أبعد من الحظر الذي يفرضه القانون. فإلى جانب العنصر الموضوعي (المظهر الظاهري للانتماء الديني)، تضيف المذكرة عنصرا شخصيا: سلوك الطالب أو نواياه.
يشكل هذا البعد حجر زاوية النظام الجديد، مما يؤدي إلى إغراق قادة المدارس في قضايا حساسة غالبا ما تأخذ شكل تدابير بطابع التنميط العنصري. على سبيل المثال، يطلب بعض مستشاري التربية في المدارس والمعاهد من المديرين إعداد قوائم بأسماء الطالبات اللواتي يرتدين الحجاب خارج المدرسة، حتى يتم تحديد ما إذا كانت الملابس التي يرتدينها في المؤسسة "دينية". وتماشيا مع المذكرة، أشار باب ندياي، وزير التربية الوطنية السابق في حكومة ماكرون، في أعمدة جريدة "لوموند" في 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2022، إلى الإجراء الواجب اتباعه:
"هل أن الفتاة التي ترتدي هذا الفستان أو ذاك تفعل ذلك بانتظام؟ هل ترفض تغيير ملابسها، وهل تصاحب ذلك رموز أخرى؟ إنها عناصر قد توحي بأن الفستان هو بالفعل رمز ديني هدفه التبشير.
ومن ثم يعود الأمر إلى مديري المؤسسات لتصنيف لباس ما على أنه ’ديني‘، اعتمادا على ما يعرفونه أو يعتقدون معرفته عن الأديان المعنية، وخاصة الإسلام. وعليه وجب على أعضاء هيئة التدريس أن يصيروا خبراء في الدين، باسم ضمان حياد مرفق التعليم العام، لتحديد ما إذا كان الزي المتنازع عليه هو بالفعل رمز لدين الطالب".
إبلاغ عن "انتهاك العلمانية"
لمساعدة الطاقم التعليمي على فك رموز النوايا "الدينية" للطلاب، وضعت السلطات عدداً معيناً من الأدوات والموارد التعليمية، بما في ذلك استمارة عبر الإنترنت حول "انتهاك العلمانية"، والمخصص لجميع العاملين في سلك التعليم الوطني. وهؤلاء مدعوون إلى استخدامه إذا ما "شعروا بأن مبدأ العلمانية أصبح موضع تساؤل". ويتم بعد ذلك تصنيف التقارير المجمعة حسب نوع الانتهاك.
على الرغم من البعد الرسمي الذي يتم إضفاؤه على "انتهاكات العلمانية"، فإنها ليست موضوعية. إنها تعتمد على مبدأ التصريح، وتقيس التقارير المقدمة بطريقة أحادية من قبل أعضاء هيئة التدريس من دون أن تتم مساءلتها، بناءً على آراء أعضائها حول مسائل العلمانية والإسلام، الذي نجد ذكره تقريبا في جميع التقارير. وبعبارة أخرى، فهو ليس سوى مجموعة من الشكاوى التي يمكن أن تكون على الأكثر بمثابة مقياس لآراء أعضاء هيئة التدريس.
لكن هذا التصنيف يخدم أغراضا أخرى. فهو يغذي الذعر الأخلاقي حول مظاهر الوجود الإسلامي، ويدعو السلطات إلى رد فعل على ظاهرة يمكننا الآن قياسها وإدانتها، وبالتالي كبحها. وقد صدر في حزيران (يونيو) 2022 مقال في صحيفة L’Opinion بعنوان: "التربية الوطنية تواجه ’وباء‘ الجماعات الإسلامية". وكان رد رئيس الجمهورية على الفور أن صرح: "عندما تكون هناك أوبئة، لا بد من رصد الأعراض، وقياسها"، مؤكدا أنه يعول على وزيره "للنظر والقياس ورد الفعل بوضوح أكبر على كل الحالات التي لا تحترم قوانين الجمهورية".
رؤية سلطوية للعلمانية
إن إعادة تشكيل المشهد الفكري حول الترويج لـ"العلمانية الجديدة"، والسياسات التي نفذتها الأغلبيات المتعاقبة، و"تنظيم" التغطية الإعلامية حول المفهوم المتواتر للإسلام، قد مكنت وغذت وكثفت توسع مجال الحياد الديني. ولا يؤدي الحظر المفروض على كل الأشكال الظاهرة للتعبير الديني في مختلف الأماكن إلى تراجع "الدين"، بقدر ما يؤدي إلى تسييسه الدائم. وقد أعلن غابرييل أتال يوم الاثنين 28 آب (أغسطس) 2023، حول موضوع ارتداء العباءات في المدرسة، أن "الجمهورية تتعرض للاختبار". وبالتالي فإن الأمر لا يتعلق بالخروج عن مبدأ العلمانية، بل يتعلق بتعزيز رؤية سلطوية لها، والتي تريد من الدولة أن تؤطر الأديان بشكل صارم.
قد ننسى أن قانون 9 كانون الأول (ديسمبر) 1905 للعلمانية هو وريث لكامل تقليد الاتفاقيات الذي وضعه نابليون بونابرت، ولا سيما مأسسة الأديان وتمويلها والسيطرة عليها في شكل هيئات عمودية وتمثيلية. وعلى الرغم من أنه يحظر رسميا تمويل الأديان، إلا أن هذا القانون يتضمن في الباب الخامس الأحكام المتعلقة بـ"الشرطة الدينية" (المواد 25 إلى 36).
بين مبدأ الفصل والحياد الصارم للدولة، ومبدأ الحرية الدينية، وأخيرا مبدأ مراقبة ووضع رقابة على الأديان من قبل السلطات العامة، تدور معركة سياسية وفكرية على حد سواء حول طريقة فهم هذه الرؤى المتنافسة والتعبير عنها. ويُظهر العمل الرائد لطلال أسد حول العلمانية أن العلمانية لا يتم تعريفها فقط من خلال مبدأ الفصل بين السياسة والدين، وإنما كعملية إعادة تعريف لما يُفترض أن يكون عليه الدين.
في هذه العملية، يتم تعريف "العلماني" بنقيضه "الديني". هذا الإنتاج الدائم للانفصال هو في قلب عملية العلمنة، خاصة وأن الإسلام يعد مكان الخلط بين السياسة والدين، وهو ما يفسر، على سبيل المثال، أن يتم اعتبار اللباس الذي يوصف بأنه إسلامي نوعا من أعمال التبشير، على حد تعبير باب ندياي.
الخروج من الثقب الأسود
إن الثقب الأسود هو شيء غير مرئي ومضغوط للغاية، وهو ظاهرة فيزيائية فلكية غير نمطية، ويكون مجال جاذبيته شديدا للغاية بحيث لا يخرج منه شيء -ولا حتى الضوء. وهذا ما جعل إدغار مورين يقول في العام 1989، عندما جدّت "قضية الحجاب" الأولى، إننا لم نعد نعرف بالضبط ما تعنيه العلمانية، وأن "ثقباً أسود" قد انفتح تحت هذا المصطلح. كيف لنا أن نعيد إنتاج معنى لهذا المفهوم يسمح لنا بالعودة إلى أهدافه الأولية المتمثلة في الحياد وحرية المعتقد؟
أول ما يجب فعله هو الخروج من المأزق الذي يتمثل في حجة تحويل وجهة النظر. وفي تحليلها لمعاداة السامية، تحذر حنة آرنت قراءها على الفور من الوقوع في الفخ الذي يجعل من الأيديولوجية العنصرية النازية "وسيلة بسيطة لكسب الجماهير" أو "أداة ديماغوجية". ووفق آرنت، يجب علينا -مع مراعاة الفوارق- أن نفهم أن العنصرية النظامية لم تتبلور صدفة ضد المسلمين، وأن نأخذ على محمل الجد ما يعلنه العنصريون أنفسهم. فإن لم نفعل، يوجد خطر كبير لأن نفسح المجال للرجعية، التي لم تفتأ منذ عقود تستفيد من مماطلة القوى اليسارية في الموضوع.
كما يجدر بنا، في مرحلة ثانية، التخلي عن استقطاب الجدل حول المقصود باللباس "الديني". يشير الفيلسوف جان فابيان سبيتز، تماشياً مع الحجج التي طورها في عصره أريستيد برياند، إلى أن "فكرة الملابس ’الدينية‘ في حد ذاتها هي فكرة سخيفة. في الجمهورية العلمانية، لا توجد ملابس إسلامية أو يهودية أو مسيحية". ويحظر قانون 2004 "الرموز أو الملابس التي يُظهر من خلالها الطلاب علنا انتماءهم الديني". إن هذا النص وتفسيره الصارم من قبل مجلس الدولة هو الذي يشكل جوهر المشكلة، من خلال مطالبة العاملين في التعليم العام باستمرار بفك رموز الانتماء الديني للطلاب.
إن توفير إطار للتعبير للعاملين في مجال التعليم الذين يرفضون القيام بدور الشرطة المنوط بهم لا يقل أهمية. تأتي الطالبات المسلمات إلى المدرسة للتعلم وليس لمناقشة طول أو عرض فساتينهن. وهنا، فإن الأخذ بعين الاعتبار تآكل سلطة المدرسين وظروف عملهم وأجورهم ضروري لفهم الأسباب التي تجعل جزءا من هؤلاء الموظفين يلتحقون "بطريقتهم الخاصة بالأيديولوجية الأمنية، حيث يجتمع الشعور بالعجز، والالتجاء إلى سلطة الدولة، والخوف من التحولات في العالم المعاصر"، كما كتب الفيلسوف إيتيان باليبار.
أخيراً، يمكننا الاعتراض على استخدام العلمانية بطريقة تضر -وبشكل متزايد- بحريتي التعبير والمعتقد. إن "انتقال الفكرة إلى اليمين" -وفي كثير من الأحيان إلى أقصى اليمين- يشكل ظاهرة مربكة، ولكنها ليست استثنائية: ينطبق الشيء نفسه على توظيف الحركة النسوية أو قضية المثليين لتحقيق غايات عنصرية. فالعلمانية -وهي مفردة ضبابية بامتياز- مثلها مثل الديمقراطية، قضية صراعات ونقاشات مريرة. ولذلك، يمثل عدم ترك فكرة العلمانية لأولئك الذين يريدون توظيفها كسلاح للفصل العنصري الشامل اليوم أهمية قصوى.
*رفيق شكات: محام وكاتب، يهتم أساسا بقضايا حقوق الأجانب وبالقانون الجنائي وبالحريات العمومية. تتطرق مؤلفاته إلى مواضيع التمثيل العرقي في وسائل الإعلام والسينما. ترجمت المقال من الفرنسية سارة قريرة.