عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    25-Mar-2025

الواقع الفلسطيني.. وجود برسم الانهيار*سامح المحاريق

 الراي

هل تفهم الدول العربية الواقع الفلسطيني وتمتلك الدراية الكافية بالطريقة التي يعيش بها الفلسطينيون في الضفة الغربية؟ هذه المساحة المعقدة جغرافيًا واجتماعيًا تحديدًا، حيث أن أي حديث اليوم عن هذه المعطيات فيما يتعلق بغزة يعتبر متأخرًا وخالياً من اللياقة، حيث المطلوب أن يتكاثف الجهد الإغاثي لأهل القطاع المنكوبين بهجمة وحشية من آلة القتل الإسرائيلية.
 
العيش في فلسطين في أبسط مستوياته يشكل معادلة صعبة وهشة في الوقت ذاته، فالأنشطة الإنتاجية على ما تبقى من الأرض يمكن الوصول لها بعيدًا عن التهديدات القائمة من الأمن الإسرائيلي والمستوطنات في حدودها الدنيا، وتشهد تراجعًا خطيرًا على مستوى الزراعة والرعي وصناعة الغذاء وكلها أنشطة وصلت إلى مرحلة مهمة من النضج قبل أوسلو 1993 في ظل قدرة المجتمع الفلسطيني على التنظيم الذاتين وحتى القليل الذي ينتج داخل فلسطين فإن أوجه تمويل استهلاكه تعتبر محدودة، وقابلة للتعطل والتعثر بما يخل بعجلة الإنتاج نفسها، فالمستهلكون يتوزعون?بين كتلتين كبيرتين، الأولى، العمال الذين يتوجهون إلى إسرائيل وينشطون في مجال البناء والأعمال قليلة المهارات، والثانية، الموظفون في أجهزة السلطة الوطنية.
 
بعد السابع من أكتوبر 2023 فقد عشرات الآلاف من العاملين في الاقتصاد الإسرائيلي مصدر دخلهم ليحدث تأثير مباشر على القطاعات التجارية المختلفة، وتفاقمت أزمة موظفي السلطة الذين لم يعودوا يعرفون معنى الرواتب المنتظمة، ففي كل فترة يجري العمل على صرف جزء من رواتبهم، مع وجود فترات طويلة من التأخير ومستحقات متراكمة، ويعود السبب في ذلك إلى بلطجة اسرائيلية على أموال المقاصة التي تشكل حصة السلطة الوطنية من العوائد الرسمية المختلفة، وتضطر السلطة لتعويض الاختلال المالي بالاقتراض من القطاع المصرفي المرهق من جراء الحرب على ?زة والتي اضطرته لوضع تحوطات واسعة للمخاطر بما يؤثر على أداءه الكلي.
 
تأسيس بيئة طاردة للفلسطينيين يتحقق بصورة مطردة، والعمليات العسكرية التي تجري في الضفة الغربية تطرح الحياة اليومية والطبيعية لتصبح تحديًا مفتوحًا أمام ملايين الفلسطينيين بما يجعلهم عرضةً للتهجير الناعم واقتناص أية فرصة لمغادرة أراضيهم والبحث عن حياة كريمة لأسرهم، وهو ما تطلع إسرائيل لتحقيقه للتخفيف من أعداد الفلسطينيين والعودة إلى وضعية الأغلبية السكانية داخل فلسطين التاريخية.
 
لا توجد حدود أمام الخيارات الإسرائيلية، خاصة مع حالة التمدد التي تشهدها في المنطقة، وحيث تتواجد إسرائيل بوصفها أمرًا واقعًا في سوريا ولبنان، وتتصرف بعدائية غير مكترثة بالمجتمع الدولي بعد حصولها على الضوء الأخضر الأميركي، وعليه فالسؤال الذي لا يمكن تجاوزه يتعلق بمضي إسرائيل قدمًا في مخططاتها، والانتقال إلى مراحل متقدمة تقوض أنماط الحياة السائدة في الضفة الغربية، الأمر الذي سيجعل استعادة النمط الطبيعي فيما سيتبقى بعدها من فلسطين أمرًا مكلفًا للغاية.
 
وقفت الدول العربية وهي تشاهد تراجع مستويات الحياة في غزة إلى حدود غير مقبولة، لتجد السابع من أكتوبر تعبيرًا عن انفجار داخلي كامل، والحديث يدور حول عشرات المليارات من أجل استعادة غزة قابلة للحياة من جديد، مع أن جزءًا يسيرًا من هذه التكلفة كان يمكن أن يحول وأحداث أكتوبر ويجعل الحياة في غزة ممكنة لو توجهت الدول العربية لتعزيز صمود الفلسطينيين على أرضهم من خلال الدعم الموجه فعلًا للشعب الفلسطيني.
 
للدول العربية ملاحظاتها حول كفاءة ونزاهة السلطة الوطنية، ولكن لا يجب أن تبقى هذه الفكرة سائدة وكأنها ذريعة لاتخاذ نفس المواقف السلبية التي بقيت سائدة لعقدين من الزمن تقريباً، والنتيجة ما نشاهده اليوم من هشاشة في موقف السلطة الوطنية في مواجهة تحديات وجودية ستكون تكلفتها المادية والمعنوية، وآثارها السياسية والاقتصادية، كارثية في حالة حدوثها.
 
الالتفات إلى الواقع الفلسطيني يتطلب رؤية من الداخل تنظر بواقعية وتتدارس البدائل المطروحة لتجنب التصفية الواقعية للقضية الفلسطينية من غير الخروج بحلول قابلة للاستدامة وبناء السلام في المنطقة.