عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Oct-2025

حوارات سلام أم ترتيب أوراق؟*أحمد حمد الحسبان

 الغد

جولة سلام.. أم محاولة لإنقاذ إسرائيل من سلسلة أزمات داخلية وخارجية؟
سؤال يفرض نفسه في تفاصيل التقييم المبدئي لجولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي شملت كلا من مصر وإسرائيل، وشهد خلالها بعضا من مراسم تبادل الأسرى التي تمت تنفيذا لمبادرته التي أطلقها تحت مسمى السلام، وألقى خطابا مطولا أمام الكنيست الإسرائيلي طغت عليه المجاملة، وبدا فيه الانحياز للكيان واضحا. وفي المقابل كال رئيس وزراء الكيان المديح للرئيس ترامب، والشكر على ما قدمه من دعم.
 
 
فالجولة بدا عليها الطابع الاحتفالي بما “ تحقق من سلام”، والاشادة بمدى الدعم المقدم والموعود لإسرائيل بما في ذلك المشاركة العملية بالحرب التي امتدت لعامين، والتلميح لأي حروب مستقبلية وصولا إلى” شرق أوسط جديد”، تنعم فيه الدولة العنصرية بالسلام والأمن والأمان.
فقد تابع الرئيس ترامب احتفالية تبادل الأسرى، معتبرا أنها النصر الثامن في حروب خاضها خلال ثمانية أشهر، متجاهلا أن عملية التبادل كانت النقطة الأكثر سهولة بين نقاط المبادرة التي أطلقها، وأن هناك الكثير من النقاط الصعبة التي لن يكون اجتيازها سهلا، والتي قد تؤدي إلى عودة الحرب بطريقة أو بأخرى.
فالمبادرة التي أطلقها ترامب، والخطة الملحقة بها بدت وكأنها سهلة التطبيق في شقها الأول غير أنها لن تكون كذلك فيما يخص الشق التالي منها. ليس بحكم غموض أهدافها ومراميها فقط، بل وبسبب ما يعتقد أنه سوء نوايا تتخطى صاحب المبادرة باتجاه الفريق المقابل للمقاومة الفلسطينية، بل والشعب الفلسطيني بكل مطالبه العادلة. وتنذر بعودة الحرب من جديد، ولكن بصيغة قد تكون مختلفة عما كانت عليه في مرحلة ما قبل المبادرة. فما تبقى من محطات المبادرة قد لا تكفيه مفاوضات عادية، ولا ضغوطات من تلك التي بذلت في مراحل سابقة، بحكم تعلقها بأساسيات الثوابت التي قامت عليها الحرب أصلا، وبانعدام الثقة بين أطراف المعادلة، وبسوء النوايا المفترضة بين محاور الصراع.
فالجولة الجديدة التي من المفترض أن تبدأ عقب انتهاء عملية تسليم جثامين القتلى من الإسرائيليين، تنتظر جولات تفاوض في غاية الصعوبة رغم محاولات تغليفها ببعض المصطلحات الجميلة، بحكم انحيازها لإسرائيل بشكل كامل، وتتويجها باعترافات متبادلة  بأن ترامب هو” أعظم صديق حظيت به إسرائيل”، وأنه الأكثر دعما وانحيازا لها”. وبشهادات تحمل قائمة بالمنجزات التي قدمها لدولة الاحتلال منذ فترة حكمه الأول، عندما أطلق مشروعه” صفقة القرن”، وحتى فترة حكمه الثانية التي توجت بكم من المنجزات تخدم إسرائيل وتحقق لها أكثر مما تطلب، وأبعد مما يثيره متطرفوها من أحلام توراتية مزعومة.
وأبعد من ذلك هناك من يرى أن ترامب الذي أطلق” صفقة القرن” في فترة حكمه الأولى، بدأ بتنفيذ ما تبقى منها خلال فترة حكمه الثانية. وأنه قد يكون طور عناصر تلك الصفقة بأكثر مما تحلم به حكومة الكيان التي توصف بأنها الأشد تطرفا في تاريخ الكيان. وأن جولته الأخيرة في المنطقة تندرج ضمن مشروعه لاستكمال تطبيق” الصفقة” بكل ما تحمله من تنكر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومن جرأة على الحقوق العربية.
 فجولة ترامب التي حظيت إسرائيل بنصيب الأسد منها، شهدت عمليات استعراض لما اعتبره الطرفان منجزات غير مسبوقة نفذها الرئيس الجمهوري المتعصب لصالح دولة الاحتلال، حيث تبادل الطرفان الإشادة بتلك المنجزات، وتطرق كل طرف لما ينتظره من منجزات في المستقبل تصب في مجملها ضمن البرامج التي يسعى اليمين المتطرف إلى تحقيقها دون مواربة. ويسعى الرئيس الأميركي إلى دعمها بكل الوسائل والحماسة لتحقيقها، تحت مسمى” إنهاء الإرهاب” أولا، وإطلاق الشرق الأوسط الجديد ثانيا، والذي ستكون السيادة فيه لإسرائيل دون غيرها.
وفي مسار غبر مباشر، محاولة إعادة تحسين صورة إسرائيل لدى العالم، في ضوء ما قامت به من أفعال خارجة عن القانون الدولي، ومنها عمليات التجويع والإبادة الجماعية التي ارتكبتها ضد أبناء قطاع غزة.
فقد بدا التركيز واضحا على الشق الأول من خطة ترامب وتحديدا عملية تبادل الأسرى، التي تصنف بأنها الأكثر سهولة من بين بنود الخطة، والتي نفذت ضمن احتفالية أممية، قد لا تمتد طويلا بحكم ما تنتظره عملية الانسحاب الإسرائيلي من القطاع وما يتبعها من صعوبات تستند الى ربط العملية بسحب سلاح المقاومة، وتدمير الأنفاق والاستسلام الكامل لبعض التنظيمات الفلسطينية. فالتصريحات التي يدلي بها مسؤولون إسرائيليون تؤكد أن وقف الحرب المرتبط بانسحاب إسرائيل من القطاع لن يتم إلا بتجريدها من أي عناصر تدعم موقفها التفاوضي، وتحتاج إلى وقت وجهد للتغلب على مماطلات الجانب الإسرائيلي، التي بدأت بتغيب نتنياهو عن قمة شرم الشيخ، في محاولة للتخلي عن أي التزامات لحكومته، والاكتفاء بضمانات دولية قد لا تصمد كثيرا امام المماطلة الإسرائيلية والانحياز الأميركي الكامل لها. وبالتالي فالخوف ـ كل الخوف ـ من أن يتم توظيف” المبادرة الترامبية” ومخرجاتها المغلفة بصورة النصر، لتحسين صورة الكيان، وخدمة اليمين المتطرف الحاكم في انتخابات مبكرة تأتي بفريق أكثر تشددا من الفريق الحالي، وأكثر انتقائية، خاصة وأن عمر الحكومة ينتهي بعد عام واحد. يجوز لنتنياهو أن يدير خلاله حكومة انتقالية متحللة من كثير من الضغوطات الداخلية. وذات قدرة على المناورة في التفاوض مع كل الأطراف المعنية بتطبيق المبادرة وبما يمكن أن يرتقي إلى مستوى إدارة مواجهة سياسية وعسكرية مع الأطياف المتواجدة في الداخل الفلسطيني، ومن يتحالف معها.