الكيان المحتل من أبرز إفرازات (الحضارة) الغربيّة!*د. صلاح جرّار
الراي
لا يختلف اثنان على أنّ الكيان الصهيوني المحتلّ في فلسطين يمثّل غالبيّة دول الغرب، ذلك أنّ المجتمع الصهيوني يتكوّن من عناصر تنحدر في انتماءاتها من تلك الدول، والثقافة المشتركة لمعظم الإسرائيليين هي الثقافة الغربية المستمدّة من تقاليد البلدان التي جاءوا منها، وهم ينحدرون من أصول أميركية (ما يزيد على نصف مليون أميركي) وبريطانية وألمانية وكندية وأسترالية وأوكرانية وبولندية وهولندية وغيرها كثير، يضاف إليهم ما يزيد على مليون ونصف مليون يهودي هاجروا من جمهوريات الاتحاد السوفيتي إلى دولة الاحتلال في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي. ويوجد تأكيد متبادل من الإسرائيليين والدول الغربيّة على كون المجتمع الصهيوني في فلسطين امتداداً للمجتمعات الغربيّة في ثقافاتها وقيمها، وأكبر دليل على ذلك مواقف الدول الغربيّة من الأحداث الدامية الجارية في فلسطين، حيث تدعم الدول الغربية الكيان الصهيوني دعماً سياسيّاً وعسكريّاً واقتصاديّاً وإعلامياً بجميع وسائل الدعم الممكنة، ويصوّرون أيّ موقفٍ معادٍ للاحتلال معادياً لدولهم ومجتمعاتهم، ولذلك نجدهم يتبنّون الرواية الإسرائيلية في كلّ حدث يجري على الأرض الفلسطينية دون أيّ تفكير أو محاولة للتثبّت. وفي مقابل ذلك نجد الزعماء الإسرائيليين في خطاباتهم ومؤتمراتهم وتصريحاتهم يردّدون فكرة انتمائهم لما يسمّونه الحضارة الغربيّة ويستخدمون هذا القول في التحريض ضدّ العرب والفلسطينيين خاصة وأحياناً ضدّ الإسلام والمسلمين أو ما يسمّونه الوحشيّة أو الإرهاب الإسلامي ووحشية العرب غير المتحضّرين.
وما دامت الأدّلة والشواهد تجمع كلّها على أنّ الكيان المحتلّ يمثّل المجتمعات الغربيّة والمشترك الثقافي الغربيّ بكلّ تفاصيله فإنّ كلّ ما يصدر عن الإسرائيليين من ممارسات لا تمثّل الإسرائيليين وحدهم بل تمثّل المجتمعات الغربيّة كافّة، وأنّ كل صور الوحشيّة والهمجيّة التي يمارسها الجيش الصهيوني في غزّة والضفّة الغربيّة، وما مارسه سابقاً في صبرا وشاتيلا في لبنان ومدرسة بحر البقر في مصر وجبال السلط الأردنية وقبل ذلك في مجازر دير ياسين وقبية وكفر قاسم ومجزرة الحرم الإبراهيمي وغيرها صورٌ تمثّل الوجه الغربي الحقيقي والقيم الغربيّة الدموية والثقافة الغربيّة العنصرية الحاقدة، لأنّ الكيان الصهيوني المحتلّ هو واحدٌ من أهمّ إفرازات ما يسمّى الحضارة الغربيّة، وعليه فإنّ تمزيق أجساد الأطفال وسحق جماجمهم في غزّة، وتجويع الأطفال وحرمانهم من الحليب والطعام والماء حتّى الموت، ونشر الأمراض السارية بين أطفال غزّة، وهدم البيوت على رؤوس أصحابها، وقتل المرضى وهم على أسرّة الشفاء في المستشفيات الفلسطينية، وقصف المستشفيات بأشدّ أنواع الصواريخ فتكاً، واغتصاب الأسرى وقتلهم بدم بارد، والتنكيل بهم وإطلاق الكلاب البوليسية المتوحشة عليهم لتنهش أجسادهم وهم مجرّدون من ملابسهم ومكبّلون، وتدمير المساجد والمدارس والكنائس وقصف خيام النازحين وإحراق من فيها بقنابل النابالم، ومهاجمة قوافل المساعدات، وترويع الناس في بيوتهم ليلاً، واقتلاع الأشجار والمزروعات، وتمزيق الشوارع في المخيّمات والمدن وتدمير شبكات المياه والكهرباء، وحرمان المدن الفلسطينية من جميع مقومات الحياة، والدوس بالدبابات والعربات العسكرية على أجساد الشهداء والجرحى، ودفن المدنيين أحياء، واستهداف سيارات الإسعاف والدفاع المدني ومنعها من الوصول إلى الجرحى كي يموتوا وهم ينزفون دماً، وغير ذلك ممّا يكثر تعداده ويعزّ وصفه لبشاعته، كلّ ذلك يكشف الوجه القبيح جدّاً لما يسمّى بالحضارة الغربيّة التي يمثّلها الاحتلال الصهيوني تمثيلاً دقيقاً وتاماً، وإلاّ فما الفرق بين مجزرة ملجأ العامرية التي ارتكبها الأميركان في بغداد ومجزرة مستشفى المعمداني التي ارتكبتها الطائرات الصهيونية (ذات الأصل الأميركي أيضاً) وبصواريخ (أميركية الأصل أيضاً)؟
وقد أثبتت الجرائم الصهيونية الوحشية بصورها المختلفة الفاحشة جدّاً في قطاع غزّة والضفّة الغربيّة أنّ كلّ ما صدّع به السياسيون والمفكّرون الغربيّون رؤوسنا من شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية والحريّة والعدالة والمساواة وغيرها كانت كذباً في كذب وخداعاً في خداع وتضليلاً في تضليل، وإلاّ فما تفسير دعمهم المطلق لهذا الكيان المجرم سوى كونهم في الحقيقة لا علاقة لهم بالحضارة ولا بالإنسانية ولا بالأخلاق ولا بأي قيمة من القيم التي يريدون إقناعنا بها وهم أبعد الأمم عنها. أمّا الحضارة الماديّة التي يتغنّون بها فهي حضارة تكنولوجيّة تخدم تعطّشهم للتدمير والقتل والإجرام والتجسس واستعباد الشعوب.
وعليه فإنّ ممارسات الصهاينة في فلسطين هي أكثر ما يكشف حقيقة ما يسمى الحضارة الغربية، وأكثر ما يثبت أنّها (حضارة) القتل والإجرام والعنصرية والحقد والوحشية واللا إنسانية.