عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Oct-2025

توقيع رواية "ظلال على شرفة المجهول" لإبراهيم ناصر

 الغد-عزيزة علي

 وقع الروائي إبراهيم ناصر روايته "ظلال على شرفة المجهول"، في أمسية أدبية جمعت بين عبق السرد ودفء الحضور.
"ظلال على شرفة المجهول"، رواية تضيء جوانب الذاكرة الفلسطينية، ويستعيد فيها الروائي عبر الحكاية ملامح الإنسان والمكان.
 
 
أقيم حفل التوقيع في منتدى البيت العربي الثقافي، أول من أمس، وأدارته الأديبة اعتماد سرسك، وقدم الدكتور سمير أيوب ورقة نقدية تناول فيها جماليات السرد في الرواية، موضحا أن السرد الفني هو الشكل الحداثي لأقدم ممارسة ثقافية عرفها الإنسان، وهي "الحكي"، فكلٌّ من الحكي والسرد يؤديان الوظيفة الاجتماعية ذاتها، إذ يشبعان رغبة الإنسان في معرفة ما حدث عبر إعادة تشكيل الواقع برؤية السارد وتأويله.
وقال أيوب "إن السؤالين المطروحان دائمًا: لِمَ نكتب ولمن؟ هل نكتب كفعل نمارسه فحسب، أم لهدف أعمق، مثل قراءة الذات والآخرين وكتابتهم؟ إذا كانت الكتابة تهدف إلى الفهم الأفضل، فهي تتجاوز كل المحاولات لتصنيفها، إذ يصبح الهدف الأساسي هو الدخول إلى دواخل الآخرين والشعور بما يختلج فيهم".
الفن الروائي، كالحياة، غني ومتنوّع، ويعد من أكثر الفنون تعبيرًا عن تحولات الوجود. ومن هذا المنطلق، صارت الرواية، بما تقدمه من فهم للتجليات البشرية، جنسًا أدبيًا مهيمنًا يستفيد من كل الأجناس الأدبية الأخرى.
وأشار أيوب إلى أن هذه الرواية ليست تاريخية تؤرشف لحقبة زمنية محددة، ولا مجرد كاميرا تصور الواقع كما قد يبدو في الظواهر، بل هي رواية متسائلة، مشغولة بتأنٍ وحرفية عاليين في تشكيل الزمان والمكان، وبناء الرموز، وتوظيف المجاز، بما يمنح القارئ تجربة قراءة تتطلب التأمل.
كما أنها غنية بالجدل حول الوطن والاغتراب المكاني، والمنفى النفسي الحقيقي والمجازي، والانتماء والهوية، الهوية القلقة والمتشظية والمختلطة، وبحث الإنسان عن المعنى، المعنى المتململ، والخوف على المصير.
وقال "إن الروائي ينشئ عوالم روايته من خلال التقاط تفاصيل عائلة الفرحان، المقيمة في قرية صغيرة وجميلة من قرى رام الله، تمتد بين السهل والجبل وتطل على بحر فلسطين. ومن هذه العائلة المولودة كلها في القرية، يختار الكاتب هاجر، الزوجة الأولى لشيخ العائلة، وهي امرأة معنفة من زوجها القاسي، ومطلقة تخفي هشاشة إنسانية عميقة، وقد أنجبت قبل طلاقها ابنها البكر صابر.
ومع تغيّر أماكن السرد وفق أيوب، تظهر تباعا شخصيات الرواية الكثيرة. صابر، الشخصية الرئيسة، حاضر غائب كالظل، متشظٍ بين مسقط رأسه والمنفى الاختياري الذي لجأ إليه. يحاول الهرب من ذكريات ماضيه العائلي الذي لا يخبو، فيتشكل في داخله عالمان مختلفان، في نزاع محتدم يكشف انقسامات الذات ومحاولات ترميمها. لم ينقطع تماما عن عالمه الأول، ولم يذب تماما في الثاني.
وتحدث أيوب عن الرمزية في الرواية، قائلا "إنها دقيقة ومتماسكة. فمن العتبة الأولى للنص، عبر الغلاف والعنوان، يستدرجنا الكاتب إلى ما نحت فيه من رمزيات تتطلب تفكيك المعاني والتأمل فيها. الغلاف والعنوان، هما أول عتبتين نصيتين مراوغتين، تحملان بعدا رمزيا غنيا ودلالة مزدوجة".
وأشار إلى أن التظليل الفني للوحة الغلاف، وكلمة "الظلال"، التي تتصدر العنوان، توحي بأن الحياة تأتي من المجهول، وأن الفقد والذكريات والحنين جزء لا يتجزأ من التجربة الإنسانية. أما الشرفة، فترمز إلى الانتظار والترقب والبحث عن إجابات، وتشكل الحافة الفاصلة بين الماضي والمستقبل المجهول غير المحسوم.
ونوه أيوب إلى حضور المكان والزمان بشكل قوي ودلالات متعددة في الرواية. يتسعان ليشملا أزمنة وأمكنة ووقائع وشخصيات كثيرة. يفكك الكاتب زمن الرواية باقتدار بين ماض يثقل الذاكرة وحاضر يركض بلا ملامح محددة. ولفت إلى أن السرد في هذه الرواية جاء غني بالأمكنة التي شهدت أحداث الرواية، ممتدة ومترامية الأطراف بين مواقع وجغرافيات وكيانات سياسية عربية وغير عربية عدة، فتمتد غربي النهر إلى رام الله وترمسعيا والقدس، وشرقي النهر إلى السلط وعمان وزيزياء، وفي المنافي إلى الكويت وفنزويلا.
ورأى، أن البناء السردي للرواية ينتمي إلى الواقعية الحديثة، التي تلامس الداخل قبل الخارج. يستخدم الكاتب تقنيات الاسترجاع والفلاش باك ليغوص في دوافع الشخصيات وهواجسها، معيدًا تشكيل الحكاية قطعة قطعة في لوحة متكاملة.
وأوضح أيوب أن الشخصيات مكتوبة بوعي نفسي بالغ؛ كل حركة، وكل همسة، وكل صمت تحكي عن عمقها الداخلي، وكسرها الخاص، ولحظات ضعفها التي تُضيء الطريق أمام القارئ لفهمها.
ثم تحدث عن بطل الرواية صابر قائلا "هو ليس مجرد بطل ينتصر، بل هو من يفهم ويدرك، من يعيش الألم ويعرفه حق المعرفة. وأمّه ليست مجرد والدة، بل إنسانة مكسورة تحاول تضميد الآخرين بينما تنزف داخليًا، لتجعل القارئ يشعر أن الإنسانية ليست في المثالية، بل في القدرة على الاستمرار رغم الانكسار".
أما الشخصيات الثانوية، وفق أيوب، فهي ليست مجرد زخرفة، بل تضيف كل واحدة منها بعدًا جديدًا إلى اللوحة الكاملة. كما لفت إلى أن اللغة تسند الرواية في بناء مشاهدها بلغة سردية شعرية عالية الكثافة، تستعين باللهجة العامية لدعم البناءين الاجتماعي والنفسي لشخصياتها. كما يوظف الكاتب صورًا مجازية وبلاغية لا للزخرفة، بل لتجسيد ما لا يُقال مباشرة. ويختار أيضًا أن ينسج نصه على وقع آيات قرآنية منصهرة ببراعة بما يخدم أهدافه السردية.
ثم أوضح الروائي إبراهيم ناصر أن روايته "ظلال على شرفة المجهول"، رواية تسجيلية تتناول حياة عائلة فلسطينية في إحدى قرى قضاء رام الله، إذ يسجل تفاصيل حياتها بوصفها نموذجًا اجتماعيًا يمثل المجتمع الفلسطيني. ويُجري من خلالها تشريحًا عميقًا للبنية الاجتماعية الفلسطينية، متناولًا العلاقات العائلية، والزواج، والسلطة الأبوية، والحراك الاجتماعي.
وأضاف ناصر أنه قسم الرواية إلى فترات زمنية تبدأ من مطلع القرن العشرين وحتى ما قبل نكبة العام 1948، مسلطًا الضوء على تحوّلات الشخصيات الرئيسة والثانوية، ومحاولًا الغوص في أعماقها النفسية لكشف الصراعات الداخلية في إطار الواقع الاجتماعي لتلك المرحلة، مستخدمًا الرمز تارةً، والبوح المباشر تارةً أخرى.
وفي صفحات الرواية، يتناول ناصر في سرده المحمولات الثقافية والعادات والتقاليد والمعتقدات السائدة في المجتمع الفلسطيني، عبر مشاهد ذات طابع سينمائي تسجيلي، مثل: البيت الكبير بوصفه رمزًا للسلطة الأبوية والاجتماعية، ومقام الولي الصالح الذي يشكّل في كل قرية فلسطينية ملاذًا للمحتاجين والضعفاء، والأغاني والأهازيج الشعبية التي تعبّر عن الواقع الاجتماعي، والولادة باعتبارها فعلًا إعجازيًا أنثويًا، وشجرة الزيتون بما تحمله من رموز ودلالات، إضافة إلى النصوص الكنعانية الأسطورية والنصوص الدينية وما لها من أثر في تشكيل الشخصية الفلسطينية.
أما في المرحلة الثانية كما أوضح الروائي، فتتبع سيرة العائلة، ولا سيما الشخصيتان الرئيسيتان "صابر ومريم"، وانتقالهما مع والدة صابر هاجر إلى السلط ثم عمّان، محمّلين بكل ما ورثاه من محمولات ثقافية وأسطورية ودينية شكلت هويتهما الأولى، وكيف تفاعلت هذه الموروثات مع البيئة الجديدة لتساهم في تشكيل الهوية العُمانية ضمن الهوية الأردنية الجامعة.