الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة
سانام وكيل* - (الغارديان) 30/10/2025
أظهرت الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة بعد اتفاق وقف إطلاق النار هشاشة "خطة السلام" التي طرحها ترامب. ومن دون دعم دولي، فإن هذه الخطة مهددة بالانهيار الكامل.
تشير الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة التي شُنت على غزة وأسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص إلى مدى هشاشة هذا الترتيب في جوهره. ولم تكن هذه الغارات أول انتهاك للاتفاق منذ بدء سريان وقف إطلاق النار في 10 تشرين الأول (أكتوبر) بقدر ما كانت أحد العديد من الانتهاكات خلال الأسابيع الماضية -وهو ما يُظهر أن هذا الاتفاق، من دون آليات تنفيذ أقوى وتخطيط حازم، لا يعدو كونه وقف إطلاق نار بالاسم فقط.
بحسب إسرائيل، نتجت جولة العنف هذه عن نيران أطلقتها حركة "حماس" ضد قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في رفح -وهي منطقة ما تزال تحت السيطرة الإسرائيلية- وأسفرت عن مقتل جندي احتياط. وقد نفت "حماس" أي تورط لها في هذا الحادث. لكن إسرائيل ردت بشن مزيد من الغارات الإضافية على مدينة غزة وعلى خان يونس. ومع قيام كل طرف بتفسير الانتهاكات بما يخدم مصالحه الخاصة، فإن هيكل وقف إطلاق النار الغامض يترك مساحةً واسعةً للخطأ وسوء التقدير والانتهازية.
تم التوصل إلى هذا الاتفاق في إطار خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المؤلفة من عشرين نقطة لإنهاء الحرب. وفي الواقع، جرى الاحتفاء بإنهاء الحرب كخطوة مهمة إلى الأمام، شهدت انسحابًا جزئيًا للقوات الإسرائيلية وتبادلًا للأسرى والمحتجزين. ومع ذلك، تكمن المشكلة الرئيسية في أن الخطة غير مكتملة إلى حد كبير: إنها لا تقدم جدولًا زمنيًا واضحًا، ولا آلية للتحقق، ولا وسيلة موثوقة للتنفيذ.
وبالإضافة إلى ذلك، لم تُحسم بعد تفاصيل المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار -التي يفترض أن تشمل انسحابًا إسرائيليًا كاملًا من القطاع، وتشكيل إدارة تكنوقراطية في غزة، ونشر بعثة دولية لتحقيق الاستقرار. ومع غياب أي تسلسل واضح للأحداث أو إشراف من طرف ثالث، فإن الخطة مهددة بتكريس حالة عدم الاستقرار السائدة في القطاع بدلًا من حلها.
أوضحت إسرائيل أنها لن تنتقل إلى المرحلة التالية من الاتفاق ما لم تُعد "حماس" جميع رفات الرهائن الإسرائيليين المتوفين، وهو شرط واجهت "حماس" صعوبةً في تحقيقه. ومن جانبها، تتهم "حماس" إسرائيل باستخدام قضية الرهائن كذريعة للإبقاء على السيطرة العسكرية. وفي الأثناء، ومع تحول بنية غزة التحتية إلى أنقاض، تستمر الأزمة الإنسانية في التدهور، وتنهار الخدمات الأساسية. وما يزال السكان، الذين يعانون أصلًا من صدمات حرب دامت عامين، يواجهون نقصًا حادًا في الغذاء والماء والدواء، بينما تبقى قوافل المساعدات خاضعة للمساومات السياسية والعرقلة المتكررة.
وفي خارج غزة أيضًا، يواصل العنف انتشاره في الضفة الغربية، حيث تصاعدت خلال الأيام الماضية المواجهات بين قوات الاحتلال والمستوطنين من جهة، والفلسطينيين من جهة أخرى. وهذا التصعيد الموازي، الذي سمحت به -إذا لم تكن تشجعه- الحكومة الإسرائيلية اليمينية، يسلط الضوء على ضيق نطاق وقف إطلاق النار الحالي، ويُظهر مدى سهولة توسع الصراع مجددًا.
حاولت إدارة ترامب الحفاظ على استمرار الهدنة من خلال زيارات رفيعة المستوى قام بها جاريد كوشنر، وستيف ويتكوف، وجيه دي فانس وماركو روبيو. كما نشرت 200 جندي في مركز للمراقبة، وهي تواصل الضغط على الطرفين. ولكن، على الرغم من أن هذا الانخراط إيجابي ويُظهر نية أميركية جادة، فإنه يظل غير كافٍ بحد ذاته لمنع تجدد دوامات الصراع. ما تزال بيانات الإدارة تواصل الدعوة إلى ضبط النفس، لكنها لا تقدم سوى القليل عندما يتعلق الأمر بالمساءلة. كما يفتقر المركز الجديد للمراقبة إلى السلطة التي تخوله التحقق أو فرض الالتزام. وتستمر مصر وقطر في أداء دور الوساطة، لكن نفوذهما يتضاءل وسط هذا الغموض.
إن ما هو قائم اليوم ليس خطة سلام ذات معنى، بل هو مرحلة انتظار مؤقتة يستعد خلالها كلا الطرفين للمواجهة المقبلة. ومن دون آليات تمنع الانتهاكات أو تفرض العواقب، يظل وقف إطلاق النار عرضةً للانهيار جراء أي استفزاز منفرد. كل تبادل للنيران، وكل خلاف حول استعادة الجثث، وكل اتهام غير موثّق، يعمّق انعدام الثقة ويحدّ أكثر من إمكانية التوصل إلى تسوية أو إلى نقاش جاد حول المرحلة الثانية من الخطة.
إن العيوب الجوهرية في خطة ترامب واضحة، وينبغي النظر إليها على أنها مجرد معالجة للأعراض وليس لجذور المشكلة. ما تزال غزة منقسمة سياسيًا، مدمَّرة اقتصاديًا، وجريحة اجتماعيًا. ومن جهتها، تتعامل إسرائيل التي ما تزال في موقع عسكري قوي مع وقف إطلاق النار على أنه توقف تكتيكي لا أكثر، والذي لا يشكل أي تغيير جوهري في استراتيجيتها.
لكي يتحول وقف إطلاق النار إلى إطار مستدام، يجب تدعيمه دوليًا -ليس من خلال الضغط الأميركي وحده ولا عبر الخطوط العريضة الغامضة لخطة ترامب ذات النقاط العشرين. على الفاعلين الإقليميين والدوليين وضع آليات مراقبة مستقلة، وجداول زمنية واضحة لإعادة الإعمار والانسحاب الإسرائيلي، ومنح ضمانات ملزمة للأمن والوصول الإنساني. ومن دون هذه العناصر، ستظل الأوضاع تتأرجح بين دورات من الهدوء والعنف، إلى أن تؤول في النهاية إلى جولة أخرى من الحرب.
*سانام وكيل Sanam Vakil: كاتبة بريطانية إيرانية الأصل. وهي باحثة وخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، تشغل منصب مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "معهد تشاتام هاوس" في لندن.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: This isn’t a real ceasefire in Gaza – it’s a holding pattern before war returns