عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Dec-2025

تصدعات "ماغا"... ولعنة "اسرائيل"!*رجا طلب

 الراي 

ما جرى ويجرى منذ اكثر من عام داخل تيار ماغا" اليميني في الحزب الجمهوري الأميركي، وهو التيار الذي يرفع شعار (لنجعل اميركا عظيمة من جديد) لم يعد خلافا تنظيميا أو تنافسا شخصيا، بل هو بداية انقسام استراتيجي حول جوهر السياسة الخارجية الأميركية، والمؤتمر الصاخب الذي عُقد مؤخرًا "للتيار" كشف أن شعار "اميركا أولًا" لم يعد شعارًا تعبويًا فقط، بل بات أداة مساءلة داخل قاعدة الحزب خصوصًا فيما يتعلق بالدعم غير المحدود لإسرائيل والسؤال الذي بات يُطرح بوضوح داخل "ماغا ":
 
هل تخدم إسرائيل المصالح الأميركية فعلًا، أم أصبحت عبئا واكثر كلفة؟
 
والحقيقة انه وعلى مدى عقود، شكّلت إسرائيل حالة استثنائية في السياسة الأميركية من خلال ما يلي:
 
• دعم مالي وعسكري بلا حدود تقريبا.
 
• غطاء سياسي ودبلوماسي كامل دون اي اعتبار لاي معايير قانونية او اخلاقية.
 
• تحمّل أميركي لتداعيات أفعال إسرائيل الإقليمية والدولية والتى كانت في اغلبها تتناقض مع ما يسمى بالقيم الاميركية او قيم "العالم الحر".
 
الا ان الحرب على غزة كشفت الثمن الحقيقي لهذا النهج، فالدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل لم يكلّف واشنطن أموالًا فقط، بل ألحق ضررًا عميقًا بصورتها الأخلاقية والسياسية عالميًا، ووسّع الفجوة بينها وبين الرأي العام الدولي وبين العديد من حلفائها في الشرق الاوسط واوروبا والعالم، بل وحتى داخل المجتمع الأميركي، واقصد هنا داخل تيار "ماغا "، "الوطني" داخل الحزب الجمهوري الحاكم والذي بات جزء منه يُنظر إلى إسرائيل كحليف يجرّ الولايات المتحدة إلى صراعات لا تخدم أولويات المواطن الأميركي، ويتناقض مع وعد الانكفاء والتركيز على الداخل ويتناقض مع "شعار اميركا اولا"، وتيار "ماغا" ينقسم الى جناحين:
 
• جناح تقليدي لا يزال يرى في دعم إسرائيل جزءًا من "الهوية المحافظة" والتحالف الحضاري.
 
• وجناح "وطني" ولا احب تسميته بالشعبوي، وهذا تيار صاعد يقيس العلاقات الخارجية بلغة الأرقام والكلفة السياسية، وهو لا يعادي إسرائيل أيديولوجيًا، لكنه يطرح السؤال المفصلي: لماذا هذا الاستثناء مع اسرائيل وما هي الفائدة؟.
 
هذا الواقع الجديد فرض معادلات جديدة داخل الحزب الجمهوري حتى دونالد ترامب، الذي منح إسرائيل مكاسب غير مسبوقة في تاريخ العلاقة بين الجانبين يجد نفسه مضطرًا لإعادة ضبط سلوكه السياسي، والحديث عن "تحصيل المقابل" و "إنهاء الحروب" والتى في اغلبها تدخل بها مصالح اسرائيلية مباشرة وعلى حساب حلفاء واشنطن في الاقليم الذين يقدمون لواشنطن خدمات استراتيجية حيوية بكلفة أقل بكثير، وهذه الدول تساهم في تحقيق اربعة اهداف حيوية لواشنطن:
 
• حفظ الاستقرار الإقليمي.
 
• احتواء الازمات والانفجارات الواسعة المحتملة.
 
• تأمين الطاقة والممرات البحرية.
 
• ومكافحة الإرهاب.. كل ما سبق دون أن يفرضوا على واشنطن غطاءً أخلاقيًا مكلفًا.
 
حرب غزة أبرزت هذا التناقض بوضوح ففي الوقت الذي تحمّلت واشنطن عبء الدفاع عن إسرائيل في المحافل الدولية، فيما ظهرت دول مثل قطر ومصر كوسطاء، والسعودية كركيزة استقرار إقليمي، وتركيا كلاعب مؤثر قادر على التواصل مع أطراف متعددة، اما الاردن فهو كما كان تاريخيا عامل الاستقرار الاستراتيجي في المنطقة بحكم موقعه الجيوسياسي، ولهذا فان على العقل السياسي للدولة الاردنية ان يتعامل مع ما سبق كفرصة "ذهبية" لاعادة انتاج "دوره التاريخي" الذي تأثر بسبب التغيرات السياسية الدراماتيكية بعد سقوط صدام حسين ونتائج الحرب على العراق عام 2003، فالاردن اليوم ورغم فتور العلاقة مع هذه الادارة الا ان لديه فرصة استراتيجية دقيقة لاعادة التموضع الايجابي و تقديم نفسه كـحليف منخفض الكلفة وعالي القيمة، مقارنة بسياسات إسرائيل العدوانية لمجمل الاقليم، و الذي يخدم الاردن هنا هو تراجع الإجماع الأميركي المطلق بشان إسرائيل، كما يعطيه هذا العامل مساحة واسعة للانتقال من موقع المتلقي لتداعيات السياسات الأميركية إلى موقع الشريك في إعادة صياغتها، خصوصًا داخل أوساط الجمهوريين "الوطنيين".
 
تصدعات "ماغا" ليست أزمة داخلية أميركية ظرفية، بل بداية إعادة تقييم كبرى لدور إسرائيل وكلفة رعايتها وفي لحظة تتآكل فيها صورة واشنطن بسبب غزة، ويصعد فيها منطق "اميركا اولا ً" وهي اللحظة التى يجد فيها الحلفاء العرب وتركيا — وفي مقدمتهم الأردن في موقع أكثر تأثيرًا على واشنطن إذا احُسنت قراءة المشهد واستثماره سياسيًا.