إسرائيل والسباق مع الزمن: هل تنجح في خلق حقائق جديدة قبل وصول ترامب؟*د. عامر السبايلة
الراي
حراك دبلوماسي مكثف تشهده المنطقة في الأسابيع الأخيرة من إدارة الرئيس بايدن في البيت الأبيض، في محاولة لإيجاد إطار لوقف إطلاق النار في لبنان.
والحقيقة أنه بالرغم من كثافة وزخم هذه المحاولات ورغبة العديد من الأطراف الدولية في وقف الحرب، إلا أن أي صيغة مقترحة لوقف الحرب لم تعد قادرة على تقديم وصفة مرضية لأطراف الصراع. فإسرائيل تسعى للدفع باتجاه صيغة جديدة للحل تتجاوز في جوهرها القرارين 1701 وحتى 1559، وتمنح إسرائيل الحق في تنفيذ عمليات عسكرية في لبنان متى شاءت، وهو ما لا يمكن قبوله بهذه الصيغة من قبل حزب الله. ولهذا، في الوقت الذي تُظهر فيه إسرائيل نوعًا من المرونة تجاه المفاوضات، ينتهج الإسرائيلي التصعيد بطريقة توحي بعدم وجود أي رغبة حقيقية في إي?اف الحرب، خاصة في مناطق الجنوب اللبناني، حيث تكثف محاولاتها للتوغل في الداخل اللبناني واستهداف الضاحية الجنوبية أو أي منطقة تزعم إسرائيل أنها تحوي أهدافًا تابعة لحزب الله.
في الوقت نفسه، يستمر التصعيد الإسرائيلي الكبير باستهداف الداخل السوري بشكل متواصل، حيث تكون الأهداف غالبًا تابعة لحزب الله أو إيران. وهذا يشير إلى تصميم إسرائيلي على تنفيذ خطة عزل لبنان عن سوريا وقطع أي فرص لإمداد حزب الله، ما يعني عمليًا قطع الطريق بين سوريا ولبنان. هذه الاستراتيجية التي تنتهجها إسرائيل تهدف إلى تحقيق العزل على عدة مستويات: عزل الجنوب اللبناني، عزل الضاحية الجنوبية عن بيروت وتفريغها، وصولًا إلى عزل لبنان عن سوريا. ولهذا، من الطبيعي أن تشهد المرحلة القادمة تعزيزًا عسكريًا إسرائيليًا على ال?بهة اللبنانية ميدانيًا، إلى جانب تكثيف الضربات الجوية في لبنان، والاستهدافات في سوريا.
لا بد من الإشارة إلى دخول الولايات المتحدة مؤخرًا على خط استهداف الميليشيات الموالية لإيران، التي تُعتبر تهديدًا للمصالح الأميركية في المنطقة، مما يعطي هذا التصعيد أبعادًا إضافية. هذه الاستراتيجية الإسرائيلية تتزامن أيضًا مع تصعيد كبير من سكان منطقة البوكمال الذين بدأوا في استهداف الميليشيات الموالية لإيران. وقد يتطور هذا الوضع لاحقًا إلى تصعيد أكبر على الحدود العراقية-الإيرانية، مما يوسع خطة العزل التي تتبناها إسرائيل نحو هدفها النهائي: قطع الطريق بين طهران وبيروت.
هذا التصعيد الذي بدأ يتوسع تدريجيًا ليشمل بشكل أكبر الجغرافيا السورية، ويفتح احتمالية انتقال العمليات إلى الجغرافيا العراقية، يشير إلى أن الأسابيع التي تسبق دخول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض ستكون حاسمة بالنسبة لإسرائيل ومليئة بالتصعيد. فبالرغم من أن نتنياهو كان قد تحدث عن «هدية» ستُقدم للرئيس ترامب في إطار وقف إطلاق النار في لبنان، إلا أن أي «هدية» إسرائيلية لترامب لا بد أن تأتي بعد فرض وقائع جديدة تجعل إدارة ترامب تتعامل معها كأمر واقع. هذا يعني أن التحركات الإسرائيلية لن تقتصر على جبهات مفتوحة مثل لبنا?، من خلال التصعيد العسكري، وغزة، بمحاولات فرض واقع جغرافي جديد، بل قد تمتد أيضًا إلى الجغرافيا الأمنية كالضفة الغربية التي ترى فيها إسرائيل ذريعة وفرصة لإحداث تغييرات دائمة على الأرض، يمكن التعامل معها لاحقًا كأساس لأي حل قادم من قبل إدارة ترامب.
ضمن هذا المناخ التصعيدي، قد يجد الأردن نفسه محاطًا بجبهات مشتعلة، مما يفرض عليه حالة من التأهب والاستعداد لمواجهة تداعيات غير متوقعة. تأمين الحدود الأردنية قد يتطلب جهودًا مضاعفة مقارنة بالسنوات الماضية، نظرًا لتزايد احتمالات الاستهداف أو محاولات الاختراق. كذلك، فإن الداخل الأردني قد يكون عرضة لمحاولات تهدف إلى خلق أزمات أمنية، مع تعدد الأطراف التي ترى مصلحتها في تصدير أزماتها السياسية إلى الساحة الأردنية.
هذا الوضع يعزز الحاجة إلى تبني استراتيجية استباقية تأخذ بعين الاعتبار انعكاسات الأخطار القادمة من الحدود على الداخل الأردني، مع رفع مستوى التأهب.
في ظل هذا التصعيد المتزايد، تصبح مسألة التلاحم الوطني ضرورة استراتيجية، وليست مجرد خيار. فالأردن بحاجة إلى جبهة داخلية متماسكة قادرة على التصدي لتداعيات الأزمة الإقليمية وأخطارها المتوقعة، وإلى خطاب وطني يُعزز الإيمان الجماعي بأن أمن واستقرار الأردن مسؤولية الجميع.