الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة
جيفري د. ساكس* - (كومون دريمز) 21/11/2024
صنع العمل الجماعي المشترك للمحافظين الجدد في الولايات المتحدة واللوبي الإسرائيلي واحدة من أكبر الكوارث العالمية في القرن الحادي والعشرين... كان من المقرر أن تكون حرب العراق هي الحرب الأولى من بين سبع حروب في خمس سنوات. وتم تأجيل حروب المتابعة في البداية بسبب حركة التمرد العراقية المناهضة للولايات المتحدة. لكن الولايات المتحدة ذهبت في النهاية إلى الحرب، أو دعمت الحروب، ضد العراق وسورية وليبيا والصومال والسودان ولبنان -وتبقت إيران.
أصبح الأمر رسمياً الآن. أقرب حلفاء أميركا، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي حظي بأكثر من 50 وقفة ونوبة من التصفيق الحار في الكونغرس الأميركي قبل بضعة أشهر فقط، يواجه الآن لائحة اتهام من "المحكمة الجنائية الدولية" بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
يجب على أميركا أن تنتبه: إن الحكومة الأميركية متواطئة في جرائم الحرب التي ارتكبها نتنياهو، وشاركت بشكل كامل في نوبة الهياج المسعور التي أطلقها نتنياهو على مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
على مدى 30 عاماً، حث اللوبي الإسرائيلي الولايات المتحدة على خوض الحروب نيابة عن إسرائيل، والتي تهدف إلى منع ظهور دولة فلسطينية. وكان نتنياهو، الذي صعد إلى سدة السلطة لأول مرة في العام 1996، واحتل منصب رئيس الوزراء لمدة 17 عاماً منذ ذلك الحين، هو المشجع الرئيسي للحروب التي تخوضها أو تدعمها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وكانت النتيجة كارثة على الولايات المتحدة، وحصيلة دموية -ليس للشعب الفلسطيني فحسب، وإنما للشرق الأوسط بأكمله.
ولم تكن هذه حروباً تهدف إلى الدفاع عن إسرائيل. كانت حروباً تهدف إلى الإطاحة بالحكومات التي تعارض قمع إسرائيل للشعب الفلسطيني. وتعارض إسرائيل بشدة حل الدولتين الذي يدعو إليه القانون الدولي، ومبادرة السلام العربية، ومجموعة العشرين، ومجموعة "بريكس"، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والجمعية العامة للأمم المتحدة. وأدى تعنت إسرائيل وقمعها الوحشي للشعب الفلسطيني إلى ظهور العديد من حركات المقاومة المسلحة منذ بداية الاحتلال. وتتمتع هذه الحركات بدعم العديد من البلدان في المنطقة.
كان الحل الواضح للأزمة الإسرائيلية - الفلسطينية دائماً هو تطبيق حل الدولتين، وتجريد الجماعات المسلحة من السلاح كجزء من عملية التنفيذ.
ولكن، كان نهج إسرائيل، وخاصة في عهد نتنياهو، هو الإطاحة بالحكومات الأجنبية التي تعارض هيمنتها على المنطقة وإعادة رسم خريطة "الشرق الأوسط الجديد" من دون دولة فلسطينية. وبدلاً من صنع السلام، يعكف نتنياهو على صنع حرب لا نهاية لها في المنطقة.
لعل الصادم أكثر ما يكون في كل هذا هو أن واشنطن سلّمت الجيش الأميركي والميزانية الفيدرالية لنتنياهو لخدمة حروبه الكارثية. ويمكن العثور على تاريخ استيلاء اللوبي الإسرائيلي الكامل على واشنطن في الكتاب الجديد الرائع لإيلان بابيه، "الضغط من أجل الصهيونية على جانبي الأطلسي" (2024). Lobbying for Zionism on Both Sides of the Atlantic.
كرر نتنياهو مراراً على مسامع الشعب الأميركي أنهم سيكونون المستفيدين من سياساته. وفي الواقع، كان كل ما يفعله نتنياهو كارثة كاملة للشعب الأميركي، حيث استنزف موارد وزارة الخزانة الأميركية بتريليونات الدولارات، وبدد مكانة أميركا في العالم، وجعل الولايات المتحدة متواطئة في سياسات إبادة جماعية، وجعل العالم أقرب إلى الوقوع في حرب عالمية ثالثة.
إذا كان ترامب يريد أن يجعل أميركا عظيمة مرة أخرى، كما يقول، فإن أول شيء يجب عليه فعله هو جعل أميركا ذات سيادة مرة أخرى، من خلال وضع نهاية لخضوع واشنطن للوبي الإسرائيلي.
ولا يسيطر اللوبي الإسرائيلي على الأصوات في الكونغرس فحسب، بل يضع مؤيدي إسرائيل المتشددين في مناصب الأمن القومي الرئيسية.
ومن بين هؤلاء: مادلين أولبرايت (وزيرة الخارجية في إدارة كلينتون)، لويس ليبي (رئيس موظفي نائب الرئيس تشيني)، فيكتوريا نولاند (نائبة مستشار الأمن القومي لتشيني، سفيرة (الناتو) لبوش الابن، مساعد وزير الخارجية لأوباما، وكيل وزارة الخارجية لبايدن)، بول وولفويتز (وكيل وزارة الدفاع لبوش الأب، نائب وزير الدفاع لبوش الابن)، دوغلاس فيث (وكيل وزارة الدفاع لبوش الابن)، أبرام شولسكي (مدير مكتب الخطط الخاصة، وزارة الدفاع لبوش الابن)، إليوت أبرامز (نائب مستشار الأمن القومي لبوش الابن)، ريتشارد بيرل (رئيس مجلس السياسة الوطنية للدفاع لبوش الابن)، عاموس هوكستين (كبير مستشاري وزير الخارجية لبايدن)، وأنتوني بلينكن (وزير خارجية بايدن).
في العام 1995، وصف نتنياهو خطة عمله في كتابه "مكافحة الإرهاب". للسيطرة على الإرهابيين (وصف نتنياهو للجماعات المسلحة التي تقاتل حكم إسرائيل غير القانوني على الفلسطينيين)، لا يكفي محاربة الإرهابيين. سيكون من الضروري محاربة "الأنظمة الإرهابية" التي تدعم مثل هذه الجماعات. ويجب أن تكون الولايات المتحدة هي رأس الحربة في هذا الجهد. كتب نتنياهو:
"لذلك يجب أن يكون وقف الإرهاب مطلباً واضحاً، مدعوماً بالعقوبات وغير مصحوب بأي مكافآت. وكما هو الحال مع جميع الجهود الدولية، فإن التطبيق الصارم للعقوبات على الدول الإرهابية يجب أن تقوده الولايات المتحدة، التي يجب أن يختار قادتها التسلسل، والتوقيت، والظروف المناسبة لهذه الأعمال".
وكما قال نتنياهو للشعب الأميركي في العام 2001 (أعيد طبع الخطاب ليكون مقدمة لطبعة العام 2001 من كتاب "محاربة الإرهاب"):
"أول وأهم شيء يجب فهمه هو: لا يوجد إرهاب دولي من دون دعم دول ذات سيادة. لا يمكن أن يستمر الإرهاب الدولي طويلاً، ببساطة، من دون الأنظمة التي تساعده وتحرضه... تخلص فقط من كل هذا الدعم من الدولة المعنية، وسوف تنهار دعائم الإرهاب الدولي بأكملها وتتحول إلى غبار. وهكذا، تستند الشبكة الإرهابية الدولية إلى أنظمة -إيران، والعراق، وسورية، وطالبان أفغانستان، والسلطة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، والعديد من الأنظمة العربية الأخرى، مثل السودان".
كان لهذا وقع الموسيقا على آذان المحافظين الجدد في واشنطن، الذين انخرطوا هم أيضاً في عمليات تغيير النظام التي تقودها الولايات المتحدة (من خلال الحروب، والتخريب السري، والثورات الملونة التي تقودها الولايات المتحدة، والانقلابات العنيفة، وما إلى ذلك) باعتبارها الطريقة الرئيسية والمثلى للتعامل مع الخصوم المتصوَّرين للولايات المتحدة.
بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، تعاون المحافظون الجدد في إدارة بوش الابن (بقيادة تشيني ورامسفيلد) والمطلعون على بواطن الأمور في إدارته من جماعة اللوبي الإسرائيلي (بقيادة وولفويتز وفايث)، لإعادة تشكيل الشرق الأوسط من خلال شن سلسلة من الحروب التي تقودها الولايات المتحدة على أهداف نتنياهو في الشرق الأوسط (لبنان، وإيران، والعراق وسورية)، وفي شرق أفريقيا الإسلامي (ليبيا والصومال، والسودان). ودور اللوبي الإسرائيلي في تأجيج هذه الحروب الاختيارية موصوف بالتفصيل في كتاب بابيه الجديد.
تم عرض خطة الحرب المشتركة التي وضعها اللوبي الإسرائيلي والمحافظون الجدد على الجنرال ويسلي كلارك في زيارة إلى البنتاغون بعد وقت قصير من 11 أيلول (سبتمبر). وسحب أحد الضباط ورقة من على مكتبه وقال لكلارك:
"تلقيت للتو هذه المذكرة من مكتب وزير الدفاع. وهي تقول إننا سنهاجم وندمر الحكومات في 7 دول في غضون خمس سنوات -سنبدأ بالعراق، ثم سننتقل إلى سورية، ولبنان، وليبيا، والصومال، والسودان وإيران".
في العام 2002، سوّق نتنياهو حرب العراق على الشعب الأميركي والكونغرس، حيث قدم لهم وعداً:
"إذا أسقطتم صدام، نظام صدام، أضمن لكم أنها ستكون لذلك أصداء إيجابية هائلة على المنطقة (...) الناس الذين يجلسون في الجوار في إيران، والشباب، وكثيرون غيرهم، سيقولون إن زمن مثل هذه الأنظمة، مثل هؤلاء الطغاة، قد ولى".
ثمة تقرير جديد رائع أيضاً يأتي من شخص داخلي، ويتحدث عن دور نتنياهو في قيادة حرب العراق؛ من قائد قيادة مشاة البحرية المتقاعد دينيس فريتز، في كتابه "خيانة قاتلة" Deadly Betrayal (2024). عندما تم استدعاء فريتز للذهاب إلى العراق في أوائل العام 2002، سأل كبار المسؤولين العسكريين عن سبب نشر الولايات المتحدة قواتها في العراق، لكنه لم يحصل على إجابة واضحة. ولذلك، بدلاً من قيادة الجنود إلى معركة لا يستطيع شرحها أو تبريرها، قرر ترك الخدمة في الجيش.
وفي العام 2005، دُعي فريتز مرة أخرى إلى البنتاغون، الآن كمدني، لمساعدة وكيل الوزارة في ذلك الحين، دوغلاس فيث، في رفع السرية عن الوثائق المتعلقة بالحرب، حتى يتمكن فيث من استخدامها في تأليف كتاب عن الحرب.
واكتشف فريتز في هذه العملية أن حرب العراق كانت مدفوعة من نتنياهو بتنسيق وثيق مع وولفويتز وفيث. وعلم أن هدف الحرب الأميركية المزعوم، تدمير أسلحة الدمار الشامل التي لدى صدام، كان وسيلة تحايل مشؤومة للعلاقات العامة بقيادة أبرام شولسكي، أحد الداخليين المطلعين من اللوبي الإسرائيلي، بهدف حشد دعم الجمهور الأميركي للحرب.
كان من المقرر أن تكون حرب العراق هي الأولى من بين سبع حروب في خمس سنوات، ولكن كما يوضح فريتز، تم تأجيل حروب المتابعة بسبب حركة التمرد العراقية المناهضة للولايات المتحدة. ومع ذلك، ذهبت الولايات المتحدة في النهاية إلى الحرب، أو دعمت الحروب ضد العراق وسورية وليبيا والصومال والسودان ولبنان. بعبارة أخرى، نفذت الولايات المتحدة خطط نتنياهو -باستثناء محاربة إيران.
حتى هذا اليوم، بل وحتى هذه الساعة، ما يزال نتنياهو يعمل بدأب على تأجيج حرب أميركية ضد إيران، والتي يمكن أن تبدأ حرباً عالمية ثالثة، إما عن طريق تحقيق إيران اختراقاً في الأسلحة النووية، أو عن طريق انضمام حليفة إيران، روسيا، إلى مثل هذه الحرب إلى جانب طهران.
لقد تسبب العمل الجماعي المشترك بين اللوبي الإسرائيلي والمحافظين الجدد بواحدة من أكبر الكوارث العالمية في القرن الحادي والعشرين. وأصبحت جميع البلدان التي هاجمتها الولايات المتحدة أو وكلاؤها -العراق، ولبنان، وليبيا، والصومال، والسودان وسورية- في حالة خراب.
في الوقت نفسه، تستمر الإبادة الجماعية التي ينفذها نتنياهو في غزة على قدم وساق. ومرة أخرى، عارضت الولايات المتحدة الإرادة الإجماعية للعالم (في ما عدا إسرائيل) في الأسبوع الماضي من خلال استخدامها حق النقض (الفيتو) ضد قرار لمجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف إطلاق النار في القطاع، بينما أيده أعضاء المجلس الأربعة عشر الآخرون.
إن القضية الحقيقية التي تواجه إدارة ترامب ليست الدفاع عن إسرائيل من جيرانها، الذين دعوا مراراً وتكراراً، بل على أساس يومي تقريباً، إلى سلام قائم على حل الدولتين. إن القضية الحقيقية هي الدفاع عن الولايات المتحدة من اللوبي الإسرائيلي.
*جيفري دي ساكس Jeffrey D. Sachs: أستاذ جامعي ومدير مركز التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا، حيث أدار "معهد الأرض" من العام 2002 حتى العام 2016. وهو أيضاً رئيس "شبكة حلول التنمية المستدامة" التابعة للأمم المتحدة و"مفوض لجنة النطاق العريض" التابعة للأمم المتحدة للتنمية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Netanyahu’s Arrest Warrant Also Indicts US Policy