إسرائيل هيوم
بالضبط في اليوم الذي حلت فيه ذكرى 40 سنة على سيطرة متظاهري الثورة الإسلامية على مبنى السفارة الأميركية في طهران، هاجم متظاهرون عراقيون اسوار القنصلية الإيرانية في كربلاء، القوا زجاجات حارقة ودعوا خامينئي إلى الكف عن التدخل في الشؤون العراقية الداخلية.
ايران، على طريقتها، سارعت الى الادعاء بان الولايات المتحدة واسرائيل تقف خلف المتظاهرين، الذين يغرقون في الشهرين الاخيرين شوارع بغداد وغيرها من المدن في العراق. ادعاء مشابه اطلقته طهران تجاه المتظاهرين الذين يخرجون للاحتجاج في ساحات بيروت، طرابلس وباقي المدن اللبنانية، وحذر خامينئي المتظاهرين في الدولتين من اجتياز الخطوط الحمراء. ولكن الحقيقة هي، بالطبع، ان هذا احتجاج مدني اصيل وحقيقي، لم يشهد مثله في العراق منذ اسقاط صدام حسين في 2003، وفي لبنان – منذ اغتيال رفيق الحريري في 2005. ليس للاحتجاج علاقة بإسرائيل والولايات المتحدة، ولكن يمكن التعاطي معه كجولة ثانية من “الربيع العربي” الذي نشب قبل عشر سنوات، ولكنه تجاوز دولا كالعراق ولبنان.
ثورة شعبية ومدنية
الموجة الأولى، التي بدأت كما يذكر، بمتظاهر أحرق نفسه في تونس احتجاجا على الضائقة الاقتصادية، بدأت هي ايضا كثورة شعبية وعفوية ضد الانظمة الطاغية، ضد الفساد وتمركز القوة والثراء في ايدي القلة في القمة. لم تكن هناك دعوة لاقامة ديمقراطية وانتخابات حرة، بل اساسا مطالبة بتغيير الحكم المركزي بحاكم آخر، اكثر تسامحا وانصاتا لازمات الشعب واجراء إصلاحات اقتصادية.
الموجة الأولى، في مصر، في سورية وفي أماكن اخرى، قمعت بالقوة وبالعنف على ايدي الحكام. وفي دول غنية وأدت في مهدها بتوزيع الاموال والامتيازات على المعارضين. ولكن المشاكل والازمات لم تحل بل احتدمت فقط، ضمن امور اخرى في اعقاب هبوط أسعار النفط.
لا يكتفون بالاستبدال
إن جولة الاحتجاج والمظاهرات الحالية، التي اشتعلت في الأشهر الأخيرة في لبنان وفي العراق اساسا، تتركز على المشاكل ذاتها ولكنها تختلف عن سابقتها، ففي الدولتين لم يعد المتظاهرون مستعدين للاكتفاء باستبدال النظام بنظام آخر وباصلاحات اقتصادية، بل يطالبون بتغيير طريقة الحكم من الاساس، بمعنى: استقالة كل الحكومة والوزراء، ابعاد النخبة السياسية الفاسدة التي تجمع في ايديها كل النفوذ والمال، واقامة حكومة تكنوقراطيين، تضع مصالح المواطنين في الاولوية العليا.
فضلا عن ذلك، فان ما يميز المظاهرات في لبنان وفي العراق ويمنحها بعدا تاريخيا هو أنها تتجاوز الخطوط الطائفية، الدينية والحزبية، وتطالب بتغيير مبنى الحكم، الذي يخلد الانشقاق في الشعب ويمنع الوحدة.
لم يسبق أن كان شيء كهذا في لبنان، حيث النظام يتوزع وفقا لقوة الطوائف المختلفة ولا في العراق حيث معظم السكان شيعة. فموجة المظاهرات الاخيرة خرجت بالذات من المناطق الشيعية الواضحة التي يسكن فيها عاطلون عن العمل، قليلو الدخل وقليلو الامكانيات. وفي الدولتين اشار المتظاهرون الى أنهم لن يكتفوا باستقالة رئيس الوزراء (في لبنان استقال منذ الان) ولا بالاصلاحات، التي ستبقي على حاله النظام الذي يتوزع فيه كل المال على اصحاب الفخامة والمقربين.
رغم أن الضائقة الاقتصادية والرغبة في القضاء على الفساد هما الدافع الاساس للمظاهرات في لبنان وفي العراق – في طهران اشعلت الاضواء الحمراء. ففي الدولتين توجد اهمية عليا في عملية “تصدير الثورة” الايرانية، ودور اساسي في صد الهجمات الخارجية على ايران والخروج الى هجمات ضد اعداء محتملين. في لبنان يؤتمن على هذه المهمة بيد حزب الله. في العراق – بيد الميليشات المؤيدة لإيران. ان ضعضعة الاستقرار الداخلي في العراق وفي لبنان من شأنه أن يضعضع اساس الاستراتيجية الأمنية والعسكرية الإيرانية.
فضلا عن ذلك، ثمة تخوف في طهران من أن انتشار المظاهرات في العراق ضد النظام من شأنه أن يشكل اثرا يعيد اخراج المتظاهرين الى الشوارع في إيران، مثلما حصل في 2009، وقبل نحو سنتين. لقد دفع هذا التخوف بقاسم سليمان لان يأمر الميليشيات المؤيدة لإيران في العراق بالمشاركة في قمع المظاهرات. في لبنان، لم يستخدم حزب الله بعد. واحتمال ان تنجح الجولة الثانية من الربيع العربي في لبنان وفي العراق اكثر من سابقتها ليس واضحا.
ان تغيير النظام السياسي في الدول العربية ليس أمرا سهلا، والحكام لا يتخلون بسهولة عن كراسيهم. ولكن الإيرانيين يشعرون بانهم مهددون بذلك، ليس اقل من تهديد تأثير العقوبات الأميركية ضدهم. لا ينبغي استبعاد امكانية أن القرار في طهران لاستئناف تخصيب اليورانيوم في فوردو جاء، ضمن أمور اخرى، لصرف الانتباه عن المشاكل الداخلية التي تخلقها المظاهرات في العراق وفي لبنان، وتركيز الانتباه على “العدو الحقيقي”.
هكذا، الرغبة القائمة للرد بخطوة عسكرية على الأعمال ضدها، والتي تنسبها لإسرائيل.