عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Jan-2025

التحولات القادمة وغزة| د. جواد العناني

 العربي الجديد


عند بداية الإعداد لكتابة هذه السطور، انتظرت أن أسمع خبراً عن غزة العزة إن كان وقف إطلاق النار قد حصل، وأن تبادل المحتجزين الإسرائيليين بالأسرى الفلسطينيين قد بدأ، ولكن الساعة كانت قد قاربت الظهر في عمّان عاصمة الأردن، ولم يحصل شيء من ذلك، بل على العكس، فقد استمر الجيش العدواني في صلفه بضرب رفح وخانيونس وشمال القطاع جواً وبراً، يهدم البيوت ويقتل أهالي غزة. وكأن العالم الآخر ليس مهماً، ولا تعني قراراته شيئاً.

ويحصل هذا العدوان المتحدي للعالم بأجمعه لهدف سخيف، وهو مسح الدموع من عيون الوزيرين (إيتمار) بن غفير و(بتسلئيل) سموتريتش وغيرهما من الوزراء المعارضين لوقف ذلك العدوان. أرأيتم أمراً أسخف من هذه المبادلة؟ يجب أن أسجل أن كل محاولاتي للكتابة عن تقلبات الدولار وأسعار الذهب وأسواق البورصة باءت بالفشل.

فقد أعددت الإحصاءات والمقارنات، ولكن ما يحصل في غزة أبقاني معلقاً من أهدابي بحبال سحرية بأحداث غزة ومجرياتها. ويثور السؤال الكبير في الذهن الشارد والوارد: هل انتصرت غزة بمقاوميها وشهدائها وجرحاها وصبرها الأسطوري؟ هل يمكن أن نقول إن غزة انتصرت لأنها فوتت على العدو الذي تحاربه أن يحقق أياً من أهدافه التي أعلنها وبدلها وأعاد تكييفها أكثر من مرة؟ هل يمكن القول إن العدوان أو العدو قد فشل في تهجير أهل غزة، وفي إنقاذ معتقليه اليهود، وتحطيم بنية حركة حماس، وفي قتل روح النضال في أهل غزة؟ بالطبع في رأيي أنه لم ينجح.

وهل يكفي بالمقابل أن نقول إن غزة العزة قد تحملت وصبرت وقهرت العدو، رغم استشهاد ما يقارب 47 ألف شخص (بمعدل 100 شهيد يومياً)، ووقوع مائة وأربعين ألف جريح، وتهديم 80% من المباني، وقتل أسر بأكملها، واستشهاد ما لا يقل عن سبعة عشر ألف طفل وأقل من ذلك من النساء؟ هل تبرر كل هذه التضحيات الجسيمة وآثارها التي لن تستدرك - إن استدركت كلها - إلا بعد سنوات من البذل والمعاناة والمكابدة والتكيف النفسي والاقتصادي والاجتماعي مع هذا الحال؟

لا يمكن لنا أن نطرح هذا السؤال جانباً لنقول إن كل هذا البذل بالغالي والرخيص من الأرواح والأموال قد بذل دون أن نتعاطف معه من صميم شغاف القلب، وماذا سنقول لأم فقدت أطفالها، ولطفل ضائع بين الركام، ولشيخ ماتت ذكرياته قبله، ولأخت فقدت أخاها وحاميها؟ إن لم نشعر مع هؤلاء فنحن بلا روح ولا إنسانية ولا خير فينا.
آليات ثقيلة تعمل على إزالة الأنقاض في غزة، 19 يناير 2025 (حنين سالم/الأناضول)
اقتصاد عربي

غزة تحفر بأظافرها لإزالة الركام... الأنقاض العدو الأكبر

إذن فنحن بين موجتين عاتيتين: واحدة تقول لنا إن التضحيات والخسائر لم تذهب هباء ولا سُدى، بل هو ثمن كان لا بد من دفعه من أجل أن تبقى القضية حيّة نابضة في حشايا أهلها والمناضلين لها والواقفين إلى جانبهم. وبدون تضحيات ونضال، فإن أهل فلسطين لن يحصلوا من عدو لهم يقف حائلاً دون تحقيقهم لما هم جديرون به من حياة كريمة فضلى وموطن مستقر.

ولسوف يبقى هذا السؤال معنا: "لو كانت المقاومة تعلم شدة ردة فعل إسرائيل ومؤيديها وداعميها على أحداث يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وما سببته من قتل وتشريد، فهل كانت ستقوم بذلك العمل؟ والجواب هو أننا لا ندري تماماً، ولكل منا رأيه البارد القائم على الإحصاء والعقل، ورأيه الآخر الذي يشتعل داخله بحب الوطن والواجب والتضحية، هل ستخرج مقتنعاً بجدوى هذه التضحيات الكبرى؟

وبالمقابل يثور السؤال على الجانب الإسرائيلي: هل يعرف الإسرائيليون القصة الكاملة لأحداث غزة؟ هل هناك مؤامرة خفية حيكت في الظلام الدامس ونفذت ببراعة كاملة من أجل توريط المقاومة في هذه الحرب؟ هل كانت الإشاعات التي تقول إن من غير المعقول على وسائل التجسس الإسرائيلية ومؤسساتها أن تغفل عن استعدادات المقاومة وتدريباتها لأشهر طويلة؟ يقول البعض إن من غير المعقول على جيش إسرائيل الذي توزع في كل أنحاء غزة مع استمرار الحرب أنه لم يكن ليعلم أين معتقلوه مختفين، أم أنهم لم يريدوا لهم أن يكتشفوا ذلك حتى لا تتوقف آلة الهدم والقتل والتدمير والسعي للتهجير عن عملها؟

بالطبع لإسرائيل مصلحة بعد أن تخرج هذه الحكومة عن المسرح أن يقال إنها تآمرت لتوريط المقاومة، وإن مؤسساتها العميقة متميزة وباطنيه لتفعل كل ذلك التآمر. وستصور الأفلام والمسلسلات المنتجة عن هذه الحرب ليبينوا أنهم كانوا المسيطرين على الأحداث كلها ببراعة.

ستكون إسرائيل ومؤسساتها في عمل دائم من أجل اصلاح وإعادة بناء سمعتها وسمعة جيشها، وتصوير أن قلة قليلة منهم قد خرجت عن الخط. وسنرى كيف ستسعى إسرائيل لترميم كل ما خسرته من مكانة وتفوق في المستقبل. الحقيقة أن الحرب كانت مكلفة جداً على إسرائيل، وهزت أركان ما سعت لبنائه من سمعة وشهرة ومكانة طوال السنوات الست والسبعين الماضية، وما سعت له من تدمير لسمعتنا نحن العرب جميعاً لا فرق بيننا سواء كنا أغنياء أو فقراء، شرقيين أو غربيين، مسلمين أو مسيحيين. كلنا أعداء لهم يجب أن نبقى في خدمتهم. هذا كله الآن موضع تساؤل.


"فينيق غزة"... خطة أطلقتها بلديات القطاع لإعادة الإعمار

الآن وصلت الأخبار بعد الظهر أن "حماس" قدمت أسماء المعتقلين الذين ستفرج عنهم، وأُعلن عن وقف إطلاق النار. وأمامنا حوالي ستة أسابيع من الفحص الحامضي الصعب لإثبات الاتفاق وتنفيذ بنوده، والسعي لخلق ديناميكية فاعلة تضمن قوة الدفع واستمرارها نحو السلام لا منع الحرب فحسب، وربط المراحل الثلاث بعضها ببعض لكي تتحول من مجرد وقف متوتر لإطلاق النار أو حدّ من فلتان الأصابع على الزناد إلى سلام دائم يتوق له الجميع، لكي يعود كل إلى حياته العادية ليتمكن من إعادة تطبيع الحياة نفسها وسط عوالم من تحديات الألم والدم والفقدان والدموع.

وسيكون جهد منع الحرب وبناء السلام مضنياً. وماذا سيحصل في باقي الوطن العربي المنهك؟ سورية بدأ يطل ضوء منها أنها تسير على الطريق الصحيح، أو على الأقل فإن قيادتها الجديدة بدءاً من أحمد الشرع مروراً بوزير الخارجية أسعد الشيباني (المتوقع حصوله على الدكتوراه قريباً)، يظهران كل المؤشرات المطمئنة أنهم يريدون الاهتمام بالاقتصاد والحياة الأفضل لأبناء سورية، ومكافحة الجريمة وحسن الجوار مع الجيران، وعدم الدخول في حروب.

ولكن هل ستقف الدول المتناحرة متفرجة علينا وحسب، أم أن الاتفاقات الاستراتيجية العريضة التي وقعت الأسبوع الماضي بين إيران وروسيا سيكون لها تأثير على مآلات الأمور؟ هل سيبقى الوضع في منطقتنا مرهوناً بيد ثلاث قوى إقليمية غير عربية؟ أم هل نحن أمام مرحلة جديدة من ترتيبات جديدة على طراز سايكس/ بيكو، حيث تكون الدول العظمى بدرجات متفاوتة ثلاث هي الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، فيكون لروسيا دور في سورية، والاتحاد الأوروبي (فرنسا بالذات) في لبنان، بينما العراق والأردن يكون التأثير الأكبر أميركياً؟

وهل ستكون هنالك ترتيبات إقليمية تمثلها أربع زوايا هي تركيا وإسرائيل وإيران، وبالطبع القادم الجديد بقوة على المعادلة المملكة العربية السعودية، ومن ثمة سيكون هناك خطط للمنطقة، منها على سبيل المثال منطقة "هلال خصيب أو الشرق العربي" أم بلاد الشام؟ وهذه تتفاعل من خلال السعودية والإمارات وقطر مع دول الخليج.

وهل ستكون استدارة مصر نحو أفريقيا في السودان وليبيا؟ وهل سيكون هنالك مغرب عربي متنافس ومتصالح؟ وماذا عن اليمن وباقي الدول العربية في شرق أفريقيا؟ وماذا عن الجامعة العربية؟ وهل ستبقى هي وباقي المؤسسات العربية على حالها تعمل لكي توفر رواتب للعاملين فيها أم أنه سيعاد النظر فيها؟

أمامنا أسئلة بلا حدود بعد حرب غزة؟ بدءاً من إعادة الإعمار إلى الأنماط الجديدة من الاستعمار، إلى تحديد الاصطفافات وبناء الاقتصادات وإحداث التحولات الجديدة لاستمرار الحال على حاله؟ أم أننا سنحقق القفزة النوعية التي ينتظرها الجميع.