عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Mar-2019

”ماذا سیقول الناس“.. المرأة حینما تخضع لسطوة المجتمع
إسراء الردایدة
عمان-الغد-  من وحي قصة حقیقیة تعكس الانتھاكات لحقوق المرأة والصراع بین الثقافات، قدم المخرج إمام حق فیلم ”ماذا سیقول الناس“ النرویجي؛ إذ تظھر الازدواجیة التي یعیشھا بعض المراھقین في سعي لإرضاء ذویھم، خاصة الذین جاؤوا من بیئات محافظة، والحبل المشدود بین أن یكون الفرد وفیا لذاتھ وحیاتھ، وبین التمسك بالمعاییر الأخلاقیة التي وضعت من قبل المجتمع والمحیطین بھم.
الفیلم الذي عرض ضمن فعالیات ”أسبوع فیلم المرأة“ بدورتھ السابعة یروي قصة المراھقة ”نیشا“ ذات 16 ربیعا، تعیش بالنرویج مع عائلتھا الباكستانیة في أوسلو، وسط عائلات وضعت معاییر للعیش وقوانین خاصة بالبلدة.
تتمتع ”نیشا“ بحیویة وثقافة وذكاء، بحیث تحاول العیش والمواءمة بین ما ترغبھ عائلتھا، وما تریده ھي كحیاة طبیعیة في مدرستھا ومع أصدقائھا، وفي لحظة تنقلب حیاتھا رأسا على عقب حین یكتشف والدھا أن لدیھا علاقة مع أحد الشبان، فیغضب ویثور ظنا منھ أنھا فرطت بقیمھا ونفسھا، ویأخذھا لتعیش في كنف عائلتھ في إسلام آباد.
”نیشا“ التي تمثل في الحقیقة ما عایشتھ مؤلفة وكاتبة السیناریو للفیلم إرم حق، التي اختطفھا
والدھا وھي في سن 14 ،ونقلھا للباكستان، وھناك عانت الأمرین، لتعید تقدیم قصتھا من خلال
”نیشا“ المصورة، وكأنھا تمثل الضغوط المجتمعیة الواسعة، ومنھا ممارسات والدتھا وعمتھا، وھي مرتبطة بالتطرف في قواعد المجتمعات الأبویة، وھو ما حاول المخرج إمام حق أن یوازنھ.
الفیلم ینطلق من بعض الافتراضات النمطیة التي یمكن أن تحدث لمن ھم مثل ”نیشا“، خاصة عندما یتعلق الأمر بالثقافة التي تقوم على الشرف واسم العائلة، والنظرة الاجتماعیة من قبل المحیط، متجاوزا كل القوالب النمطیة، لیقدم نموذجا آخر في التقبل والاندماج، من خلال رحلة العلاقة الأبویة بین نیشا ووالدھا میرزا، فھي التي تتنقل من بیئة منفتحة لثقافة أخرى محافظة، كل شيء فیھا یبدو ”محرما“ أو ”ممنوعا“.
”ماذا سیقول الناس“ یتطرق للمراھقات والفتیات عموما في مرحلة اكتشافھن میولھن وذاتھن
ومشاعرھن، والمساحة التي تتاح لھن لیقمن بخیار الوقوع بالحب، یتحول الأمر لیكون من المحرمات الأساسیة لمن ھن من مجتمعات محافظة، یتم بھا تزویج الفتاة بعریس لم تره من قبل، فقط لأنھ سیحدث تغییرا في مكانتھا الاجتماعیة أو یحمیھا من الثرثرة، خاصة أنھا من عائلة ترتبط بالتقالید وعالقة بین المجتمعات العلمانیة الحدیثة التي ھاجرت إلیھا عائلتھا.
”ماذا سیقول الناس“، أیضا، یوضح الصراع الذي یعیشھ الأھل في مواجھة المجتمع، خاصة الحكم من قبل مجتمع تتضارب فیھا الثقافات، وسعي عائلة نیشا للحفاظ على أصالتھا، والتي جعلت من ابنتھا مذنبة بناء على تأویلات بدون أي تأكید، وظنون جعلت العدید مثلھا ضحایا شك، لیحرمن من حقوقھن وتقریر مصیرھن، خاصة بعد أن باتت منبوذة من قبل العائلة والمجتمع؛ إذ توقف الناس من المجيء للشراء من متجر میرزا، لمجرد أنھ لم یتصرف مع ابنتھ أو أنھ لم یضع لھا حدا لھا، أو یعاقبھا كما یتمنون.
الإدانة الجماعیة التي ترتبط بحساسیة موقف الوالدین اللذین كافحا بغیة ترسیخ نفسیھما في بلد
جدید، ولكن أبناءھما المراھقین الذین یعیشون في صراع ثقافي ونفسي، ھم الذین یحملون الھم الأكبر والمسؤولیة.
ھو فیلم یلتقط المعاناة التي مرت بھا نیشا من وحي الواقع، للحظات لا تخلو من الذل والعنف والإدانة، وانتھاك حقوقھا لمجرد كونھا امرأة لا تملك أي إرادة حرة في مثل ھذه المجتمعات، على الرغم من الطابع الأبوي للمجتمع الباكستاني ودفئھ، كما أظھرتھ المشاھد، إلا أنھ بدا واضحا بشكل كبیر تأثر صاحبة القصة بما حدث معھا، بحیث أظھرت غالبیة الشخصیات الأنثویة بشكل شریر، وكأنھا تؤكد أن المرأة عدوة للمرأة.
والأھم من كل ھذا، أن القیمة الكبرى تولى لما یظنھ الآخرون، بدون مراعاة لأي من الحقیقة أو
التدقیق بھا، وكیف یتم الحكم وفق ما یقولھ الآخرون، لیكون معیارا للقبول في المجتمع. فھو فیلم
أظھر الثمن الكبیر لمثل ھذه السلوكیات والتفكیر السلبي، والتي تغتال الشرف والسمعة بكلمة واحدة.
”ماذا سیقول الناس“ یمثل ما یعانیھ الآباء والأبناء من تضارب للثقافات والأفكار بین جیلین أیضا، الواقع الصعب ھو أن للعادات البالیة أثرا سلبیا على تأسیس حیاة جدیدة، مبنیة على ما یظنھ الآخرون أكثر مما یؤمن بھ الأھل، وھو ما یمنع بناء أي علاقة للصداقة والصراحة مع الأبناء في لحظة ما، لتنھار المنظومة بأكملھا.