عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Sep-2023

"السعادة في المتخيل الأدبي" للسويلم.. دراسة في اللغة الوصفية

 الغد-عزيزة علي

 صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب بعنوان "السعادة في المتخيل الأدبي"، للأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك سعود، الكاتبة والأكاديمية السعودية د.أريج السويلم.
 
الكتاب جاء في ثلاثة فصول، يتناول الفصل الأول استقراء المعجم السعيد، من خلال دراسة في اللغة الوصفة؛ حيث ننظر فيه إلى السعادة وما يندرج في حيزها من معان مجاورة كالفرح والسرور والمتعة واللذة، ذلك أن الدوال ذات المدلولات الانفعالية وحمولاتها المعجمية وما تستدعيه من معان حافة تشتمل على قدر مهمة من صيغ السعادة وأحوالها، مما يستلزم مدارستها؛ لاستجلاء العلاقة بينها وبين السعادة، بالإضافة إلى المعاجم في الدول الجغرافية السعيدة المحيلة إلى الأرضي تارة والفلكي تارة أخرى كـ"السعود العشر"، "الجزائر السعيدة"، ونحوهما، ونبحث عن مسوغات تسميتها في دراسة جعلت من السعادة موجها لها.
 
وتحت عنوان تمثيلات السعادة: المعارض الرموز والطقوس، تناول الفصل الثاني أن دراسة المعجم، تظل دراسة نظرية لا تقدم سوى جانب واحد من جوانب اللغة الواصفة للسعادة، دون الالتفات إلى طرق إجرائها في السلوك وأحوال المعيش اليومي، لذلك تسعى هذه الدراسة إلى تمثيلات السعادة ومدارس جملة من الرموز والطقوس المسعدة، ذلك أن دراسة تمثيلات السعادة تكشف الواقع المعيش، وتحقق جملة من الرغبات الواعية وغير الواعية عند الجماعات، بعيدا عن النصوص النظرية المتعالية المجردة التي لا تكشف إلا نزرا بسيطا عن اللغة الواصفة للسعادة. وتحقيقا لهذه الغاية يتم النظر في الممارسات العارضة للسعادة وصيغها كأشكال اللباس وأنواع الأقمشة التي تلبس في الاحتفالات المخصوصة بفضاءات السعادة، والغناء على اختلاف أنواعه وآثاره، حتى إذا فرغنا من ذلك التفتنا إلى طقوس العبور السعيد، وتندرج فيه قطوس الاحتفال مثل الأعياد الدينية والاحتفالات السياسية، كما تتقاطع طقوس الاحتفال في بعض جوانبها مع طقوس العبور على اعتبار أن السعادة مضمنة في الاحتفالي بالضرورة.
ويتحدث الفصل الثالث عن مسالك العيش السعيد؛ حيث يتم توجه النظر إلى السعادة في أحوال المعيش اليومي، وفي ممارسات يومية تتعالق فيها سعادة الذات بالآخر، كفعل المؤانسة بوصفها مسعدا يندرج في معاني الطمأنينة، وتبديد الوحشية، ومضاعفة اللذيذ والممتع. ويتم الإشارة إلى فعل التأثر فيما وسمناه بـ"عدوى السعادة"، على اعتبار أنها إشعاع ينتقل من ذات إلى أخرى بفعل المخالطة أو المجاورة في معرض الحديث عن مجالسة السعداء، والفأل بما يتصل لفظه بمادة "س.ع.د"، داخلا في المتخيل الجمعي يشتغل في الأدب بطرق مختلفة.
في مقدمتها للكتاب، تقول السويلم وهي مدربة معتمدة في مجال مهارات اللغة العربية "إن السعادة لا تزال منشودا إنسانيا على الدوام، ولا يزال الحنين إلى السعادة البدئية مذ آدم وحواء في الجنة يأكلان منها رغدًا حيث شاءا، حتى أُخرجا منها وهبطا إلى الأرض، ومنذ ذلك الحين والعيش السعيد هاجس في المعيش اليومي، واستحضار تمثيلات السعادة غاية من غايات الاحتفالي، ولا يزال توق المؤمن إلى السعادة الأخروية، عالم النعيم السرمدي، حيث لا وصب ولا نصب ولا غمّ، لتغدو السعادة، وفق هذا الفهم، مقولة تندرج في الوجود المثالي، وترد بوصفها أثرا يتداوله الإنسان في واقعة المعيش، وغاية تنشدها الذات بالضرورة".
ولما كانت السعادة غاية إنسانية دائمًا وأبدًا، وفاعلة في سياق حياتنا اليومية، ولما كانت طرائق تلمسها متشعبة ومستعصية الحصر؛ لأن دلالتها نسبية ولا تستقر على حال، فإن هذه الدراسة تأتي لتسائل مفهوم السعادة، في محاولة إلى استشفاف تصور للسعادة في المتخيل الأدبي، وضبط أصوله وأسسه؛ لفهم الآليات والمضمرات والرموز ووظائفها، وصولاً إلى الكيفية التي تعمل بها هذه النصوص في تكوين السعادة، قيمة ومعنى ورمزاً، في محاولة للكشف عن الكيفية التي يتشكل بها خطاب السعادة في نماذج من النثر العربي القديم، والنظر في خصائص ذلك الخطاب، مما يدفعنا إلى تحليل اللغة الواصفة التي يبلورها خطاب السعادة، دوالّ ورموزاً وأيقونات، والبحث في المنطق الذي يحكم العيش السعيد.
وفي خاتمة هذه الدراسة، تقول المؤلفة، إنها سعت في هذه الدراسة إلى مساءلة خطاب السعادة في المتخيل الأدبي، في محاولة لضبط أصول السعادة وأسسها وفهم الآليات والمضمرات والرموز التي تتصل بها. وارتأينا أن تكون الخطوة الأولى لتحقيق هذه الغاية النظر في المعجم السعيد، فتتبعنا الدوال التي تندرج فيه من مثل الفرح والسرور والمتعة واللذة، وكانت لنا وقفة مطولة مع دال السعادة، فحللناه معجميا، ونفذنا إليه بوصفه موجها لغوية يشير إلى الكون أرضية وفلكية، مما يدفعنا إلى القول بأن السعادة أضحت كيانا له رموزه وأيقوناته ودواله.
وتضيف، أن دراسة المعجمية مكنتها من الوقوع على منبهات بالغة الأهمية، من بينها أن دال السعادة مشحون بقيم الإيجاب على الدوام، على خلاف الدوال الأخرى التي قد يلتبس فيها المعنى وضده، أو قد توشم بقيم السلب عند إتيانها في السياق الدنيوي، فدال السعادة مشحون بقيم الإيجاب المطلق، ويقترن في التعبير القرآني بالنعيم الأخروي فحسب، فنفهم بذلك أنها مقولة تندرج في المثالي المطلق، وتشترك تلك الدوال جميعا في أنها تنهض على مبدأ الجوانية أو ثنائية الفراغ والامتلاء، فما يملأ بفرح، ويسر، ويمتع، ويلذ، ويسعد.
كما أن هذه الدراسة قد كشفت، بحسب المؤلفة، أن تمثيلات السعادة متجلية في معارض السعادة والاحتفالي، فتبينت الدلالات المسعدة لأشكال مختلفة من اللباس وأنواع من الأقمشة التي تلبس في الاحتفالات المخصوصة بفضاءات السعادة وحمولاتها مثل ملابس الجواري وغيرها حيث عوالم اللذة الجسدية، في مقابل دلالات ما وسمناه بالرقيع السعيد، حيث تغدو مرقعة المتصوفة تعبيرا عن السعادة الداخلية أو معبرا إلى السعادة الآخروية. وكانت هناك وقفة مع الغناء بوصفه إحدى أبرز العلامات للفضاء السعيد، وبدا جليا أن الظفر بأثر من آثار السعادة فيه إنما يأتي على مستويات ثلاثة، فقد يكون الغناء إعلانا عن السعيد، أو مطربا للنفس، أو قد يصل إلى مستوى التمريق، حيث يتجاوز المرء فيه حدود السلوك المنضبط مما يفجر اللذة عند بعضهم.
وتوضح أنه لا يمكننا أن نغفل الاحتفالي في دراسة جعلت من السعادة موجها لها، فقد بات متأكدا أن السعادة مضمنة في الاحتفالي بالضرورة، وقادنا النظر في الأعياد الإسلامية والاحتفالات الدينية إلى أن الأعياد الإسلامية أخذت طابعا مخصوصا؛ فهي محكومة بآلية محددة تجعل منها احتفالات منضبطة زمنية ومؤطرة وفق قواعد السلوك الإسلامي. أما الاحتفالات الدينية المستحدثة من مثل المولد النبوي ورأس السنة الهجرية والأعياد عير الإسلامية، فوجدنا فضاءها يزخر بالوفرة والصخب غالبا.
وبينت أن التحليل كشف عن ناحية مهمة تتصل بالسياسي، فقد تبين من النصوص التي ذكرنا استغلال بعض الساسة لمثل هذه الاحتفالات في توظيف السعيد لاعتبارات سياسية. ذلك أن استعراض مظاهر الأبهة وتوظيف الرموز الدينية وإبراز ما يتصل بالطقوس المسعدة من شأنه أن يرسخ صورة الملك السعيد، مما يحقق قبولا ضمنيا لسلطته ونفوذه.
وخلصت المؤلفة إلى أن الهاجس الذي كان يسيطر عليها في هذه الدراسة هو البحث عن خطاب للسعادة داخل هذه النصوص وطروسها، وهذا لا يتأتي بدراسة مدونة محددة بعينها؛ ذلك أن السعادة شائكة ومستعصية على القبض، والحديث عن السعيد والمسعدة يحيلنا إلى شكبة كبيرة من النصوص، وما دراستنا إلا تصور واحد من متصورات عدة يمكن أن تدرس العادة في المتخيل الأدبي، ويمكن لهذه المباحث المضمنة في الدراسة أن تكون مدخلا لمشاريع بحث وأسئلة عديدة، فذلك الحنين للسعادة البدئية يظل معتملا بداخلنا ويسهم في تشكيل رؤيتنا إلى الكون وتبقى دراستنا محاولة مفتوحة تتبعها دراسات أكثر عمقا وشمولية.