عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Jun-2021

وقفة مع الحقبة الفلسطينية وإنصافاً للكويت* حمزة عليان

"النهار"

أثناء حرب الـ 11 يوماً في غزة ظهرت الكويت على المسرح السياسي كحالة استثنائية في الخليج والعالم العربي، فيما بدا للمراقبين أنّ معظم بلدان هذا الإقليم الجغرافي الحيويّ تخلّت عن "القضية" وذهبت إلى "الضفة المعادية" تماماً. 
وبالرغم من حالة التوهّج التي عاشتها على مختلف المستويات والقطاعات، فكانت محطّة رئيسية للزوّار من القادة الفلسطينيين الذين جاؤوها للتعبير عن تقديرهم لتلك المواقف، بقيت أصوات أخرى حاضرة في هذا المشهد، رسمت خيوطها من صفحات لا تزال تستدعي أحداثها من أيام الغزو المشؤوم عام 1990، والقرار المتخاذل للسلطة الفلسطينية تجاه الاحتلال العراقي لبلدهم. 
 
هذا الجرح لم يندمل بعد، فقد يجد بيئة خصبة بين وقت وآخر. وفي كلّ الأحوال، ما فعلته القيادة الفلسطينية يوم 02/08/1990 كان بمثابة "النكبة الثانية" لهذا الشعب بعد نكبة 1948، فقد كان من نتائجها هجرة عكسية لأكبر تجمّع فلسطيني في الخليج، وأهمّ قاعدة تماثل بخسارتها هجرتهم من فلسطين.
 
لكن مع فداحة المأساة التي وقعت، بقيت القضيّة الفلسطينية في الكويت متجذّرة ولم تغادرها، فقد كانت الحاضنة الشرعية لها، ولديها تاريخ طويل من العلاقة والحضور والتفاعل.
 
بدأ هذا منذ عام 1936، حين وصلت أول بعثة تعليمية من فلسطين إلى الإمارة، بقرار من الحاج أمين الحسيني، وضمّت الطلائع الأولى من المعلّمين. وتدفقوا بعد ذلك، وخاصّة في عقدَي الخمسينيات والستينيات.
 
وعلى مدى أربعين عاماً، وصل عد الجالية الفلسطينية إلى نحو نصف مليون يعيشون على أرض الكويت بكلّ ما لهم وما عليهم، وهذا الرقم هو أقلّ بقليل من أعداد المواطنين الكويتيين.  
 
وفّرت الكويت لهم سبل العيش الكريم، وحظوا بمزايا خاصّة لم يحصل عليها غيرهم من أبناء العروبة. وكانت نصف تحويلات المغتربين الأردنيين تأتي من الكويت، وبلغت في بعض السنوات 750 مليون دولار للأردن و150 مليون دولار للأراضي المحتلة. 
 
وإنصافاً للكويت، فقد أعطت لهذا الشعب وقضيّته حرّية العمل والإقامة والدعم، وهو ما لم تعطه دول أخرى "ثورية"! ربما كانت قصّة ياسر عرفات مع الكويت هي مفتاح فهم الشخصية، وما تركته من آثار مأسوية على مسار وتاريخ هذه العلاقة. 
قد لا يعلم الكثيرون أنّ الانطلاقة الأولى لحركة "فتح" ولقادة منظمة التحرير خرجت من الكويت. فياسر عرفات وصل إليها قادماً من القاهرة، بعد تخرّجه في كلية الهندسة عام 1956 باسم "محمد عبدالرؤوف عرفات القدوة الحسيني"، باحثاً عن فرصة عمل ليشتغل في دائرة الهندسة بوزارة الأشغال. 
هنا وفي منطقة "الصليبخات" المحاذية لبحر الخليج العربي وعلى أطراف المدينة، خُصّصت له ولزملائه مساكن باعتبارهم مهندسين. 
 
التقى أثناء إقامته بأبو جهاد (خليل الوزير)، الذي كانت تربطه به علاقة صداقة وثيقة، ووجدا بيئة كويتية داعمة للشعب الفلسطيني بشكل غير محدود. 
يعترف "أبو إياد" صلاح خلف في كتابه "فلسطين بلا هوية"، كيف أنّ الكويت حكومة وشعباً عملت على تعزيز المقاومة وتأمين العيش الكريم لأكبر عدد من الفلسطينيين، الذين ساهموا بنموّ ورفاهية الإمارة. 
يقول بأنه ليس صدفة أن تكون حركة "فتح" قد نمت وكبرت وترعرعت في الكويت، فالكثيرون كان يشغلون مناصب ممتازة. فياسر عرفات كان مهندساً، يحظى بكثير من التقدير والاحترام في وزارة الأشغال العامّة. وفاروق القدومي (أبو اللطف) كان يدير دائرة في وزارة الصحّة العامّة. وخالد الحسن (سُحبت جنسيته الكويتية بعد الغزو)، وعبدالمحسن القطان كان من كبار إداريي الدولة، وخليل الوزير (أبو جهاد) وصلاح خلف كانا أستاذين في مدارس ثانوية، ونمر صالح (أبو صالح) كان عاملاً فنياً وله شعبية خاصّة بين العمّال. 
كان فلسطينيو الكويت قياساً إلى الآخرين المنتشرين في العالم العربي، من (أصحاب امتيازات) على حدّ تعبير أبو إياد، الذي يعرفها جيداً. فنشاطاتهم السرّية كانت تتمّ في الكويت وتتخذ من "الصليبخات" مقراً لها، ولم يتعرّض أحد منهم للملاحقة أو الاضطهاد. وعام 1964 غادر ياسر عرفات الكويت إلى الجزائر، ثم عاد إليها مراراً وتكراراً، ليغادرها نهائياً عام 1990. لكنها كقضية شعب أرضه المحتلة لم تغادر الذاكرة الوطنية بل بقيت حاضرة، وإعلان الدولة الكويتية أنها ستكون "آخر المطبّعين" العرب.