الدستور
ليست معركة المواجهة بين أهل فلسطين وشعبها من طرف، ومشروع المستعمرة وجيشها وأجهزتها ومستوطنيها من طرف آخر، مقتصرة على ما يجري في قطاع غزة من قتل متعمد للمدنيين، وتدمير للمساكن والمنشآت والبنى التحتية، وجعل قطاع غزة بكامله لا يصلح للحياة، والهدف واضح: ترحيل وطرد وتشريد وتهجير الفلسطينيين قهراً من أرض وطنهم الذي لا وطن لهم غيره إلى خارج فلسطين: وجعله الخيار الوحيد للبقاء على قيد الحياة.
ليست المعركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مقتصرة على ما يجري في قطاع غزة، بل هي أصلاً في القدس والضفة الفلسطينية، ولها الأولوية بالنسبة لحكومة المستعمرة وسياساتها وبرامجها، وللمستوطنين الأجانب الإسرائيليين.
المستوطنون يعملون على تطهير الضفة الفلسطينية من أهلها وأصحابها وسكانها، من شعبها الفلسطيني، فالحرب على غزة تقول صحيفة هآرتس في افتتاحيتها يوم 25/5/2025:
«توفر للمستوطنين شروطاً مثالية لتنفيذ طرد هادئ ومنهجي للفلسطينيين من المناطق ج» أي من مناطق الريف الفلسطيني، لدى الضفة الفلسطينية، وتقول هآرتس العبرية :
« منذ بداية الحرب طور المستوطنون طريقة جديدة لاقتلاع التجمعات السكانية، فهم يقيمون بؤرا بجوار البلدات الفلسطينية وفور ذلك يبدأون بمهاجمة السكان، بسرقة قطعانهم والتضييق على حياتهم، وفي غياب انفاذ القانون، يبقى الفلسطينيون « متروكين لمصيرهم - بحياتهم، ببيوتهم وبممتلكاتهم- في غضون وقت قصير يفهمون الطريق الوحيد لحماية أنفسهم وممتلكاتهم هو المغادرة، وبالفعل، حسب معطيات منظمة «كيرم نافوت»، فمنذ الحرب طرد نحو 60 تجمعا سكانيا فلسطينيا من المناطق ج، لدى الريف الفلسطيني.
الضحية الأخيرة وفق طريقة الطرد هذه هي القرية البدوية «مغاير الدير» قرب رام الله، سكانها يعيشون هناك منذ نحو 40 سنة، لكن استغرق المستوطنون أقل من اسبوع لطردهم، فقد عانوا من التحرشات منذ سنتين، لكن البؤرة الاستيطانية التي أقيمت هذا الأسبوع في نطاق القرية أدت إلى تصعيد دراماتيكي ومنه إلى اقتلاع تام، في الحالة الراهنة لم تكن حاجة لاعتداء عنيف صريح، كان يكفي التهديد وحقيقة أن السكان كانوا يعرفون جدا ما حصل لقرى أخرى لم تتنازل.
البؤرة الاستيطانية أقيمت على مسافة اقل من 100 متر من بيوت القرية، الجيش والإدارة المدنية لم يعملا على إخلائها ولم يتخذا خطوات لحماية السكان الفلسطينيين الذين تركوا بيوتهم خوفا على أمنهم، هكذا ينفذ طرد هادئ تحت العين المفتوحة والصامتة للدولة وللجيش، فتيان التلال لا يعملون وحدهم، مشروع الاستيطان هو آلية قوية بوسعها ليس فقط إقامة بؤر استيطانية وطرد تجمعات سكانية بل هو إرسال ممثلين إلى الكنيست والحكومة».
المستوطنون بات لهم نواب في الكنيست، وزراء في الحكومة، في طليعتهم سموترتش وزير المالية، وبن غفير وزير الأمن، وأصبحوا مؤثرين على مصادر صُنع القرار لدى المستعمرة، وينعكس ذلك على عدم تصدي الجيش والشرطة لهم، ومنع أفعالهم الإجرامية البائنة في الاعتداء والنهب والحرق للفلسطينيين وعلى ممتلكاتهم، ودفعهم نحو الرحيل من الريف نحو المدن ليخلوا لهم أكثر من 60 بالمئة من مساحة الضفة الفلسطينية.
المستوطنون الأجانب يعملون بشكل منهجي على «تحرير» الريف الفلسطيني وتطهيره من أهله وسكانه وشعبه تحت بصر وأعين حكومة المستعمرة التي تحميهم وتزودهم بكل المعطيات لتنفيذ مآربهم التوسعية الاستعمارية الاستيطانية.