عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Jan-2019

هل التنشئة الاجتماعیة تکرس ”الجفاف العاطفي“ لدى الأبناء؟
دیمة محبوبة
عمان-الغد-  ”لم أستطع یوما أن أقول لوالدي إني أحبھ قبل أن یتوفاه الله، لم أشكر والدتي على تعبھا المستمر معنا، ولم أخبر أحد إخوتي باشتیاقي لھ، على الرغم من حبي الكبیر لھم“.
أیمن وجدي یتحدث عن ”الجفاف“ العاطفي الذي یعیش بھ؛ إذ لم یعتد یوما على إخبار من حولھ
بما یشعر، مھما كانت صفتھم، سواء أصدقاء أو أھلا، وحتى في موضوع الحب.
ویقول أیمن ”كنت أستغرب من بعض أصدقائي عندما یعبرون عن مشاعرھم لأھلھم، أو عن
تقدیرھم لي شخصیا وشكري على أشیاء معینة، لم أشھد شكرا علیھا في حیاتي“.
أیمن واحد من كثیرین، یصفھم اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة، أنھم یواجھون صعوبة
التعبیر، عما یفكرون بھ ومشاعرھم وحتى رغباتھم، فالجمیع قد یقع في ھذه الحالة رجلا أو
امرأة وجمیع الطبقات والفئات الاجتماعیة.
ویبین مطارنة أن ھذه الحالة لا تختلف إن اختلفت ظروف الشخص، بل لھا علاقة كاملة
بشخصیتھ، وتنشئتھ أو طریقة التربیة وخبرات الطفولة وثقة الإنسان بنفسھ، وردود أفعال
المحیطین والأسرة على ما یقولھ أو یقوم بھ.
”لا یمكنني اللجوء إلى رفیق بالمعنى الحقیقي، ومشاطرتھ أفكاري ومشاعري“، ھذا الرفیق الذي
تبحث عنھ مرام ربما یكون صدیقة تخبرھا بمشاعرھا وأحاسیسھا، وھو الأمر الذي تفتقده، مما
یجعلھا في الكثیر من الأحیان تعتقد بأنھا وحیدة وانطوائیة ولدیھا الكثیر من تجارب الآخرین،
لكن لا تجد شخصا تتحدث معھ عن تجربتھا في أي أمر.
ما تمر بھ مرام لیس غریبا على الخبراء التربویین، فیؤكد الاختصاصي التربوي د.محمد أبو
السعود، أن الأسرة ھي أساس كل شيء یكون علیھ الفرد، كذلك التنشئة والظروف الاجتماعیة
التي مر بھا.
”فما شب علیھ الفرد شاب علیھ“؛ إذ یؤكد أبو السعود أن طلب الاستماع للمشاعر، ما ھو إلا
ممارسة لما عاشھ الفرد في طفولتھ إن وجدت سیكون قادرا على فعلھا والعكس صحیح.
ویؤكد اختصاصي علم الاجتماع الدكتور محمد جریبیع، أن نجاح أي علاقة في المجتمعات وبین
الأفراد ھي البوح والإفصاح بالمشاعر، فالممتن یتوجب علیھ أن یعبر للناس عن امتنانھ،
والفخور كذلك، والمحب وحتى كاره بعض الصفات، فعلى الفرد أن یبوح بذلك حتى یتم التغییر
وتسلیط الضوء علیھ.
ویشیر جریبیع إلى أن ”من یعتد على احترام مشاعره وأفكاره ومشاركتھا مع غیره وفرض
احترامھم لما یقولھ یجعل المجتمع متحضرا، وتصبح المعاملة صحیة وواعیة“.
ویلقي مطارنة اللوم على بعض العائلات التي لا تتحدث مع بعضھا، ویصعب على أطفالھا تعلم
”الفضفضة“ والتعبیر عن المشاعر، فالعائلات التي ینعدم فیھا التعبیر اللفظي والجسدي عن
الحب، تجاه أبنائھا، أو التي لا یعیش فیھا الأب والأم زواجاً سعیداً، یواجھون عادة صعوبة في
التعبیر عن مشاعرھم، سواء للأسرة أو للأصدقاء المقربین.
ویشرح أن العائلات التي تعاني من جفاف العواطف أو فتور في العلاقات ینقلون ھذا لأبنائھم،
مما یجعلھم غیر قادرین ولا معتادین على الحدیث عما یعرفونھ أو یشعرون بھ، فھم لم یتربوا
على ذلك.
وعلى الرغم من كل ذلك، قد تحدث أمور خارجة على إرادة الشخص أو بیئتھ، ومنھا تجربة ھند
ناصر، التي كانت تثق بصدیقة لھا، وتبوح لھا بمشاعرھا، وتشاركھا أفكارھا وأفعالھا، إلا أنھا
وجدت نفسھا مكشوفة عند أھل تلك الصدیقة، فكل ما كانت مؤتمنة صدیقتھا علیھ وجدتھ عند
أخواتھا وتشارك فیھ أفراد العائلة حتى إخوتھا الشباب، وكان ذلك عن طریق الصدفة بعد أن
مازحھا أخو صدیقتھا بما ترید أن تكون عندما تكبر.
وھنا تؤكد أنھا شعرت بصدمة وحرج كبیرین، خصوصا أنھا كانت معجبة بأحد إخوة صدیقتھا،
فتتساءل ھل یعرف بذلك أم لا، بطبیعة الحال ھذه الحادثة أنھت الصداقة وجعلتھا تضع حدا
للفضفضة والبوح بالمشاعر والأفكار وحتى المواقف التي تحدث معھا مع أي أحد، فقلة الثقة
جعلتھا كفیلة بتغییر نظام حیاتھا، وجعل حیاتھا خاصة بنفسھا فقط.
مطارنة یؤكد أن خبرات الطفولة لیست وحدھا السبب الوحید بصعوبة البوح؛ حیث یتجنب
الشخص التعبیر عن حاجاتھ ورغباتھ تجنبا للصراع والرفض إن كانت آراؤه أو مشاعره لا
تعجب الآخرین.
والبعض یشعر أن حدیثھ عن مكنوناتھ ضعف، أو سیصبح كذلك من خلال معرفة الناس بما
یفكر وبما یشعر، فیفضل تركھا لذاتھ، وھي محاولة دفاع ذاتي.
ویرى مطارنة أن الفرد من حقھ أن یشعر بما یشاء، ویعبر عن أفكاره ورغبات بما أنھا تعنیھ
وحده، ولا تنطوي على إساءة للآخرین. ومن حقھ احترام مشاعره، ومطالبة الآخرین بذلك.
ویجب على الأھالي دعم شخصیات أبنائھم، من خلال اختیار ما یمكن مشاركتھ مع الآخرین
والبوح بھ، وعلى الوالدین أولا التعبیر عن مشاعرھما تجاه بعضھما بعضا أمام الأطفال، حتى
یتعلموا ذلك.
إلى ذلك، أن یتعامل الآباء مع تعبیر أبنائھم عن مشاعرھم باھتمام، وتقدیم عبارات الحب
والعناق وتعزیز التواصل البصري معھم؛ إذ إن التعبیر والتواصل أمر صحي، والتعبیر عن
الحاجات والأفكار، مھم لبناء العلاقات.