عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Aug-2020

انفجار بيروت: معركة لإنقاذ الأبنية التاريخية في المدينة
 
بي بي سي - تجسد سلسلة صور "بيوت بيروت" التي التقطها كل من جوزيف خوري وغابرييل كاردوزو روعة الطرز المعمارية التي تميزت بها الحقبة العثمانية وحقبة الانتداب الفرنسي في المدينة تجسد سلسلة صور "بيوت بيروت" التي التقطها كل من جوزيف خوري وغابرييل كاردوزو روعة الطرز المعمارية التي تميزت بها الحقبة العثمانية وحقبة الانتداب الفرنسي في المدينة
بعد خمسة أيام من وقوع انفجار بيروت الذي أسفر عن مقتل أكثر من 220 شخصا وتشريد 300 ألف شخص، طاف جوزيف خوري وزوجته غابرييلا كاردوزو في جولة مؤلمة بمنطقتي الجميزة ومار ميخائيل، التاريخيتين المجاورتين للمرفأ الذي شهد الانفجار.
 
وحمل الزوجان 30 بطاقة بريدية تحمل كل منها صورة من مجموعة صور “بيوت بيروت”، التي التقطاها قبل الانفجار لتوثيق روعة العمارة العثمانية والفرنسية في بيروت.
 
وتفقدا أطلال المباني وواجهات المنازل التي شوهت الكارثة معالمها، واستطاعا أن يتعرفا على 25 مبنى، وتركا أمام كل منها بطاقة بريدية للتذكير بما كانت عليه قبل الحادثة.
 
وتقول كاردوزو، المهندسة المعمارية التي تنحدر من فنزويلا وانتقلت إلى بيروت منذ ست سنوات: “لم نكن نعرف ما الذي سنفعله في نهاية المطاف.
 
كل ما هنالك أننا كانت لدينا بطاقات بريدية تحمل صورا لمبان تغيرت معالمها تماما جراء الانفجار، واتفقنا على أن نترك الصور أمام هذه المباني لعل الناس يتذكرون كيف كانت تبدو قبل الكارثة”.
 
ولم يتمكن الزوجان من التعرف على خمسة أبنية لأنها تحولت إلى أنقاض جراء الانفجار.
 
وفي أعقاب انفجار الرابع من أغسطس/آب، الناتج عن شحنة قدرها 2,750 طنا من نترات الأمونيوم كانت مخزنة في مرفأ المدينة، زادت التساؤلات حول كيفية حماية ما تبقى من الإرث المعماري بالمدينة.
 
فمنذ أن وضعت الحرب الأهلية أوزارها قبل ثلاثة عقود، تهدمت آلاف المباني التاريخية في بيروت.
 
فقد استغل مطورو المباني تراخي الدولة في حماية التراث المعماري، وهدموا الكثير منها وأقاموا على أنقاضها أبراجا حديثة.
 
ويخشى الكثيرون الآن من أن يُتخذ تضرر هياكل المباني إثر الانفجار ذريعة لتدمير الأبنية التاريخية القليلة المتبقية.
 
وحظيت مجموعة الصور التي تظهر خوري وزوجته يحملان البطاقات البريدية أمام المباني المتصدعة بأكثر من 1,500 مشاركة من أشخاص يشفقون على مصير هذه المباني.
 
وكانت منطقتا الجميزة ومار ميخائيل من بين المناطق الأكثر تضررا من الانفجار. فقد انهارت مبان عديدة، وأطاح الانفجار بجدران وأسقف مبان أخرى، وسقطت شرفات حجرية على الطرق فحطمت السيارات، وتناثرت أجزاء البلاطات من أسطح العمارات في أرجاء الشوارع، ولم يتبق من الشرفات المزينة بالحديد المطروق سوى قضبان معوجة، وتحولت مصاريع النوافذ الخشبية الملونة الرائعة إلى شظايا قاتلة.
 
وذكرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، التي تعهدت بقيادة الجهود الدولية لترميم المباني الأثرية، أن الانفجار ألحق أضرارا بـ 640 مبنى تاريخيا.
 
ويواجه 60 مبنى آخر خطر الانهيار. وتقدر التكلفة الإجمالية لترميم المباني الأثرية بنحو 300 مليون دولار.
 
ووقع هذا الانفجار بعد سلسلة من الأزمات التي واجهها لبنان، بدأت باندلاع احتجاجات واسعة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي استمرت لشهور تزامنا مع انهيار الاقتصاد اللبناني وفقدان الليرة اللبنانية نحو 80 في المئة من قيمتها.
 
وتقول كاردوزو: “اشتعلت شرارة الثورة في 17 أكتوبر/تشرين الأول وأعقبها وباء كورونا والآن الانفجار”. وتحذر كاردوزو من أن سكان المباني المتضررة قد لا يملكون المال الكافي لترميمها.
 
ومنذ أن دشنت كاردوزو مع زوجها مشروع “بيوت بيروت” في عام 2016، التقطا العديد من الصور للمباني التاريخية بشارعي الجميزة ومار ميخائيل، الذين يحتضنان الكثير من المراكز الثقافية ومراسم ومعارض الفنانين، والدكاكين الصغيرة والمطاعم والحانات الشهيرة.
 
وسلط الزوجان الضوء على المباني التي فقدت رونقها وترك الزمان بصماته على واجهاتها، من المصاريع المشققة والنوافذ المكسرة إلى الثقوب والشقوق التي خلفها الرصاص والقنابل إبان الحرب الأهلية التي درات رحاها في لبنان خلال الفترة بين عامي 1975 و1990.
 
وقبل الانفجار، كان الإهمال قد نال من بعض المباني التاريخية المهجورة حتى أوشكت على الانهيار.
 
وتقول كاردوزو: “تحمل البطاقات البريدية في بيروت عادة صورا تظهر كل شيء نظيفا ومهندما. ولهذا شعرنا بضرورة التقاط صور تظهر بيروت على حقيقتها، دون تجميل أو تصنع، فهي أحيانا تكون فوضوية ومليئة بالتناقضات”.
 
ويرى خوري، الذي تربى على قصص عن روعة مباني بيروت قبل الحرب، أن هذه المباني رمز لماضي لبنان ومستقبلها.
 
ويقول: “هذه المباني هي جزء من هوية بيروت، فهي تعطينا أملا في المستقبل وتذكرنا بالأيام التي بلغت فيها بيروت أوج ازدهارها”.
 
جمال هش
يقول أنطوان عطالله، المهندس المعماري والمخطط العمراني ونائب رئيس جمعية “انقذوا تراث بيروت”، إن الجميزة ومار ميخائيل من أوائل المناطق التي أقيمت خارج سور المدينة القديم.
 
ويضيف: “لحسن الحظ، صمدت المنطقتان أمام الحرب الأهلية وتمكنتا من الحفاظ على طابعهما القديم في مواجهة زحف العمارة الحديثة في بيروت الذي أدى إلى تدمير الكثير من المباني العتيقة وتقطيع أوصال الكثير من المناطق التاريخية”.
 
وعلى عكس المباني العثمانية والفرنسية المنتشرة في أنحاء بيروت بين العمارات الحديثة الشاهقة، فإن “هاتين المنطقتين تشكلان نسيجا حضريا متكاملا لا يزال آمنا وسليما ومتماسكا”.
 
وتضم المنطقتان الأبنية العثمانية، التي يعود بناؤها إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مثل البيوت المكونة من طابقين التي يزين أسقفها القرميد الأحمر.
 
وتتضمن أيضا مبان تعود للحقبة من عام 1920 إلى 1945 عندما كانت لبنان خاضعة للانتداب الفرنسي. وقد صممت هذه المباني على غرار الطراز المعماري في باريس، لكنها تحمل بعض عناصر العمارة العثمانية.
 
وتتكون هذه المباني من ثلاثة أو أربعة طوابق، وكلها متلاصقة مع بعضها، وتتضمن شرفات مزينة بالحديد المطروق.
 
لكن عطالله يقول إن الأبنية العثمانية أكثر تأثرا بالانفجار، لأنها تتضمن ردهة فسيحة وثلاثة أقواس تقسم الواجهة إلى قسمين، وترتكز الواجهة بأكملها على عواميد رخامية دقيقة ورفيعة.
 
ويقول عطالله إن النوافذ الكبيرة في هذه المباني المليئة بالفراغات تضفي مظهرا رائعا لكنها في الوقت نفسه تجعل المبنى هشا، لا يتحمل انفجارات بهذه القوة.
 
ويقول خوري:”إن ثمة شائعات أن ملّاك المباني التراثية عُرض عليهم المال لبيعها، وليس من المستبعد أن يهدم المشترون هذه المباني لبناء أبراج على أنقاضها والاستفادة من الأرض والحصول على المزيد من المال والأرباح”.
 
وقد أصدرت وزارة المالية في 12 أغسطس/آب قرارا في أعقاب الانفجار، يقضى بمنع بيع أي مبنى تاريخي دون الحصول على إذن من وزير الثقافة. لكن عطالله يحذر من مخاطر أخرى، مثل هجر المباني.
 
ويقول: “عندما اندلعت الحرب الأهلية، هجر الكثيرون منازلهم ولم يعودوا إليها قط”.
 
وقد تضطر بعض الأسر التي شردت مؤقتا إلى إصلاح الأضرار بسرعة وبأقل كلفة ممكنة حتى يعودوا سريعا إلى ديارهم وربما يغيرون تصميم النوافذ القديمة ذات الأقواس لتوفير حماية ملائمة من أمطار الشتاء.
 
وفي الوقت الراهن يعمل المتطوعون على قدم وساق لطمأنة الملّاك والمستأجرين بأنهم ليسوا بمفردهم.
 
ويقول عطالله: “بمجرد وضع النظام الملائم، ستكون هناك آليات محددة لتمويل ترميم المباني التاريخية التي تضررت جراء الانفجار. وقد اتخذت الكثير من المنظمات الدولية خطوات جادة لإنقاذ هذه المباني”.
 
ويضيف: “رغم أن هناك الكثير من الأسباب التي تدعو لليأس، فإننا نحاول طمأنة ملاك هذه المباني ومستأجريها بأن هذه المباني تمثل أهمية قصوى لنا. وسنبذل قصارى جهدنا لا لإنقاذ المباني فحسب، بل أيضا ما اقترن بها من نسيج اجتماعي يحافظ على طابع المنطقة وحيويتها”.