عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Nov-2024

إشكالية التراث والحداثة بالفكر المعاصر: تحديات وفرضيات

 الغد-عزيزة علي

إربد- قال أستاذ الفلسفة في جامعة فيلادلفيا د. زهير توفيق إن إشكالية العلاقة بين التراث والحداثة أو التحديث، تأخذ صيغًا متعددة مثل "الأصالة والمعاصرة"، "الأنا والآخر"، أو "الإسلام والغرب"، وتُعد من أهم القضايا التي شغلت الفكر العربي الحديث والمعاصر. وهي تمثل جوهر التحديات التي واجهت فكر النهضة العربية والمشروع الحضاري العربي.
 
 
جاء ذلك في ندوة حوارية نظمها ملتقى إربد الثقافي، وملتقى المرأة للعمل الثقافي، بعنوان "إشكالية التراث في الفكر العربي المعاصر"، وأدار الندوة، الدكتور حسين منصور العمري.
 
تساءل توفيق عن العلاقة بين التراث والحداثة أو التحديث؟ وهل يمكن صياغة مقاربة إجرائية أو نظرية تفسيرية للعلاقة بين الطرفين توفر صيغة توافقية لتوظيف المكونين في الحاضر على اعتبار أن الحداثة هي المعاصرة وروح العصر، والتراث هو الماضي الفكري أي محتوى الفكر العربي الإسلامي بغض النظر عن الفترة الزمنية التي يبدأ فيها التراث والزمن الذي ينتهي فيه.
ونوّه توفيق أن مصدر الإشكالية يعود إلى ازدواجية الغرب، الذي كان مصدرًا للحداثة والتحديث من جهة، وفي الوقت نفسه، كان رمزًا للاستعمار والإمبريالية من جهة أخرى. هذه الثنائية أدت إلى مواجهة العرب لواقع معقّد، حيث حمل الغرب وجهيْن متناقضين: أحدهما يمثل التقدم والتحديث، والآخر يمثل الهيمنة والتسلط.
وقال المحاضر إن التراث العربي يحمل وجهين مختلفين. الأول وظيفته الأيديولوجية والعاطفية، التي تهدف إلى تعزيز الإرادة والتماسك الاجتماعي، مع الاستفادة من تاريخ العرب المجيد، سواء الواقعي أو المتخيل، لتخفيف آثار الهزائم والتراجعات التي يمرّ بها العرب في الوقت الراهن. وهذا التناقض بين التراث والحداثة، وبين التحديث والاستعمار، يشكل محركًا رئيسا للصراع الفكري والثقافي في العالم العربي، وساهم في رسم معالم العديد من المشاريع الفكرية والسياسية التي سعت إلى معالجة هذه التوترات.
وتابع المحاضر: أما الوجه الثاني من إشكالية التراث، فيتمثل في البُعد المعرفي، حيث يسعى البعض إلى استلهام قيم التراث الحي – أو ما يُتصوّر أنه التراث الحي – في مختلف مجالات الأدب والفكر والعلم والفن، ودمجها مع الحداثة الكونية. هذا لا يعني تقليد الحداثة الغربية، بل يتجاوزها في بعض الأحيان، عبر العمل على إعادة إنتاج التراث ليواكب مستجدات العصر، من خلال تحديثه وعصرنته، أو حتى تبيئته ليتناسب مع السياق المحلي. كما يسعى البعض إلى توليد مزيج جديد من التراث والحداثة يرضي القوى الاجتماعية التي تدفع باتجاه كل منهما.
وأضاف توفيق تتضاعف المشكلة هنا وتصبح أكثر تعقيدًا؛ عندما يُستعمل التراث في سياق الأيديولوجيا كأداة للتحفيز والتعبئة في معركة الفكر والسياسة، ويختلف التراث العقلي الضروري للحوار مع الحداثة أو مع "غرب التحدث". الأول يهدف إلى القطيعة مع الماضي، بينما الثاني يسعى إلى التفاعل والحوار مع الآخر، في محاولة للتوفيق بين القديم والجديد.
ورأى المحاضر أنه في هذا السياق، تكون الأنا العربية في موقف صعب، إذ لا تملك القدرة على تحقيق هذا التوازن بين التراث والحداثة دون الآخر، الذي يتجسد في صورة الحداثة الغربية، ويظهر للأنا بشكل يتوافق مع مصالحها وقيمها، منوها إلى أن هذه الثنائية بين القطيعة والحوار، وبين التحديث والتوفيق، تشكل تحديًا كبيرًا في الفكر العربي المعاصر، الذي يسعى إلى بناء مشروع حضاري يتسم بالهوية والحداثة في آن واحد.
ورأى توفيق أنه لا يوجد قطيعة حقيقية أو نفي متبادل بين التراث والتحديث. بل يجب أن يكون هناك تواصل واتصال بينهما، ولكن وفق شروط ومعايير العقل النقدي والعقلانية الموضوعية. فالعقل الذي يحافظ على حقوق الطرفين في المركب الجديد والنصاب الأكبر والأولوية لمن يجيب على أسئلة الواقع في الحاضر والمستقبل، ويلبي تطلعات العربي فكرياً ومادياً.
وأشار المحاضر إلى أن "عصرنة الحداثة" هي عملية متناقضة منطقيًا وعمليًا، ولا يمكن أن تتم إلا بالتخلي عن أحد أركانها. وهذا يعني إما أن تكون العصرنة مستندة إلى أصول ما بعد الحداثة، وهو ما يُعد نقيضًا للمشروع الحضاري العربي الذي يسعى إلى العقلانية والتحرر، أو أن يتم التخلي عن حقيقة العصرنة نفسها، أي الحداثة وإنجازاتها في نهاية المطاف، والعودة إلى حداثة مادية تُلغي الحداثة العقلية وتستبعدها من حيز الإمكان. 
وفي هذا السياق، يمكن العودة إلى تاريخ الحداثة لاستنساخ ماضيها من عصر التنوير. غير أن هذا الأمر يتعذر تحقيقه أو قبوله بسبب جسامة المهام التي تنتظر العرب لتحقيقها في أقصر فترة زمنية ممكنة.
ونوّه أنه لا يوجد قطيعة كاملة بين التراث والحداثة، إلا إذا انقطع التواصل والاتصال بين الماضي والحاضر.
ورأى توفيق أنه لا يمكن اعتبار التراث والحداثة نقيضين متقابلين، ولا يوجد تركيب متعادل بين جميع معطيات الحداثة ومعطيات التراث (الحي). لكن هناك تركيب معين في لحظة معينة يميل لصالح التراث في القضايا الروحية بشكل خاص، وتركيب آخر يميل لصالح الحداثة في القضايا الحياتية. ومع ذلك، هناك توازن وفائدة متبادلة بين الطرفين، وإدراك عقلاني بضرورة إنجاز التحديث من خلال "حداثة عربية" و"علمانية إسلامية" تتجاوز الطابع الحدي المتعسف الذي يفترض القطيعة والتنافر بين التراث والحداثة.
ودعا المحاضر إلى وجود صيغة توافقية بينهما، معتقدا أن هذا هو الحل الوحيد المتاح في الأفق، وهو ما تنطوي عليه أغلب تنظيرات المفكرين العرب أو ما يُسكت عنه في كتاباتهم. لا توجد حلول أخرى واقعية وعقلانية سواها، طالما أن الرفض العدمي لأحد الأطراف أو التلفيق بينهما يُعتبر مرفوضًا وغير منتج.