لماذا تتمسك أميركا بدعم الاحتلال الصهيوني؟*د. صلاح جرّار
الراي
من يتابع نتائج الحروب والمواجهات التي وقعت بين العرب ودولة الاحتلال الصهيوني منذ زراعة هذا الكيان في خاصرة الوطن العربي يتبين له بشكل واضح أن الدعم أميركا العاجل والفوري والمطلق لهذا الكيان هو الذي يرسم نتائج هذه الحروب والمواجهات، ويستطيع المؤرّخ أن يقدّم كشفاً تفصيليا بالحالات الكثيرة التي كان التدخّل الأميركي المباشر فيها حاسماً لصالح الاحتلال، وآخر هذه الحالات ما نشهده في هذه الأيّام من دعم قد لا يكون مسبوقاً للكيان الصهيوني في عدوانه الهمجي على غزّة وما رافقه من تصدّي القوّات الأميركية لهجمات صاروخيّة?تستهدف الكيان الصهيوني من جهات مختلفة، فضلاً عن الجسر الجوّي الذي ينقل العتاد من صواريخ وقنابل وغيرهما دون توقّف لهذا الكيان.
ولا شكّ في أنّ التشبّث الأميركي بهذا الدعم للكيان والدفاع عنه بالروح والمال والولد يثير التساؤل كما يثير الاستغراب، إذ ما مصلحة أميركا التي تبعد آلاف الأميال عن المنطقة العربيّة من هذا الموقف المستهجن وهذا الفعل الشائن؟ وما العلاقة التي تربط بين دولة عظمى مثل الولايات المتحدة بدولة احتلالٍ مارقة ومعتدية تثير الحروب والنزاعات والتوتّرات في المنطقة العربيّة وخارج المنطقة العربيّة؟! ولا أدري إن كان هذا السؤال قد خطر على بال المواطن الأميركي الذي يدرك بلا أدنى شكّ أن جزءاً من الضرائب التي يدفعها وترهقه ماديّاً?يذهب إلى دعم هذه الدويلة المارقة التي تبتزّ العالم كلَّه بمزاعم المظلوميّة ومعاداة الساميّة وغيرها من الأكاذيب، ولا أدري أيضاً إذا كان هذا السؤال قد خطر ببال العنصريّين من الأميركيين الذين ينادون بشعار «أميركا أوّلاً» ولا بدّ أن يَرَوْا في هذا الدعم المتواصل للكيان الصهيوني لمواصلة احتلاله لأراض عربيّة ومواصلة عدوانه على دولٍ عربيّة عبئاً كبيراً لا أخلاقيّاً على الولايات المتّحدة ومصدراً من مصادر تشويه صورتها أمام الشعوب الحرّة.
ولا أدري إن كان خطر ببال أحدٍ من السياسيين أو القانونيين الأميركيين المنصفين أن يطالب بمحاسبة الحكومات الأميركية على هذا التبديد للمال الأميركي وهذا الهدر للسمعة الأميركية وهذا التبنيّ غير المشروع لهذا الزرع الشيطاني الشرّير على حساب الخزينة الأميركية والجهود الأميركية والسمعة الأميركية والمصالح الأميركية في المنطقة العربيّة ومناطق أخرى واسعة من العالم.
وبصرف النظر عن الأسباب العقائدية والقومية والعنصرية التي تقف وراء هذا الدعم الأميركي المطلق، وهي أسباب تشترك فيها الولايات المتحدة مع عددٍ غير قليل من دول أوروبا مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، لكون الصهاينة الذين استوطنوا فلسطين يمثّلون معظم شعوب الغرب لكونهم ينحدرون من أصول متعدّدة وينتمون إلى ثقافات تلك الشعوب وعقائدها وقوميّاتها، وبصرف النظر عن هذه الأسباب العقائدية والعنصرية فإنّ ثمّة أهدافاً أخرى من مواصلة هذا الدعم الأميركي والإصرار على استمراره والتعهّد بحماية الكيان والدفاع عنه بكلّ الوسائل الممكنة،?وأوّل هذه الأهداف أنّ لدى الولايات المتحدة الأميركية ترسانات هائلة من الأسلحة والدخائر التي أصبحت قديمة ولا بدّ من التخلّص منها، ومن أسهل طرق التخلّص منها وإتلافها إشعال حرب بين العرب والإسرائيليين وتزويد الكيان المحتلّ بهذه الأسلحة وهذا العتاد، بمعنى توفير الظرف المناسب لتدمير هذا المخزون كلّه، وبذلك تصيد أميركا ثلاثة عصافير بحجر واحد: دعم الكيان المحتل، وإلحاق الأذى الشديد بالعرب، والتخلص من العتاد والأسلحة القديمة.
أمّا الهدف الثاني فهو تجربة الأسلحة الجديدة المتطوّرة واكتشاف مدى قدرتها على التدمير والقتل، وهذا ما يفسّر عدم توقّف شحنات السلاح الأميركي الذي يمثّل أحدث ما أنتجته المصانع الأميركية مثل القنابل التي تزن الواحدة منها (1900) رطل وطائرات إف 35 وقذائف القبّة الحديدية وصواريخ الثاد المضادة للصواريخ والطائرات وغير ذلك إلى الكيان الصهيوني.
ويحتاج تجريب الأسلحة المتطوّرة جدّاً إلى طرفين: منفّذ وهدف، أمّا المنفّذ فيشترط فيه أن يكون عديم الأخلاق والضمير والرحمة وتمتلئ نفسه بالحقد حتّى لا يتردّد في استخدام السلاح، فوجد الأميركان في الصهاينة ما يستوفي هذه الشروط ويلبّيها. وأما الهدف فيشترط فيه أن يكون عدوّاً أو شبه عدوٍّ للأميركان أو الإسرائيليين وأن يتوقّع منه شيء من الخطر، لتكون هذه الشروط ذرائع لاستهدافه بهذه الأسلحة، وأن يكون لا سند له، وقد وجد الأميركان في قطاع غزّة كما وجدوا في لبنان ومن قبل في العراق وسوريا ما يمثّل هدفهم المطلوب.
وأما الهدف الثالث من مواصلة الدعم الأميركي للكيان الصهيوني فهو إرسالُ رسالةٍ إلى الدول العربيّة مفادها أنّه لا غنى لكم عن أميركا وأنّ أمنكم واستقراركم مرهون بالرضا الأميركي عنكم.
وربّما تكون وراء هذا الدعم الأميركي للكيان الصهيوني أهدافٌ خفيّةٌ أخرى، ولكن مهما بلغ هذا الدعم ومهما طال زمنه فإنّه لا بدّ من نهايةٍ له، وسوف يأتي اليوم الذي نرى فيه أميركا تتخلص من هذا العبء الكبير الملقى على عاتقها وتنفض يديها من دعم هذا الكيان، وسوف يضيق الأمريكان ذرعاً بالابتزاز الإسرائيلي المتواصل لهم، وسوف يمتلك العرب مهما طال الزمن سلاحاً يدفعون به هذا المحتلّ الغاصب.