نجيب جويفل .. ضابط مخابرات مصري أعاد تشكيل الإخوان في الأردن عام 53
عمون
إبراهيم غرايبة
كان نجيب جويفل (1922 – (1987 أحد قادة النظام الخاص في جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ثم انحاز إلى جمال عبد الناصر في الخلاف الذي حديث بينه وبين الإخوان المسلمين، وظهر رسميا عام 1961 بصفته ضابط مصري برتبة عميد. ثم وزير مفوض في السفارة المصرية في عمان برتبة لواء.
ولد محمد نجيب جويفل في محافظة الشرقية بمصر عام 1922، وانضم إلى صفوف الإخوان المسلمين والنظام الخاص مبكرا، ولاحقته الأجهزة الأمنية المصرية بتهمة القاء قنابل على قوات الأمن في أثناء مظاهرة جرت في الزقازيق في 3 شباط فبراير 1948، ثم سافر إلى فلسطين ليشارك في حرب 1948 وحسب مذكرات محمود الصباغ؛ أحد قادة النظام الخاص في مصر كان ضمن الفوح الثاني من متطوعي الإخوان المسلمين للقتال في فلسطين بقيادة محمد فرغلي. وكان يقود مجموعة للعمل المتقدم من صفوف العدو للرصد والاستطلاع، وقد قتلت هذه المجموعة اثنين من عصابات المقاتلين اليهود حاولا تسميم آبار المياه في فلسطين في منطقة خزاعة شرق خان يونس، وشارك في إسناد الجيش المصري في مستعمرة بيرون إسحق.(مذكرات محمود الصباغ؛ ويذكر كامل الشريف ف كتابه عن حرب فلسطين عام 1948 أن جويلف أقام جويفل صلات بالبدو الفلسطينيين للتدريب والتطوع والإمداد في الحرب. وكان كما يصفه كامل الشريف جريئا ومغامرا، وخطيبا مفوها.
اعتقل نجيب جويفل في قضية "حامد جودة" عام 1949 بعد عملية اعتداء مسلح على سيارة حامد جودة رئيس مجلس النواب (1945 – 1949) ظنا من المنفذين أنها سيارة رئيس الوزراء في حينه إبراهيم عبد الهادي (1896 – 1981) وقد اقترح حسن العشماوي (1921 – 1972) محامي جويفل ورئيس لجنة الدفاع عن المتهمين في القضية تهريب جويفل خارج البلاد لأن أدلة الاتهام ضده قوية، ويمكن أن تقود إلى الحكم عليه بالإعدام.
وحسب رواية صلاح شادي (1921 – 1989) أحد ضباط الإخوان المسلمين في الجيش المصري كان جويفل يعالج في مستشفى الدمرداش، فرتبت مجموعة من الإخوان المسلمين برئاسة شادي عملية نقله من سيارة المستشفى إلى سيارة أخرى، ثم أخفي في بيت أحد الإخوان (إبراهيم بركات) واستخرج العشماوي جواز سفر جديد لجويفل باسم آخر، وسافر برفقة عائلة حسن العشماوي إلى لبنان على أنه مربية أطفال خرساء، ثم عاد جويفل بعد ثورة 23 يوليو 1952 بترتيب مع عبد الناصر، ثم صدر عفو عن المتهمين في القضية عام 1953.
بعد مجيء حسن الهضيبي (1891 – 1973) مرشدا عام لجماعة الإخوان المسلمين حدث خلاف كبير بين الهضيبي وعبد الرحمن السندي قائد النظام الخاص في الجماعة، واتخذ الهضيبي قرارا بإقالته وتعيين يوسف طلعت بدلا منه، وفي مجريات هذا الخلاف الذي كان مصحوبا أيضا بخلافات بين الهضيبي وبعض قادة الجماعة، مثل محمد الغزالي، وصالح العشماوي، إضافة إلى الخلافات مع جمال عبد الناصر، رئيس الوزراء وقائد مجموعة الضباط الاحرار التي أمسكت بزمام الحكم في مصر منذ عام 1952؛ اعتصمت مجموعة من أعضاء الجماعة في المركز العام للإخوان المسلمين للمطالبة باستقالة مرشد الجماعة حسن الهضيبي بالاستقالة، في الوقت نفسه تحركت مجموعة من أعضاء النظام الخاص الموالين لعبد الرحمن السندي رئيس النظام السابق والمفصول لاحقا من الجماعة اقتحموا بيت الهضيبي وأرادوا أن يأخذوه بالقوة إلى المركز العام لإعلان استقالته هناك.
لم يكن جويفل مشاركا في المجموعة المناوئة للهضيبي كما تذكر روايات إخوانية، العكس فقد كان على خلاف مع السندي، ثم إنه شارك مع مجموعة من أعضاء النظام الخاص ومجموعة أخرى من الإخوان في جهاز الشرطة بقيادة صلاح شادي استولوا على المركز العام بالقوة وأخرجوا جميع المعتصمين، وفضّ الاعتصام.
عندما تطورت الخلافات بين الرئيس جمال عبد الناصر وجماعة الإخوان المسلمين عام 1954 واعلن عن حلّ الجماعة واعتقال عدد كبير من قادتها وأعضائها إلى المحاكم بتهمة التآمر على حياة الرئيس عبد الناصر؛ صدر قرار رئاسي بإسقاط جنسية نجيب جويفل المصرية مع مجموعة أخرى من الإخوان المسلمين كانوا متواجدين حينها في دمشق، وهم سعيد رمضان، وعبد الحكيم عابدين، وكامل الشريف، إضافة إلى الزعيم الوفدي محمود أبو الفتح صاحب جريدة "المصري" .
بدأت بين عامي 1954 - 1961 تتشكل حالة من اللبس والغموض حول نجيب جويفل، فقد كان يقيم خارج مصر، ويتنقل بين دمشق وبيروت وعمان والكويت والسودان باعتباره من الإخوان المسلمين الفارين من النظام السياسي المصري بقيادة عبد الناصر الذي دخل في مرحلة عداء مع الإخوان المسلمين. وفي الوقت نفسه أشار بعض الإخوان المسلمين في مذكراتهم إلى علاقاته الوثيقة بالنظام السياسي المصري، ولم يذكر عنه أنه أساء إلى الإخوان المسلمين، بل العكس، يقول المراقب العام المؤسس لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا؛ مصطفى السباعي (1915 – 1964) "من الإنصاف لنجيب جويفل أن نقول أنه لم يستخدم منصبه الكبير لإيذاء أحد من رجال الجماعة، بل يبدو أنه حاول مساعدة بعض الأسر المنكوبة، لكنه يبقى نموذجاً فريداً لنوع من الشباب يدخل العمل الإسلامي للصيد والقنص باحثاً عن مصلحته وحدها" ويقول القرضاوي في مذكراته إن نجيب جويفل كان حلقة وصل بين الإخوان والمخابرات المصرية، وكان يتابع قضايا الإخوان في السفر والعمل.
ويذكر الفريق عبدالمنعم عبدالرؤوف (1914 – 1985) وهو من مجموعة الضباط الأحرار وكان في الوقت نفسه عضوا في جماعة الإخوان المسلمين، وقد أحيل على التقاعد بعد الثورة، ثم اعتقل، لكنه هرب من السجن، وسافر متخفيا إلى خارج مصر؛ أنه في عام 1960 وكان مقيما في تركيا وتوسّط نجيب جويفل في حلّ الخلاف بينه وبين عبد الناصر، ورد عليه جويفل "أرجو أن تكون مطمئنا إني أبذل قصارى جهدي لحل موضوعك" ويضيف: وفى خلال هذه المدة صرف لي المعاش التقاعدي عن طريق السفارة المصرية وذلك بمساعدة الأخ نجيب جويفل. ويذكر أيضا عبد الرحمن البنان وهو من أعضاء النظام الخاص في جماعة الإخوان المسلمين أن جويفل ساعده في استخراج جواز سفر، وتصريح بالسفر إلى الكويت.
يروي كثير من الإخوان المسلمين، مثل عبد اللطيف عربيات، وعزت العزيزي، ومصطفى السباعي، وكامل الشريف؛ أن جويفل استخدم تاريخه الجهادي وما يتمتع به من كاريزما وتأثير ونزعة إلى الجرأة في مواجهة الأنظمة السياسية في تشكيل جماعات شبابية من الإخوان المسلمين في كل دولة كان يقيم فيها أو يتواصل مع الجماعة فيها مثل الأردن ولبنان وسوريا والكويت والسودان، وقد أحدث بذلك انقسامات ونزاعات داخلية في صفوف الجماعة في هذا البلدان.
في عام 1953 وكان الإخوان المسلمون في مصر حلفاء للثورة المصرية وقادتها بين عامي 1952 – 1954 قاد نجيب جويفل مبادرة لإعادة تشكيل جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وتحركت مجموعة من شباب وقادة الجماعة لانتخاب قيادة جديدة للجماعة، وإعادة صياغة النظام الأساسي للجماعة ليكون مطابقا لنظامها في مصر، واختير محمد عبد الرحمن خليفة رئيسا للجماعة، واختير اسم "المراقب العام" لهذا المنصب. يقول موسى زيد الكيلاني إنه قابل جويفل عام 1979 في القاهرة وتحدث للكيلاني عن دوره في تغيير قيادة الجماعة في الأردن عام 1953 وأن ذلك كان ضروريا برأيه لتطوير الجماعة وإسناد القيادة إلى الشباب. ويقول الكيلاني إن جويفل لم يكن حين التقاه يخفي أنه كان يعمل في المكتب الخاص للرئيس جمال عبد الناصر .
في عام 1962 أصدر الرئيس المصري جمال عبد الناصر عفوا رئاسيا عن العقوبات المقررة على محمد نجيب جويفل والآثار الجنائية المترتبة على الحكم. فاستعاد رسميا اسمه الأصلي "محمد نجيب جويفل" وحصل على رتبة عميد في الجيش. وكان في الفترة (1952 – 1962) يستخدم جواز سفر مصري باسم عبد العزيز سالم لأنه مرتبط بجريمة قتل وقعت عام 1949، ولم يحصل على عفو من الجريمة إلا في عام 1962.
ومن المهمات التي أسندت رسميا إلى جويفل تدريب المنظمات الفلسطينية والتنسيق معها. يذكر أبو الطيب محمود الناطور، قائد القوات 17 في حركة فتح، أنه تلقى مع مجموعة من أعضاء حركة فتح تدريبا استخباريا على يد فريق من المخابرات المصرية برئاسة نجيب جويفل ونائبه محمد عبد السلام محجوب (صار فيما بعد محافظ الاسكندرية ووزير التنمية المحلية) واللواء محمد عبد القادر.
شغل جويفل عام 1967 منصب وزير مفوض برتبة لواء في السفارة المصرية في عمان. وكان يتولى التنسيق والاتصال مع المنظمات الفدائية الفلسطينية في الأردن، وفي الأزمة التي حدثت بين المنظمات والدولة الأردنية أقام ياسر عرفات رئيس حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية في المقر الدبلوماسي لجويفل، ومن هناك أقلتهما معا (عرفات وجويفل) ناقلة جنود أردنية ليسافرا على متن الطائرة التي تقل وفدا عربيا برئاسة الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري وانتقل إلى بيروت ليواصل مهمته هناك في التنسيق والتواصل مع المنظمات الفلسطينية في بيروت.