الغد- ديمة محبوبة
"ما الخطأ الذي ارتكبته؟ هل أنا مقصر؟ لماذا لا أملك الحظ؟"، جميعها عبارات يرددها البعض ممن يميلون إلى لوم الذات عند تعرضهم لمواقف سلبية في حياتهم الشخصية أو العملية.
تتكرر هذه الأسئلة خاصة في لحظات الفشل أو التحديات، حيث يسعى الفرد بشكل فطري وعفوي لتحليل الأحداث وفهم أسبابها. ومع ذلك، قد يتحول هذا التحليل إلى دوامة مرهقة من جلد الذات واللوم المفرط.
ظاهرة "لوم الذات" ليست مجرد كلمات ينطق بها الفرد بل هي سلوك يعكس جذورا أعمق في نفسية الفرد. تحمل هذه الظاهرة آثارا نفسية واجتماعية سلبية، إذ قد تعيق تطور الفرد وتؤثر على تفاعله مع محيطه.
سارة خالد، موظفة في شركة تسويق، اعتادت على تقديم أفضل ما لديها. تروي أنه في أحد الأيام طلب منها إعداد تقرير لتحليل السوق. ورغم محاولتها إنجازه بدقة، واجه التقرير انتقادات حادة خلال اجتماع فريق العمل.
تقول سارة: "بالرغم من أنني اعتمدت على البيانات المتوفرة، شعرت أنني السبب الوحيد وراء الفشل. عدت إلى المنزل وأعدت التفكير في كل كلمة قيلت خلال الاجتماع، ولم أتمكن من النوم لأيام، وظللت ألوم نفسي على كل شيء".
ولكن بعد بضعة أيام، اجتمعت مع مديرها، وخلال حديث عابر أوضح لها أن الأخطاء التي وقعت في التقرير كانت نتيجة عوامل متعددة لا علاقة لها بها. تضيف سارة أنها غالبا ما تقع في فخ لوم الذات، سواء في العمل أو العلاقات الشخصية، حيث تسارع إلى تحميل نفسها المسؤولية عن أي موقف سلبي يحدث معها.
في رواية أخرى، يتحدث أحمد خوالدة عن تجربته العاطفية التي استمرت لعامين، شملت فترة الخطوبة وانتهت بالانفصال. يقول أحمد: "كنت أعتقد دائما أنني مقصر، رغم أنني كنت واضحا منذ البداية بشأن ظروفي الاقتصادية الصعبة. فقد تخرجت حديثا من الجامعة والتحقت بوظيفة براتب متواضع، وكنت قد أوضحت هذه الأوضاع لوالد خطيبتي. ومع ذلك، كانت خطيبتي تطلب الكثير، بما يتجاوز إمكانياتي".
ويضيف أحمد أنه في البداية كان يلوم نفسه على الانفصال وفشل العلاقة، فهو لم يستطع التوقف عن التفكير فيما إذا كان قد ارتكب أخطاء أدت إلى انهيارها. فقد أعاد مراجعة كل حوار وموقف واستذكار ما حدث منذ البداية.
ومع مرور الوقت، أدرك أنه كان صريحا في حديثه منذ البداية، وأن ما حدث لم يكن نتيجة تقصير منه، إنما نتيجة اختلاف في التوقعات بين الطرفين. وصل لضرورة مسامحة نفسه والابتعاد عن جلد الذات، لأن الخلل كان في المتطلبات التي تجاوزت إمكاناته.
يرى اختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطارنة، بأن اللوم الذاتي هو استجابة شائعة للأزمات، تنبع من عوامل نفسية واجتماعية، كالنقد الداخلي المفرط، إذ إن بعض الأشخاص يحملون صوتا داخليا قاسيا ينتقدهم باستمرار، وكذلك التربية المشروطة كأن ينشأ الطفل في بيئة تربط قبوله من الآخرين بأدائه أو نجاحه، فينمو لديه شعور دائم بالذنب عند أي خطأ.
ويضيف أن البعض يشعر بالخوف من الفقدان في العلاقات، والخوف من خسارة الطرف الآخر يدفع البعض لتحمل المسؤولية الكاملة، وكأن نجاح أي علاقة يكون على فرد واحد وليس بالشراكة، وآخرين حسب مطارنة من يعيشون ضغط الكمال في العمل والعلاقات الشخصية، فيسعى البعض إلى تحقيق معايير مستحيلة، مما يجعلهم يلومون أنفسهم عند الإخفاق.
ويوضح مطارنة أن اللوم الذاتي، إذا استمر لفترة طويلة، يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب حيث يشعر الشخص بالعجز واليأس، وإلى القلق المفرط بسبب الخوف من ارتكاب أخطاء جديدة، وكذلك إلى انخفاض الثقة بالنفس إذ يبدأ الشخص في الاعتقاد بأنه غير قادر على النجاح، حتى يصل إلى تجنب الفرص خوفا من الفشل والانتقاد.
في حين تبين المرشدة النفسية والتربوية رائدة الكيلاني، أن بعض الأشخاص قد يلجأون إلى العزلة لتجنب مواجهة الآخرين أو تحمل مسؤوليات إضافية جراء لومهم المستمر لذاتهم عند كل مشكلة يواجهونها.
وتؤكد أن الضغوط الاجتماعية الحديثة، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، تعزز مشاعر اللوم الذاتي، مبينة أن العيش في عالم يظهر فيه نجاحات الآخرين مصورة بعناية، وبعد المقارنة بما يحدث مع الفرد وما يراه على السوشال ميديا للآخرين من دون أن يدرك أن ما يراه هو فقط الوجه المشرق لحياتهم فيولد شعورا بالنقص، ويزيد من الميل للوم الذات عند أي فشل.
وتبين أنه من الممكن التخلص من هذه الظاهرة أو هذا السلوك المتعب، فتنصح الكيلاني الأفراد اللوامين لذاتهم أن يتدربوا على التفكير الموضوعي، ككتابة ما حدث وتحليل الأسباب بشكل عقلاني من دون عاطفة، والاستماع إلى رأي الآخرين لتحصيل منظور خارجي، وتعلم التقبل الذاتي الإيمان بأن الأخطاء جزء من التجربة البشرية، والتركيز على النجاحات بدلا من الفشل.
وتنصح دائما بالتحدث إلى مختص إذا أصبح اللوم الذاتي مزمنا، فقد يكون من الضروري استشارة مختص نفسي، ومن المهم التعبير عن المشاعر كالتحدث مع أصدقاء موثوقين يمكن أن يساعدوا في تخفيف العبء النفسي، كما أن ممارسة الامتنان والتركيز على الجوانب الإيجابية في الحياة يعزز من الرضا ويقلل من الشعور بالنقص.
وتبين أن اللوم الذاتي يمكن أن يكون أداة لتحسين الذات إذا تم توظيفه بعقلانية، لكنه قد يتحول إلى عائق كبير إذا غلب عليه الطابع المفرط والسلبي والحل يكمن في التوازن بين تحليل الأخطاء والنظر إلى النفس برأفة، مشددة إلى أن الجميع يحتاج إلى أن يكون صديقا لنفسه وليس قاضيا لأن الحياة مليئة بالتحديات، وما يهم هو ما يتعلم الفرد منها وكيف يمضي قدما.