عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Aug-2019

«شجرة الكينا» كتاب جديد للدكتور أكرم الديك

 

عمان -الدستور -  نضال برقان - صدر حديثا عن دار ورد الأردنيّة للنشر والتوزيع كتاب جديد للدكتور أكرم الديك بعنوان «شجرة الكينا» يمثّل هذا الكتاب نوعاً جديداً من الكتابة ألا وهو «البيبليوميموار» أو مذكرات بحثية والتي تجمع ما بين تأمّلات نقديّة في الكتب والكتّاب الذين ساهموا في تشكيل رؤى أدبيّة وفلسفيّة لدى الكاتب من جهة وعلاقة الكاتب بالعائلة والمكان وفكرة الوطن والترحال والذاكرة والأدب والكتابة من جهة أخرى.
يجمع الكاتب في هذا العمل الأدبي بين عدد من المراجع الأدبيّة (بيبليو) التي تشكّل فهرسا يصقل الهويّة والكتابة و ممارسة الانتماء، والمذكّرات الشخصيّة (ميموار) وأدب الترحال لتكون صدىً لأصوات متعددة: الصوت الحسود للمنفي، الصوت النّاقد لأستاذ الأدب، الصوت السّاذج للطفل الذي ينمو كل يوم، صوت الرحّالة الفضوليّ، والصوت العاطفيّ لكاتب السّيرة الذّاتيّة. 
في 13 عشر حلقة، ينغمس الكاتب جاهداً في المحاولة عن إجابة سؤال جوهري يتطرّق له في عبور المطارات والجسور وحتى في المقاهي والمحادثات العابرة: «من أين أنت؟» أو «من أين تأتي؟» «الأخ من وين؟» يرى الكاتب بأن فرديّة الإجابة تهمّش أهميّة أسس صناعة الهويّة أو الأنا، ألا وهو تعدديّة التجارب الثقافيّة ومرونتها في وجه الجغرافيا الأحاديّة. فقد يقود الأخير الى العنصريّة وربّما الفاشيّة. وقد يرسل الحنين المتقع للماضي الفرد إلى التقوقع في سوداويّة خطيرة يصعب ترجمتها الى إبداع أو ابتكار.
يرفض الكاتب ها هنا أن ينتمي لجغرافيّة أو قوميّة منفردة. الديك من أصل فلسطيني من قرية صغيره في الضفة المحتلة تسمّى كفر الديك، ولد في الأردن نتيجة لتهجيير والده بعد حرب الـ1948 ونزوح والدته بعد حرب ال1967، يحمل الجنسيّة الألمانيّة، يكتب حصرا بالانجليزية وقضى عشرينيّاته في الدراسه والتعليم في بريطانيا. تأمّلات الديك تعكس تجربته الخاصه في فهم الوجود والكينونة وكسر حواجز القوقعات المحليّة للوصول الى العالميّة. 
يبدأ الكاتب الحلقة الأولى بعنوان «فلاديمير نابوكوف، الإنسلاخ، والبصل وزنبق الماء» قائلا: «كان يا ما كان، وفي يوم من الأيّام، صحوت لأجد نفسي منفيّاً فلسطينياً كما وجد جريجور سامسا نفسه مسخاً في رواية الكاتب اليهودي الألماني فرانتز كافكا.» 
يعبّر الكاتب عن استيائه عن ما يدفعه المنفي الفلسطيني أو الأرمنيّ أو الباكستانيّ لحادث عرضيّ يسمّى الولادة ولحاضر غائب يسمّى التاريخ ولفكرة متخيّلة اسمها الوطن. يتطرّق الكاتب ها هنا الى قصّة «أليس في بلاد العجائب» حيث يتأمل في مغامراتها وانسلاخها وتحولات جسدها؛ فهي لا تتحكّم فيما هي عليه.حيث ترد القطة على تساؤلات أليس: «إن كنت لا تعرفين يا أليس إلى أين أنت ذاهبة، فكل الطرق إذاً تؤدّي الى روما.»
يتطرّق الديك أيضا الى قصّة غسّان كنفاني القصيرة «أرض البرتقال الحزين» حيث يسترسل الكاتب في استخدام البرتقال كاستعارة تعبيريّة لدحض الوطن وفشل الأنظمة العربيّة في التعامل مع انتهاكات المحتل لحقوق الانسان. يعبّرالديك أيضاً عن عدم رضاه من ملك إيثيكا ومقاتل طروادة وصاحب فكرة الحصان الذي بوساطته انهزم الطرواديون، حيث يرى الكاتب أن حلم أوديسيوس في الرجوع الأزليّ الى وطنه بعد الإغتراب لعدّة سنوات تطغى عليه سمة الكآبة وأن شخصيّة أوديسيوس ليست ديناميكيّة ولا متغيّرة، فالحقيقة هي أن أوديسيوس مشتّت الذهن وصبره عديم النفع لأنّه مسجون فكريّا في كنفات الماضي ورومانسيّته العمياء.
علاقة الكاتب بشجرة الكينا ليست فقط استعاريّة، فيلتقي الكاتب في هذه الشجرة منذ الصّغر في حديقة منزل والديه تارة، وتارة في كفر الديك معقل أهله في الضفّة الغربيّة المحتلّة حيث تفصل شجرة الكينا بين الجزء الشماليّ والجنوبيّ من القرية وتحجب عن المارّة بشاعة المستعمرة الاسرائيليّة التي تطلّ فوقها من كل جانب. 
الكتاب يشبه في طيّاته مصطلح إيميل حبيبي في روايته «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل» وهو التشاؤل حيث ساديّة التفاؤل ومواجهة الموت بالتهكّم. فالنازح طوعا أو قسرا هو برمائي الكينونة، وعند العبور تصبح عمليّة التنفّس صعبة، فأيّة أصداء ميتافيزيقيّة أو وجوديّة للردّ على سؤال الهويّة تصبح مثيرا للشفقة. «أنا بلاد من حروف» أو «أنا الطريق لا الوصول» أو «أنا مواطن العالم أجمع». هذا كلّه هراء. فعند العبور، ما أنت سوى هيكل عظميّ مغلّف باللحم البشريّ، والصوت الذي يترك الجسد ليس ملكا لك. أنت لست المسافر بل الحقيبة. المجنّدة ببندقيّتها تؤكّد أنّك لا أحد سوى ما تراك عليه هي بعينيها. 
يتبع الـ 13 حلقة «117 ملاحظة للذّات»والتي تعد اعترافية تحفز على التطوير الدائم والمراجعة الذّاتيّة. كتاب الديك هو تطبيق لنوع جديد من الأدب والذي يعد الأوّل من نوعه في بلاد الشّام والأوّل في الأردن باللغة الانجليزيّة.