عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Oct-2019

"آداب مرتحلة".. كُتاب بارزون يلتقون قراءهم بساحة عمومية في مراكش
 
مراكش - عبد الغني بلوط-تستقبل الروائية المغربية زهور كرام في جناحها بمعرض كتاب من نوع خاص، زوارا من الشباب بابتسامة مشرقة، وتحفهم بمودة ظاهرة ممزوجة بحسن استماع وإنصات. وما إن تتلقى سؤالا بسيطا أو عميقا من أحدهم حتى تنفرج أساريرها وتبدأ شرحها المفصل الممتع.
 
تقول هذه الباحثة الأكاديمية وهي تنهي توقيع روايتها "غيثة تقطف القمر"، "سعادتي غامرة اليوم وأنا أرى في عيون الشباب المغربي ذلك الشغف إلى المطالعة ومعرفة أحوال الكتابة والكتاب في بلدي".
 
أربعون كاتبا
في ساحة عمومية مفتوحة بمدينة مراكش التقى يوم السبت 5 أكتوبر/تشرين الأول أربعون كاتبا قراءهم في الحدث السنوي "الآداب المرتحلة" الذي يقام لأول مرة بالمدينة الحمراء، ويشارك فيه مبدعون من المغرب وخارجه.
 
وتحولت ساحة مسجد الكُتُبية التي اختارها المنظمون فضاء لهذا اللقاء بما تحمله من إرث حضاري وثقافي، إلى محج قراء عاد بهم إلى زمن "الكتبيين" الذين كانوا يعرضون كتبهم للبيع لكن أيضا يشاركون أفكارهم مع العامة قبل توثيقها في مجلداتهم.
 
وفي ركن بباب الساحة، تجمع أطفال في منظر جميل حول قصصهم المصورة، مانحين آباءهم فرصة التجوال بحرية أكبر بين جنبات المعرض ولقاء كتابهم المفضلين.
 
تنوع الفنون
من الرواية والشعر إلى كتب الفكر والفلسفة والسياسة، تنوعت المعروضات كما تنوع الجمهور الزائر من كل الفئات الاجتماعية، كما تقول الناشرة المغربية نادية السالمي المشرفة على تنظيم اللقاء.
 
ويرى الكاتب مولاي الصديق الرباج في حديث للجزيرة نت أن المبادرة الثقافية قربت من القارئ، ليس فقط الكتاب الذي يعتبر اقتناؤه نخبويا، بل من "أنماط الكتابة" التي يحكيها أصحابها مباشرة دون حواجز ثقافية.
 
فيما يعتبر الكاتب ووزير الثقافة السابق محمد الأشعري أن العلاقة مع الكتابة لا تكتمل إلا باختبارها عند القراء، سواء بالنسبة لتأثيراتها أو مشتركاتها أو طريقة تلقيها.
 
ويؤمن الأشعري في حديث للجزيرة نت بأن لقاءه القراء مسألة حيوية ليست فقط لمعرفة أفق الكتابة، ولكن جد مهمة كذلك لفعل الكتابة نفسها.
 
قارئ كامل
تقلب الطالبة في المدرسة الوطنية للتسيير بمراكش مروة لباح بين يديها كتابا جديدا لباحث حول الهويات الاجتماعية، وتقول للجزيرة نت "نجد متعة القراءة في كتاب بعيد عن تخصصنا الجامعي، وقد نترك على الهوامش أفكارا وملاحظات وأسئلة واستفهامات، هنا الفرصة مواتية لطرحها على الكتاب".
 
ويؤكد الكاتب والأنثروبولوجي حسن رشيق أن اللقاء مع الجمهور خروج جميل من أسوار الجامعة، وإتاحة الفرصة للقارئ لطرح أسئلة جديدة حول ما كتب، وتسليط الضوء أكثر على بعض الأمور التي لم يفهمها بداية.
 
ويضيف أن القارئ عادة ما يتوجه إلى المكتبة للبحث عن مبتغاه، لكن بالنسبة لشابة أو شاب في مقتبل العمر يلتقي كاتبا ويسأله أسئلة عميقة فهو يعتبر قارئا كاملا.
 
أسئلة مبهرة
يقترب الطالب المهندس أحمد نجاح من أكاديمي وكاتب معروف ليفاجئه بأسئلة بدايات الكتابة وإرهاصاتها وتفاصيل معرفية، ويقول للجزيرة نت "لم أشعر بهول اسمه يطغى على المكان وأنا أحاوره بكل تلقائية".
 
فيما يؤكد الباحث والكاتب خالد زكري في حديث للجزيرة نت أنه تلقى أسئلة مبهرة حول طريق النجاح في حياة أي كاتب أو شروط القراءة الجيدة.
 
ويعتبر الأكاديمي أن مثل هذه اللقاءات تثلج الصدر وتفند كل زعم عن ابتعاد الشباب عن القراءة والكتاب، ويبقى فقط أن نوفر الأجواء المناسبة لكي يخرج فينا جيل من القراء والباحثين.
 
ويؤكد أنه رأى "ابتسامات" ترتسم على شفاه الشباب، وهو يشرح مثلا مفهوم "الحداثات العربية" عنوان كتابه الجديد، الذي يربطه بالحياة اليومية، لكن في إطار تاريخ الأفكار بالعالم العربي، والبديل المطروح عن الحداثات المهيمنة.   
 
مشاؤون
لم تتوقف حركة "المشائين" نحو العلم المعرفة في ذلك المساء المعتدل الجو بساحة الكتبية. ويخيل للزائر أن الزمن الجميل عاد ليسيطر بكل جبروته على الفضاء.
 
ويضيف الأكاديمي رشيق أنه يتخيل الآن حركة الكتبيين القدامى في الساحة وهم يعرضون كتبهم التي لم تكن فقط مرجعا في المغرب، بل كان الباحثون يأتون إليها من أماكن بعيدة.
 
وتؤكد الطبيبة والكاتبة سعاد جامعي للجزيرة نت أن للساحة رونقا خاصا، مبرزة في سياق آخر أن علاقتها مع المرضى وكلامهم البسيط جعلها تعرف خفايا كثيرة في المجتمع.
 
وتضيف أن اللقاء مع قراء مفترضين ذو مذاق خاص ممزوج بحب الاستطلاع مع إتاحة الفرصة حول الحديث عن ظروف "استقطاع " وقت للكتابة في يوم مليء بالأشغال بالنسبة لمهنة الطبيب.
 
لقاء بين الكلام والكتابة
وغير بعيد عن ساحة الكتبية، تتراءى للزائر ساحة جامع الفنا الشهيرة، حيث يلتقي هواة "الحلقة" مع "الحكواتيين" الذين يستمدون قصصهم من كتب التاريخ، وفي كثير من الأحيان ينسجون انتصارات أبطال رواياتهم من خيالهم الواسع.
 
ويبرز في الساحة العتيقة الحكواتي "باريز" بزيه التقليدي، والحكواتية حليمة حمدان بزيها العصري وهما يبعثران الكلمات حكاياتٍ مشوقةً.
 
يقول الأديب والشاعر طه عدنان للجزيرة نت إن أجمل شيء هو أن يتم اللقاء بين الكتاب والقراء في ساحة مسجد الكتبية، حيث كان الكتبيون يعرضون كتبهم ومخطوطاتهم، قريبا من ساحة جامع الفنا، أحد معالم المدينة والتراث الشفهي للإنسانية.
 
ويضيف عدنان أن في اللقاء بين ساحة تهتم بالكلام، وأخرى كانت تعرض الكتاب، يتم الحوار الخلاق بين الكلام والكتابة، ولا يكتمل دون قراء يضفون بجماليات التلقي لديهم أبعادا أخرى ربما لم يتوقعها الكاتب أصلا.
 
جيل جديد
وفي حواراتها المتكررة، تكتشف الروائية زهور كرام لأول مرة أن قراءها لاحظوا انشغالها عن الرواية لصالح النقد واللقاءات الأدبية، وتعدهم بإكمال روايتها الجديدة التي بدأتها قبل ثلاث سنوات.
 
فيما يبرز الكاتب محمد الأشعري أن الكاتب أيضا يستطيع أن يستفيد من ملاحظات قرائه، ويغير كثيرا من كتاباته وطرقه، لأن كل الأسئلة جديرة بالإجابة عنها.
 
ويلمح الزوار بسعادة منظر الأطفال في المكتبة المتنقلة، وهم يشبعون نهمهم في المطالعة المفيدة فرادى أو مع آبائهم.
 
زهور كرام وعدد من الكُتّاب -وقد سارعوا إلى توقيع قصصهم الملونة- يرون أن جيلا محبا للكتاب وقادرا على الاستماتة في الدفاع عن كل طقوس القراءة يولد من جديد.
 
المصدر : الجزيرة