الغد-محمد الكيالي
مع وصول وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى الكيان الصهيوني، في أول زيارة له للمنطقة، تدور توقعات بأن سبب الزيارة، يأتي للدفع بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لتحويل قطاع غزة لـ"ريفيرا الشرق الأوسط"، كما أطلق في تصريحات له الأيام المنصرمة.
وفي هذه الزيارة لكبير الدبلوماسيين الأميركيين في عهد ترامب الثاني، يتوقع بأن يدفع روبيو باقتراح رئيسه الذي لقي إدانات واسعة من دول عربية وعالمية، أبرزها الأردن ومصر، الرافضتان للسيطرة على القطاع، أو إعادة توطين سكانه، وعددهم أكثر من مليوني نسمة خارجه، وهو ما دفع خبراء في السياسة للإفصاح عن أن مثل هذا الفعل هو "تطهير عرقي"، وهو ما ترفضه القوانين الدولية الإنسانية، ويرتد على العالم بتبعات لا تحمد عقباها سياسيا وإنسانيا وحقوقيا، إلى جانب أنه سيقود لتصعيد حاد في المنطقة، ويشعل حروبا تضع العالم والمنطقة في فوهة بركان لا يخمد.
وفي هذا النطاق، فإن المتوقع بشأن مفاوضات الهدنة بين حركة المقاومة الاسلامية - حماس، والكيان، التي جرت في الدوحة، لتفضي الى انجاز المرحلة الاولى منها، برغم ما واجهته من صعوبات في التوصل اليها وتنفيذها، أن تبدأ مفاوضات المرحلة الثانية، لتأمين نهاية قد تكون أكثر ديمومة لوقف الحرب على غزة، الأسبوع المقبل في العاصمة القطرية.
واشنطن، أدلت في اكثر من مناسبة، بتصريحات تفيد بأنها منفتحة على مقترحات بديلة من الحكومات العربية بشأن مصير غزة، فيما تعود في كل مرة للإدلاء بما يناقض هذه التصريحات على لسان ترامب وحاشيته، من أن "الخطة الوحيدة حاليا لغزة، تتبلور بخطتها".
ويفترض بأن تشهد المرحلة الثانية؛ إطلاق سراح الأسرى الصهاينة الـ43 المتبقين، وفق ما هو متداول، الى جانب انسحاب كامل لقوات جيش الكيان من القطاع، مع وقف دائم لإطلاق النار، وقد نفذ الاتفاق في مرحلته الأولى أيضا، بانسحاب قوات للكيان من المناطق المكتظة بأهالي غزة، وعودة مئات الآلاف من النازحين لمنازلهم في الشمال، والسماح لمئات شاحنات الإغاثة بدخول القطاع يوميا، لكن هذه المرحلة التي يفترض بأن تشهد أيضا دخول خيام وبيوت متنقلة للقطاع، لم تحقق هذه الشرط إلا في حدوده الدنيا.
وفي هذا الوقت الذي بات فيه التساؤل حول مصير المرحلة الثانية من الاتفاق ملحا، فإن الغموض الذي يفتعله رئيس وزرء الكيان الصهيوني المتطرف بنيامين نتنياهو حوله، وحول تطبيق شروط الاتفاق، يضع مستقبل الهدنة كلها على المحك.
اشتراطات المرحلة الثانية
رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد شنيكات، بين أن نتنياهو يريد تحديث المرحلة الأولى من الاتفاقية، ليصل الى اطلاق أكبر عدد من أسرى الكيان من قبضة المقاومة، بدون الدخول في اشتراطات المرحلة الثانية المتعلقة بالإعمار والانسحاب الكلي لقواته.
ولفت شنيكات، إلى أن نتنياهو لا يريد تحمل هذه التبعات، وفي الوقت نفسه يخشى انفراط عقد حكومته، التي تتشكل من اليمينيين المتطرفين، بزعامة وزيريه المتطرفين بن غفير وسموتريتش، اللذين يضغطان بقوة، من أجل عدم دخوله للمرحلة الثانية.
وأضاف شنيكيات، أن بن غفير انسحب من الحكومة الصهيونية المتطرفة، مع بدء المرحلة الأولى من الاتفاقية، بينما يسعى سموتريتش لعودة الحرب وعدم دخول المرحلة الثانية، مشددا على أن نتنياهو يناور لتمديد المرحلة الأولى، بدون اشتراطات الثانية.
وقال إن هناك تطلعات لأن يكون دخول الكيان للثانية، مقرونا بنقض ما اتفق عليه مبدئيا قبل بدء الهدنة، برفض كامل لكل ما اتفق عليه بخصوصها، وأن يبدأ الاتفاق على أسس جديدة، قد يكون من ضمنها وأهمها للكيان، نزع سلاح حماس، معتبرا بأن الولايات المتحدة ومصر وقطر، هم الضامن الأساسي للاتفاق، لكن تأثير الأخيرتين في تثبيته ليس كبيرا.
وقال شنيكات "هناك تغييرات في طريقة تعامل ترامب مع الاتفاق، برزت مؤخرا، وحملت تحريضا شديدا على الاتفاق عينه، بدل الذهاب لتعزيز المرحلة الثانية منه وإنهاء الحرب، وفق ما أطلقه من وعود في حملته الانتخابية، مبينا أن ترامب أصبح يتبنى وجهة نظر اليمين المتطرف الصهيوني بشأن الاتفاق، إذ تتشابه تصريحات هذا اليمين مع تصريحات ترامب.
عوامل مؤثرة وغير مؤثرة
واعتبر شنيكات أن اليمين الصهيوني يحرض على العودة للحرب، لكن في المقابل، يقف جيش الكيان والأجهزة الأمنية وأهالي الأسرى والاسرى انفسهم في الاحتلال والمعارضة الصهيونية مع إكمال الصفقة، في حين أن استطلاعات رأيهم، ما تزال تفصح عن ان اغلبيتهم مؤيدة للصفقة وعدم العودة للحرب.
وقال "في النهاية، ستكون مفاوضات المرحلة الثانية صعبة، في ظل تراجع الكيان المتطرف عن اشتراطاتها وعن الثالثة ايضا، وقد نشهد انهيارا للاتفاق، إذ يضع نتنياهو مطالب جديدة لم تكن مدرجة أصلا في نطاق الاتفاقية، وهذه من ضمن قضايا كثيرة قد يخرجها عن التنفيذ لاحقا".
ولفت إلى أن الأسباب التي ستقود الى عدم اتمام الاتفاقية وفشلها، يتبلور بالموقف الأميركي الذي حمل في تضاعيفه التلويح بعودة الحرب، وهذا ما تظهره تصريحات ترامب، واعادة تزويد واشنطن للكيان بقنابل وأسلحة، كانت حجبتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن.
وشدد شنيكات على أن هناك معزّزات لعودة الحرب، والاتفاق ليس بالضرورة استمراره من وجهة نظر اليمين الصهيوني المتطرف، معتبرا بأن تهجير أهالي غزة لن يتحقق وفق تصور الكيان والأميركيين، بل سيكون مستحيلا تحققه دون حرب، وبالتالي سيكون من معززات الدفع نحو اشتعالها ثانية.
إسقاط حكومة اليمين المتطرف
من جانبه، قال الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبو زيد، إن الانتقال للمرحلة الثانية، يمر بمخاض عسير والرؤية ما تزال ضبابية بشأن الموقف الكيان منها، مؤكدا أن ذلك يعود إلى أن الائتلاف الحكومي في الكيان، مهدد بالانهيار إذا انتقل نتنياهو لهذه المرحلة، ولم يستأنف القتال في غزة، لإصرار المتطرف سموتريتش على الانسحاب من حكومة الاحتلال، وهو يملك 7 مقاعد في الكنيست.
وأضاف أبو زيد، أن كوابح الانتقال لهذه المرحلة، تتعلق أيضا ببنودها، وأبرزها وقف الحرب بشكل دائم، والانسحاب الكامل من القطاع، وتسليم قيادات فلسطينية من ذوي الأحكام المؤبدة، مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات، وهذا ما لا يرغب به الكيان.
وأضاف "في الوقت نفسه، تبدو البدائل المتوافرة أمام الاحتلال غير ملائمة، والخيارات ضيقة، اذ لا يملك جيش الاحتلال القدرة على العودة لعملية عسكرية برية تقليدية كالتي جرت وقائعها طيلة 15 شهرا قبل الاتفاق في غزة، لعدة أسباب تتعلق بإعادة تأهيله وما تعرض لنقص حاد في قواه البشرية".
وقال أبوزيد، إن جيش الاحتلال يبدو بأنه لا يملك معلومات استخبارية، تمكنه من القيام بأي عملية أمنية، محدودة أو غيرها، لاستعادة بقية أسراه، لذا، يحاولون في حكومة الاحتلال الظهور بمظهر تحقيق أحد أهداف الحرب: استعادة أسراهم بالقوة، وهذا وضع نتنياهو في المنطقة الوسطى، بحيث لا يستطيع التقدم للمرحلة الثانية، لان ذلك سفكك الائتلاف الحكومي، ولا يستطيع التراجع عن الاتفاق، لأنه لا يملك خيارات أو بدائل أخرى.
وأكد أن ذلك يفسر بأن الخيار الذي يحاول الاحتلال فرضه، هو تمديد المرحلة الأولى والالتزام بالملحق الإنساني الذي هو أصلا أحد شروط تلك المرحلة.
بدائل أخرى
وأشار ابوزيد، إلى أنه وفي ظل هذه التعقيدات السياسية والعسكرية أمام نتنياهو، يبدو بأن زيارة روبيو للكيان، محاولة للاستماع لما لدى الكيان من بدائل، وبأنه ينتظر ما سيقوم به بعد انتهاء المهلة التي حدّدها، أمر قد يُفسّر بأن ترامب أدرك بان نتنياهو يضع الأزمة السياسية للحكومة والمأزق في غزة في حضن ترامب، مضيفا "لكن ترامب عاد وقذفها في حضن نتنياهو، ما يشير إلى أن زيارة روبيو سياسية، تسعى لإيجاد حلول دبلوماسية للانتقال للمرحلة الثانية، أكثر مما هي زيارة دعم لعمل عسكري، لأنه لو كانت كذلك لأرسلت أميركا وزير دفاعها بدل وزير خارجيتها".