سلامة يكتب: الجامعة الأولى .. آخر الحلقات مع نذير عبيدات
عمون
أحمد سلامة
بسرعة مذهلة تغير المزاج العام في الجامعة، واضحت الاسلمة هي المذاق المستحب فيها…
لقد عايشت (الحالة الاسلامية) سنة واحدة ومن ثم غادرتها الى صحيفة الرأي (المحطة الثانية في حياتي العمانية) التي قضيت فيها خمسة عشر عاما، ولم تكن في خطورة تأثيرها على روحي بأقل من المدرسة الأولى في الحياة (الجامعة الأولى) رغم أن الجامعة تبقى عندي هي مدرسة التجهيز الاولى في الحياة…
لست أدري من قال ما أصعب أن تعايش (ملكين) في الحياة، لكني اقول ما أصعب أن تعايش رئيسين لجامعة وانت طالب بوزن عبد السلام المجالي الذي لا يقلد، واسحق الفرحان، الذي جمد عضويته رحمه الله من (الجماعة) قبل ان يقسم وزيرا للتربية والتعليم في حكومة المرحوم وصفي التل سنة الفتنة الكبرى ١٩٧٠م…
يا الهي.. كم تكتشف خطورة دور الفرد في صناعة التاريخ والتأثير على توجهات (الشجر والبشر والحجر!!)
انظر الى عمان إبان حقبة عبد الرؤوف الروابدة، كنت تلحس العسل من شوارعها على رأي أمي حين تود ان تمدح حالة نظافة.. وانظر اليها الان. فيها شجن فيها حزن وفيها حنين لذلك العقد من الجواهر الذي كاد ان يتمم السنة العاشرة في عمر عمان حين كانت بعهدة ذلك الذي حمل (نظافة القلب ونظافة اليد، وطهر المواطنة والوطنية لعمان من ريفها)
على حين دهشة.. غابت تدريبات كمال احمد للدبكة الشعبية، واختفت طلة احمد القوادري وحاتم السيد عن اشغال المسرح، ولم يعد احد موسيقي (الجاز الامريكي الاعمى الفذ، ري تشارلز) يعرف على مدرج سمير الرفاعي…
انقلبت الدنيا رأسا على عقب، واضحت الجامعة مشروع دعوة دينية تشم رائحة التعبد والتهجد في كل مكان… وحتى لا يأول حديثي من اي صاحب رأي او ناقد متذمر أقول انني لم اكن ابدا من المعجبين ببرنامج الحركة الاسلامية في طول الوطن العربي وعلى امتداد ادائها بمعنى تسلمها للحكم لكني ابدا لم اقف في صفوف من تآمر او من كتب ضدها بوحي من خارج قناعتي الوطنية وضرورة ان تكون واحدة من عناصر الاستتباب في هذا الوطن الجميل
اقول ذلك.. كرأي في الحركة الاسلامية لما قبل (الربيع العربي) لكن بعد الربيع نحتاج إلى كثير من المراجعة من على الشاطئين (شاطئ الدولة، وشاطئ الحركة) عن دور الحركة وكيفية التعاطي معها…
كان التسرع بتسليم الحركة الاسلامية لمقدرات الجامعة الاولى، قرارا خاطئا من وجهة نظري وادى فيما اداه الى تراجع دور الجامعة ولم تتمكن من استرداد ذلك الالق…
لا يجوز ان يفهم ان الحركة لم تكن موجودة في عهد الدكتور الباعث لروح الجامعة عبد السلام المجالي.. كان ابراهيم زيد الكيلاني موجودا وبضراوة والدكتور عبدالله عزام متوفر بحدة وكذلك رموز طلابية عبرت عن احزاب محظورة مثل نادر اسعد بيوض التميمي، ولكن الدكتور عبد السلام كان على قدرة لا تتكرر في الموازنة بين دور الحركة، ودور الجامعة… كانت الجامعة هي الاصل وليست (الدعوة) هي الهدف…
إن (الخضة الدرامية) التي أدت إلى تحول الجامعة من حالة تستقبل نزار قباني ويجادله الطلبة بقسوة ونقد جارف، الى حالة تحتفل احتفالا مجيدا بالدكتور الداعية يوسف القرضاوي، والداعية الاشهر محمد متولي الشعراوي…
لم يكن الخطأ في الحركة الاسلامية لكن الخطأ كان حين فقدت الجامعة هويتها ولا اقول فقدت روحها،
إن الانتقال من نظام الساعات المعتمدة الذي كان فتحا مبينا في حياة الاكاديميا في الشرق الاوسط، إلى حالة من التدبر والسكينة وتقليب الافكار بهدوء المؤمنين!!
كانت هذه الخضة قد الحقت اذى بينا في الجامعة الاولى، ورغم ان عددا من العلماء قد تبواؤا رئاسة الجامعة بعد الدكتور الفرحان وحاولوا جاهزين بحسن نية اعادة التوازن في بنية الجامعة وتوجهاتها، إلا ان العبء والتركة كانت فوق طاقتهم واخص على نحو محدد تجربة الدكتور فوزي غرايبة التي كانت اخر محاولة لعمل شيء يعيد الاشياء الى حقيقتها..!!
لم تتدين الجامعة الاولى ولم تسترد علمانيتها وظهرت عدة محاولات وابتكارات لادارة ازماتها المتلاحقة، عشائرية مرة، ومناطقية جهوية مرة، ولا اية سياسة او توجه مرة…
ربما ادعي ان تجربة الدكتور خالد الكركي في رئاسة الجامعة، قد وهبت للجامعة فرصة استرداد بعض نفسها اذ ان هذا الاديب الملفت للنظر في حماسه لما يتلوه على انه اليقين وامتلاكه لخطاب مدجج باللغة، قد اعطى الجامعة محاولة جادة في منحها هوية وربما ان الجامعة في عهده اضحت متجهة بتصميم من رئيسها الاديب الى الادب والثقافة اي صار لديها رغبة في احداث رسالة لذاتها..
ولما آلت مفاتيح كتبها ومختبراتها إلى ايدي العالم الوطني المحترم نذير عبيدات، ووجود نائب رئيس بجواره جمع العلم للصحافة للتاريخ للمرونة في الفهم اعني مهند مبيضين، واخرين علماء عدم ذكري لهم لا ينتقص من مكانتهم.. قد فتح باب الامل في ان تكون الجامعة الاولى هي الاولى في الدور فقد حققت انجازات تاريخية غير مسبوقة في الاونة الاخيرة…
نذير عبيدات ليس غريبا عن مروج الجامعة واوراق ابحاثها، والسهر الليلي على مرضاها في (ليالي العناية المركزة) وهو محب لها واحد عشاقها للجامعة ولقد عاد اليها بعد موقف لا يسجله الا الفرسان والكبار في حادثة مستشفى السلط..
ولقد كان مفتاح شخصيته قد حددته مواقفه قبل تبوائه منصب الرئيس…
لقد اضحت الجامعة الاولى صورة من صور القلاع القديمة التي على نحو مفاجئ نظفت حديقتها الباهية، وبدلت شراشف غرف نومها، وعزفت موسيقى على مدخلها ايذانا بان (حي على النهضة)… احس بقلبي بكثير من المباهاة، وكأنني ارى الجامعة على طريق الاسترداد لدورها..
إن كل حروب الاسترداد كلفتها عالية، لكن (الاسترداد واجب مقدس، وواجب وطني، ومسؤولية الافذاذ الذين لا يخذلون وطنهم…
من دون اي شيء يشوب شهادتي البريئة والمحايدة ادلي بها وانا انتهي من هذه الزيارة التاريخية الاستذكارية. فاني اؤذن بالاردنيين بكل امل ولا اخفي انحيازي للجامعة الاولى بكل عجرها وبجرها فهي التي صنعت منا بشرا
نشبهها ، وهي التي حين اسمع لاذاعتها من وقت لاخر اقول يا لخير الحياة حين تنشئ نشمية اردنية مثل (لبنى العلاوين) صوتا للجامعة
طيبا، ودافئا، وهادفا …
الجامعة تحتاج الى دعم منا جميعا وخير ما عمله رئيس الوزراء على كثرة ما عمله من حب لوطنه ولمليكه، اصطفائه لـ نذير عبيدات رئيسا للجامعة..
والاصل ان يمضي بالجامعة الاولى قدما الى الاعالي.. لقد بدأ المشوار وحين يدخل نذير عبيدات الجامعة ضمن اول ٥٠٠ جامعة عالمية فتلك فضيلة لا بد من متابعة هذا الفوز
اشياء كثيرة تحتاج الى همة الرئيس داخل كوريدورات الجامعة… لا يصح ان تظل الجامعة قابلة بدور مركز الدراسات الاستراتيجية الذي رسم في ليل باصدار استطلاعات همها ودورها الشغب على رئيس الحكومة مثلا…
يحتاج المركز الى نفضة حقيقية في رجاله ودوره وفلسفته
ولا يجوز ان انهي قبل مناشدة الذين لهم ادوارهم في الجامعة من مختلف الالوان والاتجاهات والقوى الى ضرورة ان تكون الابحاث الاكاديمية وطنية وفي خدمة الامة الاردنية…
الجامعة في علاقتها بالمجتمع تختاج الى فلسفة متكاملة بنائة متفاعلة
الجامعة تحتاج الى الاستعانة بكل خبرة معرفية تفيد الجامعة بمعزل عن الشهادات.. خبرات المجتمع بحاجة ان تكون الجامعة قادرة وقابلة للتنفع من خبراتها.. وان لم ينجز هذا في عهد (نذير) فربما ان تكون العوائق في التحقيق كبيرة
حمى الله الجامعة الاولى ورحم الله عبدالسلام المجالي وكل من قضى نحبه من اساتذتنا الافاضل وامد الله بعمر فوزي الغرايبة واخذ بيد نذير عبيدات لما فيه صالح الجامعة ومصلحتها