عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Oct-2019

الديمقراطية الخضراء - كمال زكارنة

 

الدستور - تونس التي أبهرت العالم العربي والغربي بديمقراطيتها ونزاهة انتخاباتها التشريعية والرئاسية ،وطريقة تعاملها مع الاحداث الداخلية والانتقال الى الحياة الديمقراطية بسلاسة وانسيابية راقية جدا وطريقة حضارية هادئة ،حافظت خلالها على الامن والسلم الاهليين ،وحمت البلاد والشعب والثروات والمصالح الوطنية من اي اذى وابتعدت كثيرا عن الفوضى ،ولم تغرق في اتون الصراعات والتناحرات الداخلية ،وتوجت تجربتها الديمقراطية بانتخاب الرئيس التونسي الجديد بالاقتراع الحر والنزيه والمباشر في الداخل والخارج،دون حدوث اي قلاقل او مشاكل بين فئات الشعب التونسي الحزبية والتيارات السياسية ومكونات الشعب كافة ،بل كانت الانتخابات عبارة عن عرس ديمقراطي مارس فيه الجميع حقهم الانتخابي بكل اريحية وهدو ونظام وحرية مطلقة ،هي نفسها تونس التي فتحت ابواب الربيع العربي نوكانت الدولة الاولى التي اعلنت التمرد على الواقع المر الذي يعيشه الشعب ،واستطاعت الانتقال من واقع الى آخر بسلام من غير اراقة دماء او فوضى ولم تسمح بالتدخل الخارجي والاجنبي ،وحافظ الشعب التونس على وحدته وتماسكه ونسيجه الاجتماعي ،وعلى وحدة اراضيه وسيادة دولته ،وكان العقل والمنطق ومصلحة الوطن نقاط الالتقاء لجميع ابناء تونس ،لكن دول اربيع الاخرى التي لحقت بتونس ،لم تحذو حذوها ولم تستفد من تجربتها ،ولم تطبق طريقتها في الانتقال الى الديمقراطية ،بل غرقت في الفوضى وهامت على وجوهها وما تزال تتقلب في وحال الموت والدم ،ولم تنتج حتى الان غير الدمار والخراب والتراجع قرونا الى الوراء وحولت الربيع الى حريق السنة لهيبه تمتد وتتسع يوما بعد يوم.
واذا كانت بعض الدول والشعوب العربية فشلت في تقليد الربيع التونسي ،فان الفرصة امامها للنجاح في الاستفادة من الديمقراطية التونسية التي اثبتت نجاحها وجدارتها في الوصول الى ماهي عليه الان، وقد بدا ذلك جليا وواضحا في الانتخابات التشريعية والرئاسية الاخيرة.
تشبه الديمقراطية الموسيقى الى حد بعيد ،فكلاهما لغة عالمية مشتركة ،والديمقراطية نشيد الموسيقى المحبوب ،التي يتغنى بها كل انظمة الحكم في العالم ،الديمقراطي والدكتاتوري والبوليسي والفردي والحزبي والتشاركي، وغيرها من اشكال وانواع الحكم القائم في دول العالم الصغيرة والكبيرة الغنية والفقيرة ،وتعرّف الديمقراطية بانها حكم الشعب ،اي ايصال من يختاره ويجمع عليه الشعب للحكم وادارة البلاد،لكن الاهم من اسقاط الديمقراطية على شعب معين، كونها مطلبا شعبيا عاما لجميع شعوب الارض،كيفية استخدامها والتعامل معها ،كنظام حياة وسلوك عام في جميع مناحي الحياة وليس السياسية فقط ، ومن اهم العناصر الاساسية التي يجب توافرها لاتقان التعامل مع الديمقراطية ونجاحها وضمان عدم الانزلاق او الانحراف نحو الفوضى السياسية والاجتماعية،النضوج الفكري والوعي العام والفهم الشامل لمفاصل وتفاصيل ومحطات الحياة المختلفة في مجالاتها المتعددة ،لان عدم القدرة على اتقان استخدام الديمقراطية يعني الغرق في الفوضى العارمة ،والشعب التونسي وقياداته الحزبية والشعبية ،سطّروا اجمل صور الديمقراطية الحديثة خلال فترة انتقالية ،تعتبر هي الاخطر في حياة الشعوب والدول ،ونجحوا في تجسيد حالة رائعة من الاجماع الوطني والالتفاف الشعبي على مصلحة البلد والنهوض بتونس ،هنيئا لهم بنجاحهم الباهر في الامتحان الصعب ،ومبروك انتهاء المخاض بأجمل مولود في المنطقة.