عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    31-Oct-2024

يبكون على الأمس ويرفضون العودة إليه*حسني عايش

 الغد

يعتقد الذين يبكون على الأمس، أو على الماضي، أن الأمس أفضل من الحاضر، وأكثر أمناً من المستقبل اللايقيني القادم، وأن استرجاع الأمس «الجميل» كفيل بحل جميع المشكلات التي يعاني الناس منها اليوم، ولكنهم لا يعملون لاسترجاعه مع أن بإمكانهم ذلك لو حاولوا. ما عليهم سوى هجر جميع وسائل العيش الحاضرة، أو التقنيات التي تعج بها بيوتهم ومدنهم وقراهم، بدءاً من وقف الماء الواصل إليها بالأنابيب، والكهرباء المضيئة لها باللمس، الاستغناء عن الثلاجة، والغسالة، والراديو، والتلفزيون... والهاتف... والسيارة، والعيش في غرفة طينية واحدة والشرب من ماء المطر في البئر، واستئناف العمل في الفلاحة بالفأس والطورية، والحراثة بالخيل أو بالبقر، والحصاد بالمنجل، والدرس على البيدر بالبقرة أو الحصان، وجمع ثمر الزيتون بالعصا وعصره بالحجر، وتربية الماشية أغناماً وماعزاً وبقراً... والعيش معها في الدار، أي العودة إلى الامس القريب. لا أحد يمنع أحداً من هذه العودة، وقد يكون فيها بعض الفوائد من الاعتماد على التكنولوجيا، إلى الاعتماد على البيولوجيا. الأمس لم يكن جميلاً كما يعتقدون. كانت الحياة فيه صعبة بل شاقة، والتغني به حيلة نفسية للهرب من مشكلات الحاضر.
 
 
لكن هل يرغب أو يريد أحد حقاً العودة إلى هذا الأمس أو إلى استرجاعه بالفعل؟ لقد حاول بعض الأفراد في الغرب ذلك وعادوا عنه. إن جملة الناس يحنون إليه، لاعتقادهم أنه أفضل من واقعهم مع أنه لم يكن كذلك. ولكنهم في الواقع، يرفضون العودة إليه، ما لم يجبروا (بكارثة) عليه. 
 
يقصد بعض الناس الذين يرغبون في استرجاع أيام أو حياة الزمن الماضي استرجاع سلطتهم وليس حياتهم اليومية. وعلامة ذلك تزييهم بزي يعتقدون أنه كان زيهم واعتقادهم ان ذلك يكفي، واحتفاظهم في الوقت نفسه بكل وسائل العصر، وتمتعهم بها.  وحتى الفئات الدينية التي مثلت مرحلة الهجرة أولاً تمهيداً لقيام الدولة الاسلامية، لم تستغن عن معظم معطيات العصر وأدوات الحاضر. 
يبكي المرء أو الجماعة على الأمس عندما يكونون مأزومين أو مهزومين أو لأن المستقبل غير يقيني، ولكنهم لا يقبلون في الواقع، التخلي عن نمط الحياة اليوم، مثلهم مثل السلف أنفسهم لو بعثوا في الحاضر. إنهم سيفرون منه فوراً عائدين إلى ما كانوا فيه.