عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Sep-2022

تعلق بمتابعة المؤثرين في وسائل التواصل* تهاني روحي

 الغد

أمام تزايد نفوذ المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، شاهدنا كيف استطاعوا قلب الطاولة على مفاهيم الإعلام التقليدي أمام سيل الرسائل الإعلامية التي يضخها صناع المحتوى مستقطبين الجمهور والمعلنين. مستمتعين بخاصيات عديدة وفرتها التكنولوجيا الرقمية الحديثة بإنشاء فيديوهات قصيرة عالية الجودة في الإخراج والتصوير والموسيقا والمونتاج، ليقوموا بسرعة هائلة بإنشاء حوارات جماعية تضم أعداداً كبيرةً، حيث اعطتهم تلك الوسائل القوة ليصبحوا وسائل إعلامية مستقلة في حدّ ذاتها وفرتها لهم تلك التكنولوجيا للقيام بالدور وبشكل كبير.
وشاهدنا منذ فترة، كيف قام بعض المهووسين بالشهرة والفنانين بتصوير أنفسهم فوق الأنقاض والرفات ووسط دماء ودموع ضحايا مرفأ بيروت. ويذهب بعضهم إلى تنظيم جلسات تصوير لأحداث وهمية ابتدعوها كالموت وحوادث السير والمرض، ولم يبالوا بموجات الغضب على مواقع التواصل والتي لا تلبث ان تمكث يوم او يومين ليكتشف الأمر ومن ثم تهدأ العاصفة الالكترونية. ونشاطهم وابداعاتهم الخلاقة تمتد لأكثر بكثير من هذا لحصد المزيد من الاعجابات مما خلق فوضى أخلاقية على حساب الظهور الاجتماعي والمنافسة في حصد المزيد من (اللايكات) والشعبية.
قد يكون الفراغ هو في طليعة الاسباب، حين ينحصر تواصل الناس مع جهاز ذكي، ومن خلال مشاهدة فيديوهات قصيرة ( الريل والتيك توك) لساعات طويلة، تقترح على المشاهدين اين يسافرون، وماذا يأكلون وأي المطاعم يذهبون وماذا يلبسون؟ وأصبح الاتصال مع العالم والمعلومات مشوها ومبتورا. وبات الكثير يتمنى أن يصبح مؤثرا ليحصل على شهرة وارباح ومزايا اخرى دون رسالة مهمة خلف ذلك. انها قصة الكثيرين ممن يتحسرون وهم يتابعون بإدمان وتعلق لحياة هؤلاء المشاهير.
وفي الواقع، لقد مُنح الجنس البشريّ اليوم الوسائل الكفيلة بتحقيق الأهداف التي تجمّعت نتيجة النُضج المستمر في الوعي والإدراك. ووسائل التواصل الاجتماعي ماضية في طريقها في إحداث تغييرات عميقة في العلاقات الإنسانيّة، علاقات طالت الأفراد والعائلات والمؤسّسات العامّة وحتى الشؤون الدولية. وهي ظاهرة توضح كيف أنّ الثّورات في التقنيّة لا تُغيّر الأداء فقط بل تغيّر مفهوم المجتمع الذي نعيشه.
ولا تمثل مواقع التواصل الاجتماعي العامل الأساس للتغيير في المجتمع، لكنها اصبحت عامل مهم في تهيئة متطلبات التغيير عن طريق تكوين الوعي، في نظرة الإنسان إلى مجتمعه والعالم. فالمضمون الذي نتوجه به، لا يؤدي بالضرورة إلى إدراك الحقيقة فقط، بل يسهم في تكوين الحقيقة، وحل اشكالياتها. ولكن لكي يحدث التغيير مجتمعاتنا، لا بد من أن يصاحبه تغيير في «الذهنيات والعقليات». واذا كنا مستاءين من محتويات بعض المؤثرين على وسائل التواصل، اذن، علينا نحن كمتلقين أن نتغير في الطريقة التي يتم فيها تنظيم امور مجتمعاتنا بالطريقة الايجابية وفي سلوكياتنا كأفراد ايضا. وعندما لا نعرف مصدر المعلومة، وبالعادة تكون المصادر غير معروفة، فنقوم نحن ايضا دون قصد بنقل الخبر لثقتنا في الشخص الذي نشر الخبر أو»البوست»؛ وتأخذ مصداقية عالية على غير الحقيقة.
ولأن الحل لا يكمن في فرض قيود تلو القيود على ما ينشر وهو برأيي دون جدوى، إلا أن المسؤولية باتت أكبر على المؤثرين والنشطاء على وسائل التواصل لأن يعوا حجم هذا التأثير على عاتقهم لشريحة كبيرة من الافراد وخاصة الشباب وعلى مساهمتهم أن تكون واعية.
وفي خضم سيل المعلومات الجارف الذي يطالعنا به المؤثرين، سواء كانت مضللة أم حقيقية، علينا أيضا كمتلقين أن نفهم محتوى ما يقدموه. فهذا الاستحواذ يدعونا ان نكون أكثر وعيا، ونرفض ونقاطع أي محتوى يستخدم أساليب الخداع والإغواء والتفاوض والتمويه الذي يمزج ببراعة احيانا بين ما هو عاطفي وإنساني أو اجتماعي أو ترويجي لتحقيق التأثير المطلوب على الجمهور.
فهذه المنصات جعلتنا نستكشف المفاهيم الأساسيّة والتّطلعات الشجاعة التي كانت غائبة إلى حد كبير عنا والتي تحمل في طيّاتها إمكانيةَ أن تُسفر عن لحظةٍ من وعي مجتمعي جماعي، وتجعلنا نتفكر في قرارة أنفسنا في امور أكثر عمقا.