عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Feb-2025

الشهداء والأسرى*احمد ذيبان

 الراي 

يتصدر الشهداء وعائلاتهم قائمة التضحيات، في سبيل الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعوب، التي تناضل وتسعى للتحرر من الاحتلال الأجنبي، وتشكل قضية الشعب الفلسطيني أكبر نموذج على ذلك في العصر الحديث، حيث تجاوز عدد الشهداء في الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، التي استمرت نحو 15 شهرا 61 ألف شهيد، ولا تزال احتمالات استمرار الحرب قائمة في ضوء اتفاق وقف اطلاق النار الهش، الذي يتضمن صفقة تبادل الأسرى بين اسرائيل والمقاومة الفلسطينية، بالاضافة الى بنود أخرى تتعلق بادخال المساعدات والسماح بمغادرة الجرحى من القطاع، الى دول أخر? لتلقي العلاج بعد أن دمرت اسرائيل، بشكل ممنهج ومتعمد غالبية المستشفيات والمرافق الصحية، ولم يعد بالامكان تلقي العلاج داخل القطاع حتى بالحدود الدنيا.
 
ويحتل المرتبة الثانية في قائمة تضحيات الشعب الفلسطيني بعد الشهداء وعائلاتهم، الأسرى وعائلاتهم التي صبرت على فراقهم، وبعضهم لفترة عشرات السنين وسط ظروف قاسية، هؤلاء الأسرى الذين تعتقلهم سلطات الاحتلال غالبا بشكل عشوائي، تحت ذرائع متعددة أهمها مقاومة الاحتلال، والمفارقة العجيبة أن عمليات الاعتقال تطال بعض الأطفال فضلا عن النساء.
 
وفي صدد صفقة تبادل الأسرى التي تصمنها اتفاق وقف اطلاق النار، بين دولة الاحتلال وحركة حماس، يصعب المقارنة بين الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وبين الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، الذين أمضوا فترة الأسر في أنفاق قطاع غزة.
 
وكان مشهد اطلاق سراح الأسرى من الجانبين أكبر دليل على ذلك، فقد ظهرت الدفعات الأربع الأولى من الأسيرات والأسرى الاسرائيليين بصحة جيدة، وبزي نظيف وكأنهم عائدين من رحلة سياحية، ويتم تسليمهم في احتفالية بعكس الاسرى الفلسطينيين، وهذا يعكس الأخلاق العربية الموروثة في معاملة أسرى الحروب، بالمقابل كان مشهد الأسرى الفلسطينيين المحررين، ضمن اتفاق وقف اطلاق النار وصفقة التبادل، بائسا جراء عمليات التعذيب الجسدي والنفسي في سجون الاحتلال، وغياب الرعاية الصحية ونقص الطعام، وأكثر من ذلك اشترطت سلطات الاحتلال على أهالي الأ?رى المحررين، عدم إقامة الاحتفالات والأفراح بخروج أبنائهم من سجون الاحتلال، وكأن دولة الاحتلال تريد مصادرة حرية الأسرى المحررين حتى وهم في منازل ذويهم، بل أن معاودة اعتقالهم وأسرهم مرة جديدة، تبقى قائمة من قبل قوات الاحتلال في أي لحظة، ولذلك يلاحظ أن عملية التبادل تتضمن بضعة أسرى اسرائيليين مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين! ويمكن اضافة فئة ثالثة بعد الشهداء والأسرى في قائمة تقديم التضحيات، وهذه الفئة يمكن وصفها بـ"المعذبين" في الأرض، التي تفوق في معاناتها أي مادة تراجيدية تتضمنها أي أفلام أو أعمال درامية ومسرحية فازت بجوائز عالمية، هؤلاء هم النازحون الذين تقطعت بهم السبل، وهم يتنقلون من مكان الى آخر داخل قطاع غزة، حيث كانت قوات الاحتلال تطلب منهم مغادرة أماكن سكنهم في شمال القطاع، والانتقال الى أماكن أخرى في الوسط والجنوب، ثم تطلب منهم مرة أخرى الرحيل الى أماكن أخرى، وهكذا بشكل متواصل حتى تم توقيع اتفاق وقف اطلاق النار في الد?حة، بتاريخ 16 كانون الثاني 2025 وبدأ تنفيذه يوم الأحد 19 كانون الثاني. وبدأ تنفيذه عبر ثلاث مراحل دون وجود ضمانات تردع قوات الاحتلال، بعدم خرق الاتفاق ومواصلة الحرب الوحشية على السكان المدنيين.
 
لقد عانى هؤلاء النازحون عذابا يصعب تخيله، حتى في الروايات والأعمال الأدبية وأكثر السيناريوهات بؤسا، وخاصة في فصل الشتاء وسط العواصف والبرد القارس وتحت الأمطار وفي العراء، حيث تتطاير الخيام وتتمزق نتيجة الرياح الشديدة، ولا تجد النساء والأطفال حتى أبسط مستلزمات الحياة، وبضمنها الملابس التي تقيمهم برودة الطقس.
 
ولو كانت جوائز نوبل تتضمن فئة لأكثر الشعوب صبرا ومواجهة العذاب، لكانت من نصيب سكان قطاع غزة بلا منازع.