عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Dec-2024

حين تصفق لهؤلاء*رمزي الغزوي

 الدستور

عليكَ ألا تستهجنَ في أزمنة الرداءة تسيّد التافهين وركوبهم سنام المشهد. وعليك ألا تستكثر عدد المصفقين لهم، وحشود المسبحين بسطوتهم، وزرافات الماشين في مساربهم. عليك ألا تسأل عمن وضعهم في مكانتهم هذه. فهي ليست لهم. ثم وهذا المهم، عليك ألا تتفاجأ بأنهم فارغون سطحيون، لا ثقافة ولا جوهر لديهم أو فيهم. اغسل يديك من هذا وأرح روحك، فنحن نرزح في زمن يطمس الذهب، ويعلي من شأن الرغام والخشب. 
 
ثم عليك ألا تتوقع منهم إلا الغرور المتفاقم. عليك ألا تتوقع أن يقصوك ويبعدوك عن مكانتك. فقد قالها منذ قرون بعيدة الأمام علي كرم الله وجهه: ‏»إذا وضعت أحداً فوق قدره؛ فتوقع منه أن يضعك دون قدرك». 
 
لن نخوض في السبل التي وصل فيها هؤلاء إلى ما وصلوا إليه من مكانة وتمكن. ولا أريد أن ألوم عموم الناس الذين صنعوهم وطبطبوا على ظهورهم. ولكني سأسال: هل هم حقا مؤثرون؟ وهل هذا الأثر يدوم طويلا؟ أم أنه مرور عابر؟. هل حقا يتركون أثراً في المجتمع؟ أم أنهم فقاعات يملؤها الخواء؟. 
 
ذات قهر نشر مفكر معروف مقالة مهمة له على صفحته في «فيسبوك» فلم تحصد إلا 6 «لايكات» فأخذه الهم وتفاقم في نفسه الغم حين لمح أن صبية ساذجة نشرت نكتة تافهة حصدت عليها آلاف من الإعجابات والمشاركات.
 
منذ زمن بعيد أرحت نفسي من أخذ عدد اللايكات على محمل الجد. أنا لا أراها ميزانا أو مؤشرا حقيقيا لجودة المنشور أو حصافته أو ريادته. وأنصح بهذا المسلك كل من ما زال يعلي من شأن عددها ألا يأخذها بعين الجدية، كي يقطع الطريق على كل احباط قد يتسلل إلى نفسه. 
 
حين تصفق لمثل هؤلاء؛ فتوقع منهم أن يصفعوك بقمامتهم. فالجزار الذي يغدو ممهوراً بالشهرة يمكنه أن يبيع الناس أي نوع من اللحم، حتى ولو كان لحم كلاب أو قطط، دون أن تتأثر سمعته الشاهقة أو يرف له جفن ندم. فالناس تبهرها «اللايكات» الكثيرة.
 
للأسف هذه حالنا مع بعض فقاعات (كي لا أقول نجوم) السوشال ميديا. ففرق كبير بين الشهرة الزائفة والجودة، وبين الفقاعية والنجومية. الفقاعة لربما تبهرك لحظة؛ لكنها تنفجر مسفرة عن خواء خاوٍ. وفرق أكبر بين القدرات الحقيقية، والتورم المزعوم على مواقع التواصل. 
 
اليوم نحن نحيا زمن شهوة الاستعراض وعرض العضلات الهوائية. حتى باتت هذه الشهوة تفوق وتقمع وتقصي كل الجواهر الحقيقية في المجتمع وتغطي عليها، والذي دعم هذا التوجه ومكنه هو من بات لا يلتفت إلى إليهم، دون تكلف عناء البحث عن الأصوات الحقيقية الصادقة، كما أن المجتمعات تأبى في أكثر الحالات إلا أن تتصرف قطيعياً وتسير في ركب الهوبرة والشوشرة، وعدم تحري الحق والخير والجمال.