عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Nov-2025

عذرا ترامب.. شي جينبينغ هو الذي يمسك بزمام العالم اليوم

 الغد

ماري ديجيفسكي* - (الإندبندنت) 2/11/2025
 
توصل الرئيسان دونالد ترامب وشي جينبينغ إلى هدنة اقتصادية مؤقتة جنبت العالم تصعيداً بين واشنطن وبكين، مع اتفاق على تأجيل الرسوم وتوسيع الواردات الزراعية. ومع أن اللقاء لم يحسم الخلافات الكبرى، فإنه أعاد فتح قنوات الحوار ورسّخ قدراً من الاستقرار في العلاقات بين القوتين.
 
 
بات في إمكان العالم أن يتنفس الصعداء قليلاً، حيث يبدو أنها لن تكون هناك حرب -على الأقل في الوقت الراهن- بين أكبر اقتصادين في العالم. وبدا الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جينبينغ راضيين وهما يتبادلان مصافحة مطولة أمام عدسات الكاميرات، قبيل اجتماعهما داخل مدينة بوسان الساحلية في كوريا الجنوبية. وكعادته في المبالغة، وصف ترامب اللقاء بأنه "نجاح باهر" ومنحه تقييماً "12 من 10"، بينما كان شي أكثر تحفظاً، متحدثاً عن "توافق في الآراء" بين الجانبين، ومعرباً عن أمله في بناء شراكة مستقبلية، مع إقراره في الوقت ذاته بأن الخلافات ما تزال قائمة.
تشير التفاصيل إلى أن الصين قررت إرجاء تطبيق القيود التي أعلنتها على تصدير المعادن النادرة، في حين وافق ترامب على تأجيل فرض الرسوم العقابية بنسبة 100 في المائة، وتخفيف الرسوم الجمركية على بعض السلع التي ترى واشنطن أنها تدخل ضمن سلسلة توريد مادة الفنتانيل (تستخدم لعلاج الآلام الشديدة، وهي أقوى من المورفين بـ50 إلى 100 مرة). وتعهدت بكين بزيادة وارداتها من المنتجات الزراعية الأميركية.
ركزت المحادثات كما يبدو على القضايا الاقتصادية الثنائية الأكثر إلحاحاً، فيما تم تجنب التطرق إلى موقف الصين من روسيا والحرب في أوكرانيا، أو نواياها تجاه تايوان -وهي القضية الأمنية الأشد حساسية في العلاقات بين البلدين- باعتبارها ملفات معقدة للغاية يصعب تناولها في هذا اللقاء.
ولكن، حتى هذا القدر المحدود من التقدم ليس بالأمر الهين. لم يكن انعقاد الاجتماع مضموناً في المقام الأول. وعلى الرغم من أن نتائجه أقرب إلى هدنة مؤقتة منها إلى اختراق حقيقي، فإن الاتفاق على مواصلة الحوار يعد تطوراً إيجابياً بحد ذاته.
قد تعكس بعض الانتقادات، ليس المبالغة في التوقعات فقط، بل أيضاً عجز الدبلوماسيين والسياسيين -وحتى وسائل الإعلام- عن التكيف مع الطريقة التي يتعامل بها ترامب مع "العالم الخارجي". وربما آن الأوان للاعتياد على عالم يلتقي فيه القادة الأقوياء ويتبادلون الحديث مباشرة، من دون كل تلك النقاط والفواصل التي تملأ بها البيانات المشتركة، أو الجداول الدقيقة التي تعد مسبقاً في اجتماعات تمهيدية مطولة.
لا شك أن في هذا الأسلوب أخطاراً حقيقية. وقد اتضح ذلك جلياً في المشهد الكارثي الذي تحول إلى فخ سياسي للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أثناء لقائه ترامب ونائبه جي دي فانس خلال شباط (فبراير) الماضي. ومع ذلك، كان هذا أول لقاء بين ترامب وشي منذ العام 2019، وهي فترة شهدت تغيرات كبرى تجعل من المنطقي وصف الاجتماع بأنه تمهيدي أكثر منه قمة حاسمة. وبذلك، أسهم اللقاء في إضفاء قدر من الاستقرار على مسار العلاقات الأميركية - الصينية، وعلى النظام التجاري الدولي، بقدر ما تسمح به نزعة ترامب الحمائية ومعاركه القضائية المتواصلة في الداخل الأميركي.
على أي حال، لا يقل السياق الإقليمي أهمية عن النتائج نفسها. عندما حط ترامب رحاله في كوريا الجنوبية، كان ذلك في ختام جولة ربما كانت الأكثر كثافة وتنوعاً في وجهاتها بين جميع الرحلات التي قام بها أي رئيس أميركي خلال الأعوام الأخيرة.
تضمنت جولته توقفاً في قطر لتقييم التقدم الذي أُحرز بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؛ ومحطة لمدة يوم في ماليزيا شهدت توقيع اتفاقات تجارية مع دول منها فيتنام، والإعلان (مع رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم) عما وُصف بأنه اتفاق سلام لإنهاء الأعمال العدائية بين كمبوديا وتايلاند، بالإضافة إلى مشاركته في القمة السنوية لـ"رابطة دول جنوب شرقي آسيا" (ASEAN)، التي استضافتها ماليزيا للمرة الأولى منذ نحو عقدين. ثم توجه إلى اليابان حيث التقى رئيسة الوزراء الجديدة ساناي تاكايتشي، وناقش -كما كان الحال في سائر المحطات- قضيتي الرسوم الجمركية والتجارة، مع التطرق إلى ملف أمن المحيط الهادئ.
لكن المحطة الأخيرة من رحلة الرئيس الأميركي -المتمثلة في اللقاء مع الرئيس الصيني قبيل انعقاد قمة دول "التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ" (APEC)- كانت الأكثر ترقباً على الإطلاق. فقد ساد شعور واسع بأن مصير النظام التجاري العالمي، إن لم يكن السلام العالمي نفسه، قد يكون على المحك، وسط مخاوف من أن يؤدي الطابع المتقلب لترامب، إلى جانب احتمال تصلب موقف شي جينبينغ، إلى مزيد من التدهور في العلاقات الثنائية. ولحسن الحظ، لم يحدث ذلك.
غير أن هذا لا يعني أن العلاقات الأميركية - الصينية تسير اليوم بشكل سلس أو خال من التحديات، حتى في الجوانب الاقتصادية والتجارية. وصادف أنني كنت في العاصمة الماليزية، كوالالمبور، أثناء مشاركة ترامب في قمة "رابطة دول جنوب شرقي آسيا" (آسيان)، وهناك لفت انتباهي أمران يقدمان مؤشراً واضحاً -إن لم يكن على ما قد يحدث قريباً، فعلى الاتجاهات الأبعد مدى في توازنات المنطقة.
منذ بداية ولايته الثانية، فرض ترامب حضوره على المسرح الدولي على نحو لم يسبقه إليه سوى قلة من القادة. ومع ذلك، لم تكن زيارته حدثاً طاغياً أو محوراً للضجيج الإعلامي كما يحدث في الغرب. والأمر نفسه ينطبق على التوقعات التي أحاطت بلقاء ترامب مع شي جينبينغ.
من زاوية النظر الآسيوية، يبدو ترامب أقل حجماً وأضعف تأثيراً مما يبدو عليه داخل الولايات المتحدة. فهذه المنطقة من العالم تزخر بالحيوية والنشاط وتدار وفق قيم غير غربية -بل يمكن القول إنها "ترامبية" الطابع في نزعتها التجارية والتبادلية- وسط شعور متنام بأنها تتجه تدريجياً نحو الصين باعتبارها القوة المهيمنة الجديدة -أو بالأحرى القديمة التي استعادت مكانتها. وهنا، لا تمنح الأولوية للانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك، بل لتجنب الصدام وحماية الاستقرار.
في المقابل، تسود في المنطقة مخاوف من أن سلسلة الاتفاقات التجارية التي أبرمها ترامب مع فيتنام وكمبوديا وماليزيا وتايلاند ليست سوى محاولة لفرملة النفوذ الاقتصادي الصيني المتسارع. وينظر إلى زيارتيه لكل من اليابان وكوريا الجنوبية -وهما من أقدم حلفاء واشنطن- من زاوية أمنية أكثر منها تجارية. وفي المقابل، رأى آخرون في حضوره العابر خلال قمة (آسيان) مؤشراً على رغبة أميركية في استمالة المنظمة نحو فلك الولايات المتحدة والغرب، وإبعادها عن سياستها التقليدية القائمة على الموازنة الدقيقة بين القوى الكبرى.
في تقديري، تتمحور أولويات ترامب حول التجارة، لا بوصفها هدفاً اقتصادياً فحسب، بل باعتبارها أيضاً وسيلة لتجنب النزاعات. فهو يدرك أن دول جنوب شرق آسيا تملك إمكانيات كبيرة تخدم هذين الهدفين معاً. وهو يرى أن أفضل سبيل لذلك هو إبرام صفقات مع الصين تضمن منافسة سلمية في منطقة المحيط الهادئ، ولكن وفق الشروط التي تمليها الولايات المتحدة. وهنا تكمن المعضلة التي سيظهر مدى تعقيدها عندما تبدأ المفاوضات التجارية المنتظرة بين الجانبين في التقدم فعلياً.
 
*ماري ديجيفسكي: كاتبة في "الإندبندنت" متخصصة في الشؤون الخارجية. عملت مراسلة في موسكو وباريس وواشنطن، وكتبت عن انهيار الشيوعية والاتحاد السوفياتي السابق من داخل موسكو، كما غطت حرب العراق. وهي مهتمة بالعلاقات الدبلوماسية بين الكرملين والغرب.