أسماء القرى.. بوابة تطل على جذور المكان وقصصه التراثية
الغد-تغريد السعايدة
يزخر الوطن بأسماء لافتة وأخرى غريبة، وأحياناً ذات طابع تراثي، للقرى والمناطق المنتشرة في جميع محافظات المملكة. ولكل منها بالطبع قصة وراء تسميتها، وقد تتعدد الروايات حولها. لكن يبقى اسم القرية راسخا في الأذهان، بل وينتشر في بقاع العالم عند الحديث عن الجذور والأصول.
تعد أسماء قرانا الأردنية موسوعة كبيرة قد يصعب حصرها، لكن يجد الشخص نفسه أحيانا اً أمام تساؤل: "ما أصل تسمية هذه القرية أو المنطقة؟". من هنا يبدأ الكثيرون بسرد الروايات التي توضح طبيعة تلك الأسماء، ومعانيها، ومن أطلقها، وما تحمله من دلالات خاصة.
تُظهر إحصائيات مختلفة عدد القرى في الأردن، الموزعة على مساحات واسعة، حيث تتنوع من حيث المساحة بين كبيرة وصغيرة، وعدد السكان بين مكتظة وأخرى ذات كثافة محدودة. بعضها قريب من مراكز المدن، وأخرى مترامية الأطراف في المحافظات البعيدة، لكنها جميعا تحمل أسماء ذات دلالات ومعان خاصة. وغالباً ما يروى سبب تسميتها عبر قصص يحفظها الأجداد، لتتناقلها الأجيال بعد ذلك.
تعتبر محافظة إربد من أكثر المحافظات الأردنية التي تضم مجموعة متنوعة من القرى، حيث يصل عددها إلى حوالي 500 قرية. كما تتوزع العديد من القرى على مناطق مختلفة في الأردن، ويجد البعض أن بعض الأسماء غريبة وتحتاج إلى طريقة معينة في اللفظ لتسهيل التعريف بها. فاللهجات تختلف من منطقة لأخرى، مما يؤدي إلى تنوع واختلاف في نطق اسم القرية.
مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الماضية وسهولة التواصل والتعارف بين الناس، أصبح الكثيرون يعرفون أنفسهم من خلال مكان سكنهم وقريتهم. ومن هنا، نجد احيانا استغرابا لبعض الأسماء، حيث يمكن أن تكون الإجابة حول سبب تسميتها عند كبار السن أو من خلال الرجوع إلى المراجع التاريخية. ومع ذلك، تبقى نسبة كبيرة من هذه الأسماء لا يعرف حكايتها، بسبب كثرة الروايات وعدم وضوح مصادر بعضها.
"مرحبا"؛ اسم قرية موجودة في إربد، وغالبا ما يتم التندر عند ذكر اسمها، وكأنها ترحيب بضيوفها، كما يصفها البعض. لذلك، كتب بشار، من إربد، مجموعة من أسماء القرى الموجودة في المحافظة، ومنها: "كتم، قم، قميم، كفر كيفيا، كفر رحتا، دوقرة، ججين، جمحة، أسعره، حور، فوعرا، يبلا، برشتا، جحفية، تبنة، بيت إيدس، صمان، ناطفة، حوفا، بيت راس، إيدون، قريقعة، ومريكيب".
مالك، كتب في تعليق على منشور حول أسماء القرى في الأردن، أنه من منطقة "خشافية الدبايبة"، التي تسكنها عشيرة الدبوبي. وذكر أن سبب تسمية القرية بهذا الاسم مشتق من كلمة "خشف الغزلان"، التي تعني صغير الغزال، حيث كانت الغزلان تنتشر في هذا المكان سابقاً، فأطلق السكان والمارة على المنطقة هذا الاسم.
بينما ذكر يحيى، من الكرك، مجموعة من أسماء القرى في المحافظة، ومنها: "سمرا، سكا، موميا، حمرش، حجفا، الرسيس، الزغرية، أم حماط، الغوير، المرج الثنية، عي، كثربا، جوزا، الشهابية، كمنا، العبدلية، فج عسيكر، السماكية، صرفا، فقوع، أمرع، والياروت"، وهي مجرد جزء بسيط من عدد القرى المنتشرة في المحافظة. ولا يستطيع يحيى تحديد أسباب تسمية هذه القرى بسبب عدم وجود معلومات توضح ذلك.
وتحدث معن من الطفيلة، عن مجموعة من أسماء القرى فيها، مثل: "قرقور الجنين، العبر، الخور، الشريعة، الكولا، القعير، ضانا، أم سراب، الرشادية، الضحل، الظهور، الربص، الحمرا، الميدان، ريعا، المخزق، غرندل، وبصيرا". بينما ذكر مازن مجموعة أسماء لقرى في وادي موسى، وهي: "زريزيره، كراع شمّة، الزرابة، بيضا، عين أمون، جلواخ، مثلث القرعة، تل أبرعه، شعبة الضبع، الوعيرة، شكارت مسيعد، شماسة، مخيمر، الهجيم، الصدر، الحكر، بير العرايس، ريدان، عين موسى، ودحاحة". ويلاحظ المعلقون في المنشور أن بعض هذه الأسماء غريبة وتحتاج إلى تكرار اللفظ حتى يسهل حفظها أو فهمها.
يتحدث المختص في البحث والتدوين للتراث الأردني، نايف النوايسة، "للغد" عن أسماء القرى والأماكن وعلاقتها بالطابع الاجتماعي والتراثي لدى المجتمع الأردني. ويقول أن الموضوع يتعلق بطبيعة الفلسفة وراء التسمية، سواء كانت للأشخاص أو للأماكن، موضحا أن القرى والأماكن في الأردن تحمل أسماء تستدعي البحث والتمحيص.
ويستعرض النوايسة بعض القرى أو الأماكن الموجودة في العاصمة عمان. فعلى سبيل المثال، شارع الفقير في منطقة النزهة، الذي يُنسب إلى شخصية لها علاقة بالدين والورع، حيث تم تسميته بذلك نسبةً للمغارة التي دفنت فيها شخصية متدينة من نفس المنطقة.
يبين النوايسة أن العديد من الأماكن تم تسميتها نسبة للعائلات التي تسكنها، حيث تقتصر تلك المناطق على عائلة معينة أو تكون الغالبية العظمى من سكانها من ذات العائلة، مما يؤدي إلى نسب المنطقة أو القرية لهم. بالإضافة إلى ذلك، هناك أسماء مرتبطة بالأحداث والمناسبات التي حدثت في المكان، أو بالأفعال التي كان يقوم بها الناس في حياتهم اليومية.
كما يشير النوايسة إلى أن الناس قد يطلقون أسماء على المناطق بناءً على التضاريس التي تتميز بها، سواء كانت جبلية، صحراوية، قروية، أو حتى بناء على نوع الأشجار التي تشتهر بها تلك المنطقة. وهناك ايضاً مناطق تم تسميتها لأنها "بدون اسم"، بحيث يقوم أي شخص يطلق عليها اسماً معينا يتناسب مع طبيعتها بإعتماده، مع مرور الوقت، حتى يتوارثه الناس ويبقى الاسم الأصلي لها. ويعتقد النوايسة أن بعض مناطق وجبال عمان تعد من بين الأسماء التي أخذت تسميتها بهذه الطريقة، بعد أن سكنها الناس واعتمدوا لها أسماء معينة.
وكان للحيوانات والنباتات نصيب من هذه المسميات، كما يشير النوايسة، حيث اشتهرت بعض الأماكن والقرى بأنواع معينة من الحيوانات التي عاشت فيها خلال فترة من الزمن. ويضيف أن الأسماء للمناطق قد تتغير مع مرور الوقت، لكن الكثير من الناس لا يزالون يطلقون عليها الاسم القديم والتقليدي الذي اعتادوا عليه من موروثاتهم وممارساتهم اليومية، في حين أن هناك أسماء جديدة لم يتم اعتمادها إجتماعيا.
يقول النوايسة إن الأسماء بشكل عام تحتاج إلى الكثير من الدراسة والتحليل لفهم طبيعتها وسبب اختيارها، وعلاقة الإنسان بها من خلال اللهجات وطريقة نطقها، سواء كانت في شمال المملكة أو جنوبها أو وسطها، حيث يظهر اختلاف اللهجات كيفية ذكر الأسماء، وهذا يدل على التميز في تراثنا الكبير والواسع في تفاصيله.
وعلى الرغم من غرابة تلك الأسماء الموجودة في الأردن كما في باقي الدول العربية، فإنها تظل تعبيرًا عن التراث اللفظي للشعوب، ودلالة على الأصول والانتماء للمكان. ويبقى الإنسان يُعرف نفسه من خلال مكان قريته وسكنه طفولته وشبابه، وتظل كما يُسميها العرب "مسقط الرأس".