عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    31-May-2020

عبد الخالق: يصعب الآن التنبؤ بمآلات الواقع البشري بضوء أقسى اختبار نعيشه!

 

عزيزة علي
 
عمان-الغد-  حينما صدر قرار تعطيل الجامعات عندما كان د.غسان إسماعيل عبد الخالق، في محاضرة لطلبة الماجستير، في تلك اللحظة ساد الصمت في القاعة، وما إن انتهت المحاضرة حتى ودع طلابه، وتوجه إلى مكتبة وراح يجمع كل ما يعتقد أنه سيكون بحاجة ماسة له من كتب وأوراق.
يقول عبدالخالق أن الأسبوع الأول في الحظر المنزلي كان الأصعب على الإطلاق، لأنه كان طافحًا بالمخاوف والتوقعات والشعور بانعدام الوزن، ولكن سرعان ما استعاد السيطرة على إيقاع الحياة الجديدة، وألزم نفسه ببرنامج صارم؛ يبدأ في الصباح الباكر بتناول الإفطار والمشي لمدة ساعة أو ساعتين في حديقة منزله، ثم تناول وجبة الغداء والتأمل العميق لمدة ساعة أو ساعتين، ثم قراءة مقال طويل أو عشر صفحات من كتاب يوميًا.
الحظر منح عبدالخالق الوقت للعمل على إنهاء بعض المشاريع الإبداعية التي كان يؤجلها بسبب الأشغال اليومية، موضحا “أعمل الآن على إنهاء روايتي التاريخية وهي عن “ياقوت الحموي”، الى جانب مراجعة الجزء الثاني من سيرتي الذاتية “بعض ما نسيته”، والعمل على إنهاء دراسة مطولا عن “الروائيات العربيات في المنفى”، والآخر عن “صورة بانورامية لمعاوية بن أبي سفيان”، وفي شهر رمضان المبارك تم تغيير هذا البرنامج ليتوافق مع أجواء الشهر الفضيل.
ويشير عبدالخالق الى دور زوجته في السيطرة على كثير من التفاصيل اليومية في ظل هذه الجائحة، بحكم عملها في القطاع الصحي وتمتعها بحرية الحركة بسيارتها يوميا، بالإضافة الى دور “والدي وأشقائي والعديد من الأصدقاء والصديقات الذين واظبت على التواصل معهم يوميا”. ويلفت الى دور زوجته تجاه أبنائها الذين يتابعون دراساتهم في الولايات المتحدة الأميركية، و”يواظبون على التواصل معي ومع أمهم يوميًا ويسعدوننا بأخبار تفوّقهم وشجاعتهم الفائقة في مواجهة أعباء الاغتراب المؤلمة والمقلقة”.
ويرى عبدالخالق أن أفضل شيء طبّقه في فترة الحظر هو متابعة ما ينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي من جهة، والامتناع التام عن النشر عبر هذه الوسائل من جهة ثانية، لأن التهاوي المريع في مستوى منشورات هذه الوسائل، أكد مخاوفه بخصوص خطورة الانجرار خلف شهوة النشر من أجل النشر، وخاصة بعد أن راح بعض المثقفين المعدودين يدرجون صورًا وأخبارًا وحالات خاصة جدًا تؤكد “خواءهم وانهيارهم التام”!
في فترة انتشار فيروس كورونا، حصلت بعض الأحداث المفرحة عند عبدالخالق مثل حصل على رتبة أستاذ في اللغة العربية وآدابها من مجلس العمداء في جامعة فيلادلفيا، أما لحظات الحزن فكانت وفاة والدته بعد معاناة طويلة مع المرض، لافتا الى دور طلابه في هذه المحنة، فهم نماذج فارقة على صعيد روحهم الفروسية وتفاؤلهم الجميل ومبادراتهم التي لا تقدّر بثمن، وهذا ما أمدّ عبدالخالق بـ”الحماسة للشروع في كتابة ونشر سلسلة من المقالات عن جائحة كورونا من منظور فلسفي”.
ويرى عبدالخالق أنه من الصعب الآن التنبؤ بالمدى الذي ستبلغه الجائحة، أو بحجم الخسائر البشرية والمادية التي يمكن أن تنجم عنها، فإن هناك ثلاثة سيناريوهات لمآلات الواقع البشري في ضوء أقسى اختبار لوجوده منذ آلاف السنين. فالسيناريو الأول وهو “الواقعي” يتلخص بأن المجتمعات البشرية، وبعد أن تجاوزت حالة الصدمة، ولم تدّخر وسعًا لاتخاذ كل الاحتياطات والإجراءات والتدابير الممكنة لتقليل خسائرها البشرية، سوف تغامر بالعودة إلى الحياة الواقعية مدجّجة بثقافة سلوكية جديدة، وسوف تتقبل حقيقة تساقط المزيد من الضحايا، وصولاً إلى امتلاك القدرة على التصدي للوباء، عبر الحصانة الطبيعية، أو عبر ابتكار عقار مضاد للفيروس الشبحي.
وأما السيناريو الثاني “الوسيط”؛ فيتلخص بأن البشرية، وفي ضوء تمدّد الوباء وكونيته، لن تكون قادرة على العودة إلى مزاولة الحياة الواقعية إلا بعد سنوات، وهذا يعني أن المجتمع الدولي ملزم بالتفاهم على توفير الحد اللازم من مظاهر السيادة الواقعية، فيما ستظل الكثير من شعوب الأرض محتجزة في شققها.
السيناريو الثالث كما يصفه عبدالخالق هو “المتشائم”؛ ويتمثل في اضطرار المجتمعات البشرية إلى الانسحاب التام من الحياة الواقعية والتسليم بالحياة عن بعد لعقود طويلة، ما يعني الدخول في طور وجودي وحضاري جديد، لن يكون فيه للحريّة أي مبرّر أو مسوّغ، بما أن إنسان سيقضي عمره بين الجدران، كما ستسوده أقليّات الكترونية حاكمة، وستختفي الحاجة إلى بعض الغايات الاجتماعية لأن أشكال التعامل والتبادل سوف تقتصر على الأقليات الحاكمة في العالم، والتي ستتنافس على شراء وبيع تكنولوجيات المستقبل.
ويخلص عبدالخالق الى الاعتقاد بأن هناك ما يشبه الإجماع على أن خطوط إنتاج وتسويق تكنولوجيات الاتصال عن بعد، هي المستفيد الأكبر مما جرى ويجري وسيجري. بل إن هناك حماسة ملحوظة لدى المسوّقين وعددا يصعب تجاهله من المستهلكين، للاستمرار في مزاولة “الحياة عن بعد”، كليًّا أو جزئيًا، سواء عادت مياه الحياة إلى مجاريها أم لم تعد! وكلّما ازداد الوضع سوءًا، سوف تزداد الحاجة إلى التكنولوجيا، كما ستزداد نسبة تقبّل الناس لضرورة تنازلهم تدريجيًا عن المفاهيم السائدة للحريّات الشخصية والعامة.
ويذكر أن د. غسان عبدالخالق هو قاص وناقد وأكاديمي أردني صدر له العديد من المؤلفات الأدبية والنقدية والدراسات هو عضو اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية وعضو اتحاد الكتاب والأدباء العرب وعضو رابطة الكتاب الأردنيين وعضو الجمعية الفلسفية الأردنية.