عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Apr-2025

ترامب يمهد لكارثة وطنية

 الغد

ألون بن مئير* - (مدونة مئير) 2025/4/14
 
 
 
ألحق قصر نظر ترامب وقسوته ضررًا بالغًا بالولايات المتحدة، داخليًا وخارجيًا، أكثر مما ألحقه جميع أسلافه مجتمعين. لقد فقد الحزب الجمهوري بوصلته الأخلاقية وركيزته الأساسية، وسيدفع ثمنًا باهظًا لتمكينه ترامب الذي أوصل أميركا إلى حافة كارثة وطنية.
 
 
تقف أميركا على مفترق طرق تاريخي. والكارثة كامنة في الظلال. ولا شك في أنه لا فائدة ولا خلاص يرتجى في التمني، ولا مفر من الخطر الذي ينتظر أميركا ما لم تكبح جماح ترامب. إن هجومه الشرس على مؤسساتنا لا مثيل له، ونفوره من حلفائنا أمر لا يُسبر غوره، وخيانته لقسمه الرئاسي وإساءة استخدامه للسلطة أمر ينذر بالسوء. يجب إيقاف ترامب. يجب محاسبة الحزب الجمهوري على تمكينه مجرمًا من تدمير أميركا كما نعرفها.
لقد منحت الرئاسة ترامب أعظم سلطة، والتي تتجاوز سلطة أي شخص آخر على وجه الأرض. لكن هذا لا يكفي لتهدئة غروره المفرط. وعطشه لمزيد من السلطة لا ينضب. الاستبداد يسري في دمه، والتنمر هو ما يُشبع وهمه بامتلاك سلطة مطلقة يتلذذ بممارستها بضراوة وانتقام.
على الرغم من أخطائها العديدة، ظلت أميركا منارة الأمل بمواردها البشرية وثرواتها اللامحدودة، ووجهة الحالمين الذين يطمحون إلى الحرية والعيش بسلام، والنمو والازدهار وعيش وعد غد أفضل وأكثر إشراقًا.
تخيلوا ما يمكن أن يفعله ترامب بقوة أميركا الهائلة لما فيه خير الشعب الأميركي والإنسانية. يمكنه البناء على عظمة أميركا، لكن هذا ليس في جيناته. بدلاً من ذلك، فإنه ينبش كل ما ميز أميركا وجعلها القائدة العالمية بلا منازع، من دون أي خطة أو فكرة لتحسين الأمور، وهو ما يدعي أنه وحده القادر على تحقيقه.
تقويض الديمقراطية
ينتهك ترامب الحق الدستوري المقدس في حرية التعبير بمعاقبة الجامعات التي تسمح لطلابها بالتظاهر ضد مذبحة غزة، وينتهك الحقوق الدستورية للطلاب المقيمين بشكل قانوني في الولايات المتحدة. كما يعاقب مكاتب المحاماة التي مثل محاموها الحكومة في رفع قضايا ضده بمنعهم من دخول المباني الفيدرالية، متجاوزًا بذلك القانون ومحرم العدالة. وفي الوقت نفسه، يتحدى السلطة الدستورية للمحكمة، متجاهلاً مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث للدولة، وهو أساس الديمقراطية الأميركية.
لن يُنسى صمت الجمهوريين أمام انتهاكات ترامب الصارخة، حتى من قِبل الذين وضعوهم في السلطة.
معاقبة المحتاجين
يبدو أن ترامب يخطط لخفض الضمان الاجتماعي، وبرنامجي "ميديكيد" و"ميديكير"، اللذين يوفران شريان حياة لملايين الأميركيين. فبأي مقياس يمكن للمرء أن يقيم فظاعة وقسوة هذه التخفيضات التي تعد غير قانونية وأهلاً للازدراء؟ إن حرمان كبار السن من الرعاية الصحية وخفض الضمان الاجتماعي لهم وهم في أمس الحاجة إلى المساعدة، ومنحه للأغنياء ليس خطأً فادحًا فحسب، بل هو إفلاس أخلاقي تام للحزب الجمهوري الذي ما يزال صامتًا أمام هذه المهزلة.
الإضرار بالمجتمع العلمي
جمد ترامب تمويل عشرات المؤسسات العلمية والبحثية، مما عطل البحوث الطبية والبيئية والاجتماعية الحيوية، وقوض في الوقت نفسه الحرية الأكاديمية والابتكار في المجتمع العلمي الأميركي، مما أجبر العديد من العلماء الشباب على التفكير في المغادرة ومواصلة أبحاثهم في دول أجنبية. وهو ما سيؤدي إلى الإضرار بالقيادة العلمية الأميركية ذات المستوى العالمي بشكل لا يمكن إصلاحه، في حين أن الجمهوريين لا يحركون ساكنًا.
انتهاك الإجراءات القانونية المستحقة
إلى جانب الترحيل العام لآلاف المهاجرين غير الشرعيين، رحل ترامب 238 مهاجرًا فنزويليًا، بعضهم من المقيمين القانونيين المحميين في الولايات المتحدة، إلى سجن سيئ السمعة في السلفادور، متهمًا إياهم بالانتماء إلى عصابات من دون أي من الإجراءات القانونية الواجبة، ومن دون السماح لهم بالطعن في التهم الموجهة إليهم. وتستند العديد من الادعاءات إلى أدلة واهية أو مشكوك فيها، مما يؤدي إلى احتجازهم في سجن يتعرضون فيه لانتهاكات ممنهجة وتعذيب وظروف لاإنسانية.
ولم ينهض أي زعيم جمهوري شجاع ليشكك في عدم قانونية هذه الأفعال الوقحة ولاإنسانيتها.
تشجيع الاستقطاب الاجتماعي
يستخدم ترامب، مستغلاً الاستقطاب السياسي، كل الوسائل الشريرة لزرع الفرقة بين الشعب الأميركي. فهو يشجع على النقاء الأيديولوجي داخل الحزب الجمهوري بينما يشوه صورة الديمقراطيين باعتبارهم تهديدات وجودية. كما يضخم خطاب القومية البيضاء، ويستهدف الأقليات، وخاصة المسلمين واللاتينيين والأميركيين من أصل أفريقي.
علاوة على ذلك، يلقي ترامب باللوم على المهاجرين في المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، معززًا بذلك خطاب "نحن ضد ’هم‘". ويحرض فئات الطبقة العاملة على التناحر فيما بينها على أساس العرق أو الوضع القانوني. ويقوض المعايير الديمقراطية بدعمه أفعالًا مثل الهجوم على الكابيتول في 6 كانون الثاني (يناير) بهدف تعميق انعدام الثقة في الأنظمة الانتخابية، كما يهاجم وسائل الإعلام التقليدية لتقويض الثقة من خلال وصفها بـ"الأخبار الكاذبة"، في حين يقوم بترويج نظريات المؤامرة.
ولم يحذر أي جمهوري من أي مرتبة من أن ترامب يلحق ضررًا لا يمكن إصلاحه بالنسيج الاجتماعي الأميركي، ويمزق البلاد.
إشعال حرب تجارية
كيف يمكن تفسير فعل ترامب المشين المتمثل في إلغاء إحدى أنجح اتفاقيات التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA) التي كان قد وقعها بنفسه في شهر كانون الثاني (يناير) 2020، ثم فرض تعريفة جمركية بنسبة 25 في المائة على كلا البلدين، معللاً ذلك بالمخاوف من الهجرة غير الشرعية والاتجار بالمخدرات؟
في خطوة غير مسبوقة، فرض ترامب تعريفات جمركية من جانب واحد على حوالي 90 دولة، وهو ما يمثل بوضوح ضريبة إضافية على المستهلكين الأميركيين. وعلاوة على ذلك، يحدث هذا خللاً في الاقتصاد العالمي بطريقة غير مسبوقة، إذ تقلل الرسوم الجمركية من التجارة والاستثمارات، مما يسبب تراجع النمو الاقتصادي. كما أنها ترفع تكاليف الإنتاج وتضعف طلب المستهلكين وتزيد من احتمالية حدوث ركود عالمي بسبب تصاعد الحرب التجارية، مما سيؤثر على جميع قطاعات الاقتصاد، الأمر الذي سيجبر الشركات على إعادة هيكلة عملياتها. وستؤدي الرسوم الجمركية المتبادلة على البضائع الأميركية من قبل معظم الدول إلى تفاقم التوترات التجارية بشكل مقلق، والإضرار بالصادرات الأميركية.
ثم تراجع ترامب بلا خجل بعد ذلك معلقًا خطته الأصلية لمدة 90 يومًا ومخفضًا الرسوم الجمركية على جميع الدول المتأثرة إلى 10 في المائة بعد أن خطط العديد من الدول، بما في ذلك حلفاؤه، لفرض رسوم جمركية انتقامية (باستثناء الصين التي فرض عليها رسومًا بنسبة 125 في المائة). وبالنسبة له، لم تكن الاضطرابات العالمية التي عجل بها بتهور سوى لعبة أدت إلى فقدان مقلق للثقة في الولايات المتحدة، وزرعت حالة من عدم اليقين والفوضى في السوق العالمية.
لكن الجمهوريين الذين كانوا يهتفون للتجارة الحرة أصبحوا يهتفون الآن لحرب ترامب التجارية الكارثية ويدمرون القيادة الاقتصادية الأميركية.
تجاهل أهمية حلفاء أميركا
تجاوزت معاملة ترامب للحلفاء الأوروبيين كل الحدود واتسمت بأفعال مثيرة للانقسام. فقد شكك في جدوى الدفاع الجماعي لحلف (الناتو) وأثار نفور القادة الأوروبيين من خلال انتقاداته العلنية، وانضم بارتياح إلى روسيا -الخصم اللدود لأميركا- لإضعاف التحالف عبر الأطلسي، كل ذلك في الوقت الذي كان مشغولاً فيه بالترويج للحركات القومية اليمينية المتطرفة في أوروبا.
أين الجمهوريون الذين وقفوا جنبًا إلى جنب مع حلفائنا الأوروبيين الذين ازدهرنا معهم وشكلنا حجر أساس أمن الغرب؟
التخلي عن الالتزام الأخلاقي لأميركا
لعل من أكثر الخطوات إثارة للقلق هي معاملة ترامب المشينة لجيراننا وحلفائنا الأوروبيين. كيف يمكن تفسير متعة ترامب المخجلة في إذلال الرئيس الأوكراني زيلينسكي أمام أعين العالم أجمع؟ وهو زعيم بلد غزاه صديق ترامب، بوتين، الذي أوقع مئات الآلاف من القتلى والدمار الهائل بحليف أميركي.
ولكن دعوا الأمر للجمهوريين الشجعان، الذين أيدوا في السابق بالأغلبية العظمى الدعم السياسي والعسكري الأميركي لحلفائنا، لكي يبقوا صامتين.
يا للأسف، كم هو حقير حتى التفكير، ناهيك عن التصريح، بأن كندا ينبغي أن تصبح الولاية رقم 51؟ أو الاستيلاء على غرينلاند، وقناة بنما، وغزة، وأي شيء آخر على قائمة تسوّق ترامب كما لو أن هذه مجرد معاملات عقارية؟ هل يدرك غالبية الجمهوريين -الذين يدعمون هذه الفكرة السخيفة للاستيلاء على الأراضي- الآثار المروعة المترتبة على صورة أميركا ومكانتها العالمية؟
لقد تسرب الآن الانحطاط الأخلاقي للحزب الجمهوري إلى كل طبقة من طبقاته. لن يكون هناك مفر لأي زعيم جمهوري، سواء على المستوى الفيدرالي أو على مستوى الولايات أو المستوى المحلي، من المساءلة عن خيانته للقيم الأخلاقية لأميركا وتقويض ديمقراطيتها العزيزة. إنهم يضحون بعظمة أميركا لخدمة مجرم أناني باع الوطن على مذبح غروره وشهوته الجامحة للسلطة.
إن يوم الدينونة قريب، وسوف يدفع الجمهوريون الذين مكنوا ترامب الثمن.
 
‏*ألون بن مئير Alon Ben-Meir: أستاذ متقاعد في العلاقات الدولية، يعمل سابقا في مركز الشؤون الدولية بجامعة نيويورك وزميل أول في معهد السياسة العالمية. وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط وغرب البلقان والمفاوضات الدولية وحل النزاعات. في العقدين الماضيين، شارك بشكل مباشر في العديد من المفاوضات الخلفية التي شاركت فيها إسرائيل والدول المجاورة لها وتركيا. ألف اثني عشر كتابا متعلقا بالشرق الأوسط ويعمل حاليا على كتابين جديدين عن سورية وتركيا.‏