عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Feb-2020

مقارعة السرطان* رمزي الغزوي
الدستور -
في الأسطورة اليونانية المثيرة أن الأمازونيات شعبٌ يتكون من النساء فقط. نساء شديدات البأس، مقاتلات عنيدات جبارات، وهنّ أوّل من سخّر الحصان في ميادين المعارك. والمهم من كلِّ هذا، أن الواحدة منهن، وقبل أن تصبح مقاتلة رسمية، كانت تستأصل ثديها؛ كي لا يعيق استخدامها للرماية بالقوس، أو الطعن بالسيف والرمح.
يوم أمس احيا العالم يوم السرطان. وهو ثاني قاتل للبشرية. وفيه طالعت لقاء صحفياً لسيدات انتصرن عليه بعد معارك ضارية. فشجاعة الأمازونيات الجديدات تأخذنا نحو الشعور العالي بقوة الحياة ومعانيها. وتمنحنا جرعة مشبعة من الأمل والإقدام. وتجعلنا نؤمن أن كل ناج أو ناجية من المرض، ما هي إلا قصة تستحق الرواية بماء البقاء.
لكني في اللقاء، لم أدقق عند ما حدث مع أمازونية تقول إنها وقفت 16عاماً مع زوج عقيم، لم يجعلها أماً، ولكنه كان أول ساخر من تهاطل شعرها على الوسادة مع بدء العلاج الكيماوي، وأول نافر من صفرة بشرتها، بل تمتم وهو يغادر حياتها: ها أنت أصبحت رجلاً أصلع. وتضيف هذه السيدة المكلومة، أنه وبعد سنتين، سمعت بموته بسرطان الثدي في غربته. اللهم لا شماتة. رحمه الله.
هذه من شواذ الحالات. فالسائد أن غالبية الرجال يرابطون على خط الدفاع الأول مع زوجاتهم المريضات. ثم من قال، إن الرجل بمنأى عن سرطان الثدي، صحيح أن نسبة الإصابة لا تتجاوز الواحد بالألف، ولكنها قد تحدث. وهي واحد إلى ثمانية عند المرأة، ولكنه قد لا يحدث. 
قبل حملات التوعية لمؤسسة الحسين للسرطان لتشجيع الفحص المبكر عن سرطان الثدي، كان الوضع مأساويا. فمعظم الحالات كانت تخضع للعلاج بعد دخولها مراحل متقدمة من الاستفحال. فكثيرات كن يخجلن من الإعلان عن المرض أو التوجه للفحص؛ لأنهن ينظرن إلى أن هذا يثلم أو يخدش أنوثتهن، ويطفئ أمومتهن.
المرض ليس نهاية مطاف، لا للمصابة ولا لشريكها، أو عائلتها أو صديقاتها وزميلاتها. بل لربما يغدو بوابة مهمة للحياة، وإعادة اكتشاف جمالياتها، ومفاصلها. وحتى استئصال الثدي، لم يعد عائقا لعيش طبيعي مع التقدم المتسارع بعمليات الترميم والإنبات والجراحة التجميلة للصدر.
نعلم أن الثدي كان رمزا للأمومة والخصوبة في حضارات كثيرة. لكن الأصل في الأشياء هو المرأة التي تحمل في صدرها قلبا شجاعا يجعلها قادرة على إطلاق سهامها على كل تخاذل يسعى نحو كل حق وخير وجمال في الحياة.
لدينا اليوم أمازونيات رائعات. وهن كما كن شجاعات في سلمية الحياة، يسابقن حصان الزمن ويطاردن طموح الأبناء، هن اليوم أيضاً القادرات على مقارعة هذا الطارئ بالانتصار عليه.