عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Sep-2019

نـصوص مزوّرة*د. صلاح جرّار

 الراي-قرأتُ خلال الأسبوع الماضي على أحد مواقع التواصل الاجتماعي نصّاً منسوباً إلى ابن خلدون، غير أنّي وأنا أتأمّل النصّ لاحظت فيه أساليب المعاصرين ومفرداتهم، فأردت التحقّق من نسبته فدخلت على محرّك (غوغل) فوجدت النصّ مكرّراً في عشرات الدراسات والمقالات لعدد غير قليل من الباحثين والأساتذة والمفكّرين منسوباً إلى ابن خلدون، ومع ذلك بقيت متشككاً في تلك النسبة، ولأنّ موضوع النصّ يتصل بمكانة اللّغة في المجتمع اتصلت بصديقي الدكتور محمد السعودي أمين عام مجمع اللّغة العربيّة الأردني، وقلت في نفسي: إن كان هذا النصّ صحيحاً فلا بدّ أن يحتفي به المجمع ويتّخذه شعاراً له، ثمّ سألت الدكتور السعودي إن كان لدى المجمع علمٌ بهذا النصّ، فتكرّم علي بالبحث عنه في مقدّمة ابن خلدون فلم يقف له على أثر، وشاركني رأيي بأن لغة النصّ حديثة ولا يمكن أن تكون لغة ابن خلدون.

 
المشكلة هنا ليست في نسبة النصّ لابن خلدون أو عدمها بل في تناقل الأساتذة والمفكرين والباحثين والكتّاب لهذا النصّ منسوباً لابن خلدون دون أن يتحقّقوا من ذلك، وأنّ ثقتهم بمواقع التواصل الاجتماعي وبما ينشر فيها قد أغنتهم عن الرجوع إلى كتب ابن خلدون! وهذه في نظري إساءة كبيرة للعلم ومناهجه ومصادره قد تصل إلى حدّ تجاوز شرط الأمانة العلميّة.
 
لكنني أيضاً أودّ أن أشير إلى أنّني وقفت في مواقع التواصل الاجتماعي سابقاً على نصوص منسوبة للجاحظ وهي ليست له، وعندما خاطبت ناقليها من أين حصلوا عليها كان ردّهم بأنّهم وجدوها على مواقع التواصل. كما أنّ هنالك أشعاراً وأخباراً تاريخيّة كثيرة منسوبة إلى قادة وخلفاء وشعراء وعلماء وهي لا أساس لها من الصحة، وأخذ الناس يتناقلونها على أنّها حقائق ثابتة.
 
لقد آن الأوان للباحثين العرب وغيرهم أن يشكّوا في كلّ نصّ يقرأونه على مواقع التواصل أو يصلهم من خلالها، وأن يتثبتوا منه قبل اعتماده بالرجوع إلى أمهّات المصادر والكتب ومؤلّفات الأعلام الذين نُسِبت إليهم تلك النصوص، وما عدا ذلك فإنّ هنالك أخطاراً تهدّد العقول مثلما تهدّد الحقائق العمليّة وأصول البحث العلمي.