الدستور
البيوت ليست مقفلة تماماً، فقد تكون جراراً فخارية يرشح منها ما يشي ويدل على ما تخفي بين جدرانها. فكم من رجال نحسبهم ملائكة أو نسّاكاً بررة تأكل الهرة العمياء عشاءهم، رجال من ذوي ربطات عنق لامعة وبدلات رفرافة رقيقين كلوح شوكولا، يسوحون خجلاً مع الزميلات والصديقات، وفي بيوتهم يكونون صخوراً جلاميد.
هؤلاء لو أفصحت نساؤهم عن سلوكياتهم العدوانية السادية، وعن فنونهم في العنف والتعنيف، وعن براكينهم حين تثور، وزلازلهم إذ يكشرون عن أنيابهم، لتقززنا، وهربنا غير مكتفين بكتم أنوفنا، وعيوننا وأسماعنا!.
اليوم تنطلق حملة (ال16 يوماً لمناهضة العنف) بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة وتحت شعار» لوّن العالم برتقالياً: فلننه العنف ضد المرأة الآن»، وفي هذه الايام سنحظى بنشرات غسيل لأرقام وحالات مرعبة عن عنف موجه (لنصف الحياة الذي يرعى نصفها الآخر). ودون أن نخرج من حدودنا وتوقعاتنا، فما زالت معدلات العنف ضد المرأة تسجل ارتفاعا مقلقاً ومخجلاً ومثيرا ومحزنا في مجتمع جل أهله متعلمون. فالأمم المتحدة تؤكد على أن امرأة واحدة من كل ثلاث نساء وفتيات تتعرض للعنف الجسدي أو الجنسي خلال حياتها.
ولنتذكر دائماً، أنه ما خفي أعظم، فلا يظهر من جبل الجليد الطافي في الماء إلا ثلثه أو أقل قليل، فلو كشفت بعض من النساء اللواتي يتخذن القاعدة الشعبية (غلب بستيره ولا غلب بفضيحة)، لو كشفن عن البقع الزرقاء لظلال اللكمات، والكدمات، والصفعات، التي علقت بصفحات جلودهن إثر موجات ضرب صاعق من لدن أزواجهن المغاوير؟!. وماذا لو قالت كل امرأة عن هذا الذي يبدو وديعاً مطيعاً مع كل نساء العالم، وينقلب ذئباً هصوراً مع شريكته، وأم أولاده؟!.
ما زال هناك من يعتقد أن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وستظل عوجاء، ومهما قومتها، ولن تستقيم إلا بالضرب والعنف، وينسى صاحب هذه النظرة القاصرة الرجعية أن مهمة الضلع، أن يكون منحنياً وحادباً ومعوجاً؛ كي يحمي القلب في قفص الصدر، ويحمي الإنسانية من عوجها. فاستقامة الضلع في إعوجاجه الحاني.
وينسى كذلك أو يتناسى أن المرأة قد تتحمل إلى حد ما عوج الرجل و(جقمه) وهمجيته، كي تستقيم الحياة. ولكنها قد تنكسر في لحظة ما. ربما على هؤلاء أن يتذكروا أكثر أن ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم. فرفقاً بالقوارير.