الدستور
عن دار الخليج للطباعة والنشر والتوزيع صدرت طبعة جديدة من الكتاب بنية النص الروائي للدكتور إبراهيم خليل الذي صدرت طبعته الأولى عن عمادة البحث العلمي في الجامعة الأردنية عام 2008 وأخرى عن الدار العربية للعلوم ناشرون ودار الاختلاف في الجزائر 2010 ويقع الكتاب في 302 ص من القطع الكبير في مقدمة وثمانية فصول وكشاف بالمصطلحات، وآخر بأسماء الأعلام الواردة فيه، وثَبَتٌ بالمصادر والمراجع.
يتناول المؤلف في المقدمة بدايات نقد الرواية عربيا ورواده من سليم الخوري، والمازني، وسيد قطب، وسلامة موسى، لطه حسين، ومحمد مندور، فعبد المحسن طه بدر، فمحمد يوسف نجم، وغيرهم... وصولا إلى اتساع الدراسات، وشيوع المدارس النقدية والاتجاهات.
وفي الفصل الأول يتناول الإرث النظري للرواية بِدءًا من الروائيين كفلوبير وهنري جيمس وفورستر، ومرورًا بالنقاد أمثال برسي لوبك، وإدوين موير، وانتهاءً بما جدَّ لدى الشكليين الروس والبنيويين وسواهم ممن وقفوا عند خطاب الحكاية، ومورفولوجيا السرد الغرائبي، والعجائبي. وفي الفصل الثاني يتناول بالتفصيل الراوي في الرواية، وأنواعه، ووظائفه، وتعدد الرواة فيما يعرف برواية زوايا النظر، وعلاقة الراوي بالمؤلف.
وفي الفصل الثالث يتوقف بنا عند الزمن السردي، والصِّيَغ التي يستخدمها الروائيون، كالإضمار، والحذف، والتواتر، والاستباق، والتوقع، والمفارقة الزمنية؛ من استرجاع وتذكر، ويوضح الفرق بين الزمن الغرائبي والواقعي، وبين الزمن النحوي والتخييلي، وعلاقة الزمن بالمكان.
وفي الفصل الرابع يتوقف المؤلف عند أمرين غير متباينين، وهما: الفضاء الروائي، والمكان، مشيرًا لاستخدام المصطلح الأول للدلالة على ما في الرواية من امتدادٍ، وتنقل في الأماكن، وفي الثاني ما ينم على المكان نفسه، كالبيت مثلا، أو المقهى، ويشير لموضوع دلالاتِ المكان، سواءٌ ما يتصلُ منها بالواقع النفسي للشخوص، أو الإيديولوجي، أوما له علاقة بالهويّة، أو الأسْطورة، أو اللغة، أو التاريخ.
وفي الفصل الخامس ثمة وقفَةٌ مطوّلة إزاءَ الشخوص، وطرائق تقديمها، والمعايير المتّبعة في تصنيف الشخصيّات بين ثابتةٍ ونامية، أو ومن جهة الوظيفة؛ بين شخصية مساعدة أو مثبطة لأهداف البطل، ومساعيه. و ما يُتَّبع من تقنيات في تقديم الشخصيّة، كالتقديم التقريري، والتقديم عن طريق الأفعال، والحوار، واستخدام تيار الوعي، والمونولوج للكشف عمّا تتّصفُ به الشخصيَّة من طبائعَ كامنةٍ، وغير مُعْلنه إلخ..
وفي الفصل السادس يُسلط الضوء على تنظيم النص الروائي، فقد يكون على هيئة المذكرات، أو الفصول المحكية التي تذكر القارئ بحوليّات المُؤرّخين. وقد يتبع التسلسل المنتظم من الماضي للحاضر، وقد يعتمد سردًا غير خطي، فيراوح بين الماضي والحاضر مراوحة تُضفي على السرد بعض الغموض المُمْتع. وفي هذا السياق يبرز موضوع الحبكة، وهي تعني ترابط الحوادث المحكية ترابط النتائج بالأسباب. وتناول المؤلف أنواع الحبكة الخفية، والمركبة، من اثنتين فأكثر، والصاعدة والهابطة، والغامض منها والخفي، والواضح اللافت للنظر، كما هي الحال في الرواية التاريخية، والبوليسية. وفي الفصل السابع عرج المؤلف على الرواية واللغة، مُؤكدًا أن اللغة التي تليق بالرواية هي اللغة السائدة في الحياة اليومية، وفي وسائل الإعلام من صحف، ومجلات وإذاعات وتلفزة. وبيَّن الفرق بين اللغة الشعرية ولغة الرواية، مفسرًا بهذا إخفاق الكثير من الشعراء في كتابة الرواية الجيّدة، كونهم يواصلون كتابتها بلغة القصيدة، وهذا أفْسَدَ الرواية إفسادًا كبيرًا، وأساء لها من حيث أرادوا الإحسان.
وفي الفصل الأخير يتحدث المؤلف عن القارئ في الحكاية، فبعْض الروائيين - إن لم نقل كلهم - يكتب الرواية وفي نيّتهِ مخاطبة قارئ معين، ويسمي هذا القارئ قارئا ضِمْنيا، لكن لا يحول هذا التوجّه دون تفاعل القارئ الآخر غير الضمني بالنص، بشرْط أن يجد في السرد، وفي الشخوص، وفي الأمكنة، واللغة، ما يساعدُه على التفاعل، والاقتراب بوعيه الخاص من وعي المؤلف، لأن قراءة الرواية - في نهاية المطاف - هي تقارب وعي المؤلف والقارئ حتى يكونا وعيًا واحدًا لمدّة زمنية هي التي تتطلَّبُها قراءَةُ الكتاب.
يُذكر أن للمؤلف عددًا غير قليل من الكتب في نقد الرواية نذكرُ منها: أساسيات الرواية، ومشكلة الحبكة في الرواية العربية المعاصرة، وبهاء طاهر وآخرون، وأقنعة الراوي، وفي الرواية النسوية العربية، والرواية في الأردن في ربع قرن.