الراي
عبر عقود من الاحتواء الرسمي، ومحاولات عديدة لتصويب بوصلة "الجماعة المحظورة" كي تكون وطنية النهج والهدف والمسلك، واصلت "الجماعة" حبك خيوط المصيدة العنكبوتية، خيوط حريرية ناصعة، تغري النفوس وتعمي الأبصار، وتستغل حاجة الناس وعوزهم وجهل بعضهم أحيانا، رافعة اسم الدين حيث تزيغ الأبصار وترق القلوب وتخدع العقول بصدق النوايا ولا تتنبه لسوء السرائر وقبحها، هكذا تماما عملت "الجماعة" على بناء اقتصادها الأسود، من أموال الناس، تبرعاتهم، هباتهم، صدقاتهم، زكاتهم، وربما اشتراكاتهم وأسهمهم، كل هذا باسم الدين والدفاع عنه وحمايته، فهم الحماة والرعاة والدعاة، ولكن ضد من؟ وحماية ممن؟.
امبراطورية من الاقتصاد الأسود، عمادها جمع الأموال، استثمارات ليس للوطن نصيب منها، وتسخير ذلك كله من أجل تسخين الشارع بالحناجر المستأجرة، وخلق مساحات من الضجيج وزرعها بالأبواق الناعقة بالتخوين والتحريض، وإعلان الولاءات للخارج المناوئ والمعادي، تعلو أصواتهم في نصرة من هم ضد الوطن وأمنه واستقراره، وإن جاءت مناسبة وطنية تخصص هذا الوطن وشعبه، لاذوا بالصمت، وتبخروا من الشوارع وأخلوا الساحات، فهذا أمر لا ناقة لهم فيه ولا جمل، وليس هذا وحسب بل يوظفون أبواقا داخلية وأخرى خارجية من أجل التشكيك والتخوين والتقليل من أي منجز وطني، فلم تسلم منهم جهود التأسيس وإنجاز الاستقلال ودماء شهداء الجيش العربي الأردني في فلسطين وأسوار القدس، وانتصار الكرامة الخالد، وصولا إلى جهود إغاثة أبناء غزة المنكوبة وغيرها الكثير من محطات الفخار الوطني. امبراطورية من الاقتصاد الأسود توظف لبناء كوادر "الجماعة" وشراء الشقق خارج حدود الوطن، وأعطيات لقادتهم، وتميولا لحملاتهم الانتخابية في النقابات والاتحادات، التي تشترى فيها الذمم وتصادر الحريات الفردية بمسميات مختلفة (سداد دين، دفع رسوم، معونة مالية، كفالة طالب جامعي، علاج مريض..) والمسميات تتعدد وتتنوع والهدف واحد استلاب الإرادة، والهيمنة على مؤسسات المجتمع المدني، ومن ثم الضغط على الدولة لتحقيق مآربها غير الوطنية، تحقيقا لأهداف من أعلنوا البيعة والولاء لهم على الملأ ودون وجل وحياء.
مال أسود من قوت الناس وإيمانهم بالعمل الخيري وحرصهم الفطري على دينهم، تمتصه "الجماعة" لتمول حملات حزب، الكل يعرف بل على يقين أنه الواجهة السياسية المشرعنة للـ "جماعة" وهي يفترض أنها أموال لنصرة الملهوفين والمحتاجين والمحاصرين، تنفق لغايات سياسية وانتخابية على شكل مساعدات وإعانات وطرود وبعثات ومنح وبيوت مجانية ومعالجات وغيرها... لكن لمن؟ لمن يقف معهم ويأتمر بأمرهم، وينفذ مطالبهم دون نقاش أو حتى فهم، خذ ونفذ، هكذا يبنى قطيعهم قطيع "الجماعة" غالبا من البسطاء والمحتاجين، مال أخذ من الناس ليستغل لغايات وأجندات ما ظهر منها ينبئ بحجم المؤامرةبدأت تتكشف ملامحها المخزية، ولعل القادم من أيام سيكشف لنا أنه كان بيننا وكر أفاعٍ توشك أن تخرج علينا من كل جحر وشق، لكنها العين الساهرة التي لا تنام لهم بالمرصاد في كل حين.
إن استغلال أنشطتهم وجمعياتهم الفرعية الموجهة للأطفال والشباب، تهدف إلى غسل الأدمغة وتجنيد شباب صغار مغرر بهم، وأخذهم وجدانيا وانتماءً بعيدا عن الوطن وتاريخه وإرثه، لكي يكفروا به فيتجاسروا عليه، ويدينون بالولاء لغيره، فيسهل عليهم بناء الخلايا الإرهابية، وتهريب الأسلحة، وتصنيع صواريخ ومتفجرات، والتخطيط لتنفيذ عمليات ضد الوطن ومؤسساته ومواطنيه، هذا الفكر وهذه المنظومة هي نتاج هذا الاقتصاد الأسود، وترجمة لكره عميق لوطن كان الحضن الدافئ للجميع، لكنه النكران والكيد في الخفاء والعلن، ونسوا أن هذا بلد مبارك ومحفوظ بعين الرحمن ويقظة أجهزته ووعي شعبه وإخلاصهم لوطنهم وقيادتهم، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.