تطوير التعليم.. ملفات طال تنفيذها فمتى نهتدي لطريق الإنجاز؟
الغد-آلاء مظهر
في الوقت الذي يعتبر تطوير التعليم وتجويده للارتقاء بمخرجاته أولوية وطنية، فإنه يشكل محورا مهما في مسيرة التنمية الشاملة المنشودة بغية إنشاء جيل متسلح بالعلم والمعرفة ويحاكي تطلعات المستقبل.
وركزت كتب التكليف السامية للحكومات الأردنية المتعاقبة وآخرها مضمون كتاب التكليف السامي لرئيس الحكومة الجديد د.جعفر حسان، الذي أكد على ضرورة تطوير التعليم وتجويده، على التوسع ببناء المدارس ورياض الأطفال، وتوظيف التكنولوجيا في التعليم، وتوفير بيئات التعلم المناسبة، وتطوير المناهج، وتأهيل المعلمين.
واتساقا مع الأهداف والأولويات لمواصلة تحديث وتطوير التعليم باعتباره المصدر الحقيقي لازدهار الدولة، أكد خبراء تربويون على ضرورة استكمال العمل بالملفات التي تضمنها كتاب التكليف السامي كأولويات للمرحلة المقبلة كونها تشكل عصب النظام التعليمي.
وبينوا في تصريحات خاصة لـ"الغد"، أن الرسالة الملكية هذه المرة مختلفة عن سابقاتها ليس فقط بشموليتها للأطر والخطوط العامة لكنها أغرقت بالتفصيل في وضع خرائط تنفيذية وحددت أولويات التطوير من برامج ومشاريع ومبادرات لكل قطاع ومنها التعليم مما سيمكن من المتابعة والمساءلة.
وفي هذا الصدد، قال الخبير التربوي د.محمود المساد، إن كتاب التكليف السامي لحكومة جعفر حسان، أكد على أهمية التعليم بتحقيق طموحات الدولة بالمنعة والازدهار، ففي حال قوة التعليم وجودته تنهض جميع قطاعات الدولة، وحين يتراجع تتراجع القطاعات كافة.
وتابع: كما أكد كتاب التكليف السامي على أن التعثّر في الاقتصاد وارتفاع نسب البطالة يحتاج من الدولة بالضرورة لمزيد من التركيز على التعليم، بخاصة التعليم المهني والتقني، والتدريب الحرفي، بما يساير تطورات سوق العمل المحلي والإقليمي، باعتبار أن الموارد البشرية تتمتع بسمعة جيدة، بخاصة بالجدية والإخلاص والحرفية في مجال العمل.
وأشار المساد إلى أن كتاب التكليف السامي أولى تأهيل المعلمين وتدريبهم، وتطوير المناهج، والتوسع بتوظيف التقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي المعروفة والتي ستكتشف، في المحتوى الدراسي وأساليب التعلم، وتوفير بيئة مدرسية آمنة ومحفزة، إلى جانب التوسع في بناء المدارس، رياض الأطفال، أهمية قصوى، باعتبار أن عمليات التطوير التي تسعى للنجاح هي: عمليات شاملة ومتكاملة تتفاعل معا، ويدعم بعضها بعضا، بخاصة عندما يتوافر لها عناصر مهمة مثل: تغليب الجانب العملي التطبيقي الذي يساير التحديث في أسواق العمل، والتدريب المستمر أثناء العمل، وتلبية هذا المسار للحاجات الفردية التي تتدرج من العمالة الماهرة إلى المهن متوسطة التأهيل وصولاً إلى التخصصات التقنية الجامعية التطبيقية.
وبين المساد أن أولويات عمل الحكومة لتحقيق ما ورد في كتاب التكليف تنحصر بداية في مجال التوسع بالتعليم المهني والتقني أولا، وإعادة النظر في المدارس الموجودة التي تشكو من قلة التجهيزات والورش، وتغيير القديم منها بخاصة التي لم تعد موجودة في سوق العمل، وزيادة المخصصات المالية، لاسيما وأن كلفة طالب التعليم المهني على وزارة التربية والتعليم تزيد بعدة أضعاف على كلفة الطالب في المسار الأكاديمي، فضلا عن التوسع في التخصصات التطبيقية في الجامعات، مع إضافة طلبة المسار المهني والتقني للفئات المستهدفة للدراسة فيها، الأمر الذي يستوجب تغيير سياسات القبول الجامعية، ومسايرة التشريعات عموما لمثل هذه التوجهات الإيجابية الملكية.
وشدد المساد على أهمية أن تستثمر الجهات المعنية ما ورد في كتاب التكليف السامي، في أن تعود مؤسساتنا التعليمية لتكون المركز الأساس لتعزيز القيم الوطنية والمجتمعية، والعمل التطوعي، والمشاركة الفاعلة، ورفع الحس بالمسؤولية، واحترام سيادة القانون، في إطار الدولة المدنية، وذلك لضمان الاستمرار ببناء مجتمع قوي متماسك يعزز من نهضة الدولة وتقدمها، داعيا المركز الوطني لتطوير المناهج إلى التقاط هذا التوجيه، وجعل الكتب المدرسية زاخرة بالمفاهيم والقيم المدمجة في محتواها وأنشطتها التي من المفترض أن يتمثلها الطلبة وأن تظهر في سلوكياتهم.
بدوره، قال مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي في وزارة التربية والتعليم سابقا د. محمد أبو غزلة، أن الرسالة الملكية هذه المرة مختلفة عن سابقاتها ليس فقط بشموليتها للأطر والخطوط العامة لكنها أغرقت بالتفصيل في وضع خرائط تنفيذية، وحددت أولويات التطوير من برامج ومشاريع ومبادرات لكل قطاع، ومنها التعليم مما سيمكن من المتابعة والمساءلة.
وأشار إلى أن مضمون كتاب التكليف السامي ينسجم مع ما طرح من برامج ومشاريع ومبادرات وردت في الرؤية الاقتصادية بتحديث المسارات المختلفة، مما يبعث برسالة بضرورة استكمال ما تم البدء فيه.
وأكد على أن التوجيه الملكي جاء بضرورة الاهتمام بملفات تشكل عصب النظام التعليمي لمواصلة تطوير التعليم عبرها، حيث تم التركيز على التعليم والتدريب المهني والتقني كأولوية في المدارس والمراكز والجامعات، لسد الفجوة بين مخرجات التعليم وحاجات السوق، وأيضا ملف تدريب المعلمين وتأهيلهم انطلاقا من أهمية دور المعلمين بإحداث التغيير المطلوب في التعليم وتمكين المتعلمين من المهارات الضرورية الحديثة المطلوبة في تعليمهم اللاحق، وتلبية احتياجات سوق العمل، كما واكب التوجيه الملكي في التكليف التطورات التي أحدثتها الثورة الصناعية وتقنيات الذكاء الاصطناعي، لذا تضمن التوجيه تطوير المناهج والتوسع في استخدام التقنيات وأنظمة التدريس الذكية، بالإضافة لتوفير بيئات تعليمية مادية ومعنوية آمنة ومحفزة على التعليم من خلال التوسع في بناء المدارس ورياض الأطفال.
وتابع: في ملف التعليم والتدريب المهني والتقني الذي تطرقت له الرسالة كأولوية في المدارس والمراكز والجامعات، لسد الفجوة بين مخرجات التعليم وحاجات السوق، ما زال يحتاج لبذل الكثير لتطويره، وقد وجه جلالة الملك في ورقته النقاشية السابعة حول هذا الموضوع، ودعا فيها لأن تكون المدارس والمعاهد المهنية والجامعات مصانع للعقول المفكرة، والأيدي العاملة الماهرة، والطاقات المنتجة، والقادرة على استقبال الحياة، ومواجهة ما فيها من تحديات، والمشاركة في رسم الوجه المشرق لأردن الغد.
وزاد أبو غزلة، رغم الجهود المبذول في تبني مشروع ( بيتك) وتطبيقه في المدارس والتحاق (18) ألف طالب فيه، إلا أنه لم يرافقه تطبيق عملي لهذا المشروع الحيوي، ولم توفر له البنى التحتية من مدارس مهنية وتقنية والتجهيزات اللازمة إضافة لنقص المعلمين وتدريبهم على هذه الموضوعات، ناهيك عن التوسع في تطبيقه مما أعاق المتابعة وتوفير جميع المتطلبات.
وفيما يتعلق بملف تطوير المناهج وتوظيف التقنيات الحديثة في التعليم قال: فلا شك أن على المركز الوطني للمناهج العمل على ترجمة التوجيه الملكي في هذا المجال.
ودعا أبو غزلة المركز الوطني لتطوير المناهج ووزارة التربية والتعليم للسير معا قدما باستكمال إعداد الخطط الإستراتيجية التي بدأت بها في تطوير المناهج وإقرار الأنظمة التكنولوجية وإستراتيجيات التعلم، وتوفير كل مستلزمات النجاح لتوظيف إستراتيجيات التعليم المختلفة(التعلم عن بعد، التعلم الهجين، التعليم المتمازج، التعليم الوجاهي).
وأوضح أبو غزلة، إن المعلم المتمكن والمتدرب والمعد إعدادا جيدا هو الذي يقود عملية التطوير والتغيير في مجتمعه ومدرسته، وهو الركن الأساس في إعداد وتنشئة الأجيال ليسهموا في قيادة التغيير في مستقبل أوطانهم.
ودعا للانفتاح والتعاون مع الجامعات والجهات المحلية والدولية والمؤسسات المختصة على المستويات كافة لإثراء خبرات المعلمين، بخاصة في المجالات الأكاديمية، وإعادة النظر بأساليب وأدوات تقييم أداء المعلمين وربطها بأداء الطلبة، وتطوير نظام المساءلة المهنية في ظل نتائج التقويم المهني المدعم بالبراهين والنتائج الموثقة.
وشاطرهم بالرأي، الخبير التربوي عايش النوايسة الذي قال إن وزارة التربية والتعليم بدأت بمشروع طموح للتحول في شكل التعليم "نظام بيتيك" ، لافتا إلى أن هذا النظام يعد حاجة وليس ترفا، كون البطالة هيكلية في التخصصات التقليدية وهناك تحول في سوق العمل.
وهذا يتطلب من الوزارة، بحسب النوايسة المواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل عبر التحول للتعليم التقني المرتبط بالحاجات والذكاء الصناعي.
وأكد على ضرورة تطوير الخطط في مجال التعليم المهني بحيث يركز على التعليم التطبيقي بصورة أكبر، لافتا إلى أنه يحتاج للتحول في مناهج التعليمية؛ لتصبح مرنة قادرة على أن تواكب العصر وتنمي المهارات التطبيقية التقنية لتركز على الجانب التطبيقي أكثر من النظري، وهذا الأمر يتطلب إعادة النظر في الأوزان التعليمية بحيث تركز على الوزن التطبيقي في المناهج أكثر منها في الجانب النظري وهذا ما تضمنه "نظام البيتيك"، الذي اعتمدته الوزارة.
وبين أن هذا الأمر يتطلب بيئة تعليمية تتمثل بالحاجة لمختبرات نوعية ومعلمين مؤهلين قادرين على أن يقودوا هذا التحول من خلال تدريبهم بشكل مستمر.
ولفت إلى إن المعلم بحاجة للتحول في أنشطة التدريس وعمليات إستراتيجيات التدريس، فلم تعد إستراتيجيات التدريس التقليدية التي ترتكز على التعليم المباشر ناجحة حتى نحقق هذا التحول.
ونوه إلى أننا بحاجة لتحول جذري في عمليات التعلم والتعليم بما يتواءم مع مشروع التحديث الاقتصادي وفق الرؤية الملكية، حيث إن هناك أنشطة تعكس هذا التطور المستقبلي الذي نصبو إليه للتحول بشكل التعليم من تقليدي للتعلم التقني والرقمي الذي يتطلبة سوق العمل.