عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    31-Dec-2024

"بوح الأقنعة".. قراءات في الأدب المسرحي لحسن ناجي

 الغد-عزيزة علي

 يقول الشاعر والكاتب المسرحي الأردني حسن ناجي في مقدمة كتابه "بوح الأقنعة: قراءات في الأدب": "إن فضاء الإبداع هو خلق الدهشة من أمر مألوف. وهذا ما نراه أو نحسه أو نشعر به مع صور حياتية كثيرة. فالأم، على سبيل المثال، تصنع لطفلها من خيوط أو أسلاك أو عيدان ثقاب أو قطع ممزقة من الثياب أشكالا تبعث فيه الدهشة. والرسام، من خلال لون واحد أو  ألوان عدة، قد يثير فينا الدهشة، وكذلك الموسيقي الذي يستطيع من خلال آلة صغيرة أن يبعث هذه الدهشة في نفس السامع.
 
 
ويضيف ناجي في كتابه الذي صدر ضمن "مدن الثقافة الأردني"، وسلسلة فكر ومعرفة، التي تصدرها وزارة الثقافة، أنه لم يقف يوما أمام أي منتج إبداعي كتابي بموقف استباقي من الرفض أو القبول، بل "كنت وما أزال محكومًا بالدهشة التي يبعثها المنتج ذاته". ويضيف: "حكمي يتسع أو ينحسر حسب ما يولد في نفسي من دهشة، بغض النظر عن جنس المنتج: قصة، رواية، مسرحية، خاطرة، أو أي اسم آخر يناسب النص. من هنا، أقول: "إن النص الكتابي يحمل بذرة إبداعه فيما يثيره في النفس من دهشة". أما الكاتب، بالحروف فهو محفوظ غيبا، يضعنا أمام سلم الدهشة. والرياضي، والفلاح، وسائق الدراجة، ومدرب الحيوانات الأليفة والمفترسة، هؤلاء لديهم اللغة الخاصة في الإبداع".
 
ويقول المؤلف: "إنه أحب أن يبدأ بالمألوف من حياتنا، والبسيط من الأدوات: إن الإبداع مرهون بملكة المبدع مهما كانت الأدوات". ويضيف: "هنا أتحدث عن الإبداع الكتابي، ولا أقيد المنتج الإبداعي بالطول أو القصر، ولا بالاتساع أو الضيق، ولا بالكثرة أو القلة، بل بما يبعثه في النفس البشرية من دهشة من أمر مألوف".
ويشير ناجي إلى أنه لم يقف يوما أمام منتج إبداعي كتابي بموقف استباقي من الرفض أو القبول، بل كان وما يزال محكوما بالدهشة التي يبعثها المنتج ذاته. ويضيف: "حكمي يتسع أو ينحسر حسب ما يولد في نفسي من دهشة، بغض النظر عن جنس المنتج: قصة، رواية، مسرحية، خاطرة، أو أي اسم آخر يناسب النص. من هنا، أقول إن النص الكتابي يحمل بذرة إبداعه فيما يثيره في النفس من دهشة".
ثم يتحدث المؤلف عن الإبداع الكتابي، مبينا أن "المبدع هو ابن بيئته وثقافته"، وهو لا يحتاج إلى شروط التجنيس والمسميات التي أصبحت عند القراء قوالب  من دون روح، أرهقهم بها النقاد بانحيازهم إلى مسميات غير قابلة للتعديل أو التطوير أو التحوير. من هنا، نرى النقاد يشنون حملات التجريح على كل ما هو جديد من أنواع الكتابة، بغض النظر عما يحمله النص من دهشة مستساغة. وأرى أن المشكلة لا تكمن في النص، إنما في النقاد أنفسهم؛ لأنهم محاصرون ومنحازون إلى القوالب والأجناس الأدبية التي ابتكروها من شعر، ورواية، ومسرحية، وغيرها.
ويشير ناجي إلى جودة النص، وجنس العمل وقالبه الذي درسوه فيه. ورغم ذلك، فقد فرض شعر التفعيلة صياغته ومعناه على المنتج الإبداعي، وجاء بعده الشعر المنثور، أو ما أطلق عليه بول شاؤول: "قصيدة الشر". وكان لهذا النوع من القصائد حضورها الإبداعي، وظهر أخيرًا جنس جديد من الأدب أطلقوا عليه "القصة القصيرة جدًا". وبعدها ظهرت المسرحية القصيرة جدًا، وقصيدة البيت الواحد كما تمناها "بشار بن برد" قبل أكثر من ألف سنة.
يضيف: من هنا، نعرف أن المبدع متمرد على القوالب والقيود، والمسميات المحددة. وهذه السمة ليست جديدة على الأدب العربي، إذ تجاوز بعض شعراء العرب قديمًا بحور الفراهيدي، وكتبوا قصائدهم خارج موسيقاه. وكانت قصيدة البيتين، أو الثلاثة أبيات، كما جاء في "المفضليات" و"الشعر والشعراء" وغيرهما من الكتب.
وقد وجدوا في قول الحكمة والمثل ضالتهم في التكثيف والاختصار، بينما ما يزال النقاد يجلدون النص الشعري بسوط موسيقا الخليل. وما نزال نؤطر للجنس الأدبي بقواعده ومستلزماته وشروطه، ونعيب كل من لا يلتزم بهذه الشروط، رغم أننا نسينا في حملتنا النقدية شرطا مهما هو "الدهشة" في العمل الأدبي. فكانت ألفية ابن مالك عندهم شعرًا، وهي ليست كذلك كما يعرف الدارسون، مع أنها ملتزمة بقواعد الشعر وموسيقاه، والسبب في ذلك يعود إلى غياب الشعرية التي تخلق روح الدهشة."
أما القصة، والرواية، والمسرحية، والشعر أيضًا، فيرى ناجي أنها أعمال درامية تنتصر للفعل الدرامي المتنامي داخل نصها. ويكون التنامي الحركي للفعل على صورتين:"الصورة الأولى تتمثل في الحركة الخارجية، التي تشمل التنقل من مكان إلى آخر، والحركات الجسدية لشخصيات النص الدرامي، إضافة إلى طريقة النطق بالكلمة.
أما الصورة الثانية، فهي الحركة الداخلية، التي تختزل الجمل والعبارات والمعاني التي تعكس صخب هذه الحركة. مثلا، في جملة "أمشط غزة الصحو، وأبدأ سهراً جميلا"، وعلى الرغم من قلة كلماتها، فإنها تبعث فينا مدلول الحركة الداخلية التي أرادها الكاتب. ونلاحظ أن هذه الجملة قد خلت من الوصفية التي قد تميل إلى الثبات أكثر من الحركة، إذ إن استخدام الفعل المضارع يبعث في المعنى دلالة الحركة الدرامية التي تمثل العمود الفقري للعمل الدرامي. وهذه الحركة الداخلية نجدها كثيرًا في الشعر، حيث يعتمدها الشاعر ليبقى قادرا على جذب السامع، أو القارئ الواعي في دلالة الحركة الداخلية، وتنامي الفعل فيها.
وخلص ناجي إلى أنه حاول في كل ما قرأه أن يبعث الدهشة التي أحس بها داخل النص إلى القارئ، بعيدا عن جنس الأدب. فالنص الإبداعي هو وليد الابتكار، من خلال الإحساس الذي يسكن كاتبه. فكما استمتعت أنا بما قرأت، أتمنى أن تستمتعوا أنتم أيضا بهذه النصوص الأدبية التي قمت بقراءتها.