عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Nov-2020

زملاء المؤسسة..!*علاء الدين أبو زينة

 الغد

سوف يلتقي المطالع لنتاجات “المؤسسات الفكرية” المزدهرة في الغرب بمفكرين وباحثين عرب يحملون لقب “زميل” المؤسسة أو “زميل فلان”. وبطبيعة الحال، يعطي اللقب لهؤلاء الكتاب سلطة، لكنهم يستخدمونها في ترويج خطاب موجه، تتحدد خطوطه العريضة بقبول الكاتب بالعمل للمؤسسة الفكرية المعنية.
ذات مرة، أرسل إليّ أحدهم رسالة يشكرني فيها على اقتباسه في مقال، ثم وجدت مقالاً له في موقع مؤسسة فكرية غربية معروفة التوجه والتمويل، يصف فيها أعمال المقاومة الفلسطينية بـ”الإرهاب”، وهو فلسطيني. وبدا لي خطابه في المقالين “ذكياً” من حيث تكييف البضاعة حسب الطلب. وهذا النوع من “الذكاء” صفة ضرورية لهؤلاء “الزملاء” العرب الذين ينتجون خطاباً معادياً للمصالح العربية بوضوح، في ثوب الناصح العميق، غالباً على أساس أن ما يخدم هذه المصالح فقط هو الانسياق الهيّن مع التيار الساحق لقوى الهيمنة والامتثال لتعريفاتها وإراداتها. وفي إحدى هذه المؤسسات التي تعرف نفسها بأنها تنصح السياسة الأميركية، ينتهي المقال دائماً بتقديم توصيات لصانع القرار الأميركي حول أفضل الطرق لتمرير السياسة الأميركية على العرب بلا عوائق ومطبّات.
أبرز عنوان يكتب فيه معظم هؤلاء “المفكرين” في تلك الأماكن هو علاقة العرب بالكيان في فلسطين المحتلة. وهم يسمونه بطبيعة الحال “إسرائيل” أو “اليهود” و”الدولة اليهودية”. ومدخلهم ومخرجهم في مقارباتهم دائماً وباختصار هو تطبيع الكيان واعتبار العداء معه غير طبيعي. أما التسويغ فـ”إنساني” بالتركيز على علاقات بين عرب و”إسرائيليين” كمثال مطلوب على التلاقي الإنساني، أو هو “سلمي” على أساس أن الثقافة العربية والدينية الإسلامية تأسست على قبول الآخر دون اعتبار لدينه أو عرقه أو جنسه.
قبل أيام، مثلاً، كتب مصري وُصف بأنه “زميل غيلزر السابق” عن تعامل بلده، مصر، مع ذكرى حرب أكتوبر 1973. وبدأ بخطاب لرئيس بلده في ذكرى المولد النبوي الشريف: “اعتبر (الرئيس) مناظرًا أنّ احتفال المسلمين بالمولد النبوي الشريف يجب أن يتمّ من خلال التحلّي بالأدب على غرار النبي محمد والتمثّل بحسن أخلاقه إزاء ‘الآخرين جميعهم’. وبدا ذلك بمثابة رسالة ضمنية حول العلاقات بين المسلمين واليهود في زمنٍ جعل فيه التطبيع هذه العلاقات بين العرب وإسرائيل واضحة أكثر فأكثر”.
وبعد كثير من العرض للتناقض بين السلام مع “إسرائيل” والاحتفال بانتصار أكتوبر -الذي يرى أنه ليس انتصاراً في الحقيقة، يوصي الأميركان: “إذا كانت الولايات المتحدة تأمل في مواصلة جهودها نحو تطبيع أوسع، فيجب عليها الإشارة إلى الآثار السلبية التي تحملها الرسائل المتعلقة بحرب أكتوبر، كما يجب أن تعمل على تشجع وتسليط الضوء على الجوانب الحاسمة لانفتاح نظام السيسي تجاه إسرائيل، مثل قيامه بإحياء التراث اليهودي في البلاد واستمرار التعاون الأمني في سيناء. وفي نهاية المطاف، سيكون الابتعاد عن استراتيجية الرسائل الداخلية الحالية بشأن إسرائيل مفيدًا أيضًا لمصر، مما قد يشجع المسؤولين على صياغة شرعية جديدة للدولة تستند على الحقائق بصرف النظر عن إرث حرب 6 أكتوبر”.
بحثتُ عن “غليزر” الذي زامله الكاتب، فوجدت أنه يتصل بـ”معهد ديان وغيلفورد غليزر للدراسات اليهودية”. وهو مركز مخصص للدراسات اليهودية في نانجينغ، الصين، افتتح بعيد إقامة علاقات دبلوماسية بين الكيان والصين، ويمنح درجتي الماجستير والدكتوراه في الدراسات اليهودية.
عدد “الزملاء” العرب في المؤسسات الفكرية التي توصي بكيفية إخضاع العرب كبير. وهم مهمون لها بشكل خاص لأنهم “داخليّون” يُفترض أنهم عارفون بدواخل البيت، ولأنهم يكتبون باللغات الأجنبية (أو يُترجمون إليها) ليقرأهم الآخرون كعينة موثوقة على “النظرة العالمية العربية” وفهم العرب لمكانهم في العالَم ورغباتهم. بعض هؤلاء يظهرون إمبراطوريين أكثر من الإمبراطور ومؤمنين حتى الموت. وقد يكونون. لكن آخرين مرتزقة مُعلَنون، قبلوا فقط عرضاً مغرياً يوصلهم إلى المال أو “السلطة” الأكاديمية، والذي لا بد أن يصادف –بطريقة أو بأخرى- أصحاب القدرة على الكتابة وصياغة قضية.
مع جمهور أجنبي واثق وصاحب عمل راضٍ، سوف يستمتع هؤلاء بالتهليل والإجلال والترويج عندما يقولون إن العرب يعادون اليهود، لأنهم يهود. وسوف يُغفلون طبيعة الكيان الاستعماري/ الاستيطاني الموثقة في المراجع والتاريخ، والتي يستحيل أن تغيب عن بال “باحث” و”مفكر”. وسوف تُفتح لهم المنصات والشاشات -وأبواب الرزق الواسع عندما يبيعون “المعرفة” التي تحدّدها تعاقداتهم الفاوستية مع الشيطان.