عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Apr-2021

كيف خسرت أميركا إيران؟*د. موسى شتيوي

 الغد

لقد كانت إيران قبل الثورة الإيرانية الحليف الأوثق للولايات المتحدة في المنطقة وكانت حارسة لمصالحها الاستراتيجية .هناك القلة ممن يتذكرون أن البرنامج النووي الإيراني قد بدأ باتفاق أميركي إيراني العام 1957 والذي من خلاله تقوم أميركا بتزويد إيران بالتعليم والتكنولوجيا النووية ولاحقًا باليورانيوم المخصب والمفاعلات النووية لأغراض سلمية ولكن الاتفاق في حينه يُعبر عن عمق العلاقة الاستراتيجية في البلدين.
تحولت إيران لأشد أعداء الولايات المتحدة وبعد توقيع الاتفاق الاستراتيجي الصيني الإيراني، تكون أميركا قد خسرت إيران ولصالح أشد منافسيها. ولكن كيف خسرت أميركا إيران؟ البداية مع الثورة الإيرانية العام 1979 والتي أطاحت بشاه إيران الحليف الأوثق للولايات المتحدة وكان من الطبيعي أن تكون الثورة الإيرانية معادية لأميركا كونها كانت تدعم الشاه قبل الثورة والكل يذكر أيضًا أزمة السفارة الأميركية بعد الثورة والتي رسمت حدود العلاقة بين النظام الجديد وأميركا.
مُدركة للخطر الذي تمثله إيران الجديدة على المنطقة، انحازت اميركا وحلفاؤها العرب للعراق في حربه مع إيران ولكن سرعان ما تخلت عنه بعد نهاية الحرب وتركته ليواجه أزمته الاقتصادية وحده وبقية القصة باتت معروفة للجميع.
مصدر الإزعاج للولايات المتحدة وحلفائها من إيران يأتي أولًا من خلال دعم إيران لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين وحركات المعارضة في دول الخليج العربي والتي تمت على أسس مذهبية تحت بند تصدير الثورة حيث باتت ايران تتحكم بمجريات الامور في عده دول عربية، وثانيًا من خلال سعي إيران لتطوير وامتلاك الأسلحة النووية والذي اعتبر تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها بالمنطقة وخاصة لإسرائيل ودول الخليج. السلاح الأهم بالنسبة للولايات المتحدة كان المقاطعة والعقوبات الاقتصادية التي تفرضها على إيران وحلفائها والتي ثبت تاريخيًا عدم جدواها من جانب وفتحت المجال لروسيا والصين لتوثيق علاقاتهما مع إيران وملء الفراغ من جانب آخر. ثالثا الانحياز التام للسياسية الإسرائيلية في المنطقة وعدم قدرة الولايات المتحدة على إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية وارتهان السياسة الأميركية بالمنطقة للمصالح الاستراتيجية الإسرائيلية. لقد شكل احتلال العراق نقطة تحول استراتيجية مهمة لأنها أولًا اسقطت نظام صدام الذي كان يشكل سدا منيعا أمام السياسات الإيرانية في المنطقة وسلمت العراق للمعارضة المذهبية المرتبطة عضويًا مع إيران و مصالحها. هذه السياسة أفسحت المجال تدريجيًا لإحكام سيطرتها على العراق وتراجع تأثير اميركا على العراق وبات وجودها العسكري مهددا ايضا.
الاتفاق النووي الإيراني العام 2015 مع الدول دائمة العضوية والاتحاد الأوروبي شكل علامة فارقة في العلاقات الأميركية – الأوروبية – الإيرانية، وكانت الفرصة الأقرب لعودة إيران ولو تدريجيًا للحضن الأميركي الأوروبي. ولكن المعارضة الإسرائيلية والخليجية الشديدة للاتفاق وعدم شمول الاتفاق النووي دور إيران الإقليمي المتمدد واستمرار تطوير إيران للصواريخ البالستية، أدى بترامب إلى الانسحاب من الاتفاق النووي والإمعان في فرض العقوبات الاقتصادية الأشمل على إيران مما أدى لزيادة التوتر والاحتكاك بين البلدين.
هذه السياسات ادت بإيران للتقرب للصين وروسيا كخيار استراتيجي وفي نفس الوقت للإفلات من العقوبات الأميركية. دخلت إيران في تحالف استراتيجي سياسي مع روسيا في المنطقة وخاصة في سورية حيث أصبحت إيران أحد اللاعبين الرئيسيين عسكريًا وسياسيًا وحتى اقتصاديًا. وفي الوقت نفسه، تعاظمت العلاقة الاقتصادية بين إيران والصين والذي تم تتويجها بالاتفاق الاستراتيجي الشامل مع الصين والذي سيكون بمثابة طوق نجاة استراتيجي لإيران.
أما بالنسبة للاتفاق النووي ورغبة بايدن بالعودة إليه ضمن شروط مُحددة فيما يتعلق بالصواريخ البالستية ودور إيران الاقليمي، فلم تعد إيران مستعدة لتقديم تنازلات، لا بل على العكس تمامًا فهي تشترط رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية قبل العودة للاتفاق وهو ما يضع أميركا في مأزق استراتيجي في سياستها الشرق أوسطية عمومًا ومع إيران تحديدًا.
الخيارات أمام أميركا مع إيران باتت محدودة فهي في حالة وهن استراتيجي عالميًا وإقليميًا فإما أن تعود للاتفاق النووي الإيراني دون شروط وهذا إن حصل سيكون كارثة على المصالح الأميركية والحلفاء في المنطقة وإما أن تضع نفسها على مسار الصدام العسكري مع إيران وربما مع الصين وهذا السيناريو لن يكون أقل كارثية.