عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Jul-2024

الباحث عرقوب يقدم دراسة تحليلية في "شعر الأسرى الفلسطينيين"

 الغد-عزيزة علي

 صدر عن الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، كتاب بعنوان "شعر الأسرى الفلسطينيين، 1967-2005: دراسة تأصيلية تحليلية"، للأكاديمي والباحث والناقد الدكتور مفيد عرقوب.
 
أهدى عرقوب هذا الكتاب إلى "أبطال الحرية، إلى الأسود الرابضة خلف القضبان، إلى المشاعل التي احترقت لتضيء طريق الحرية، إلى الشهداء الأحياء الذين يجالدون الحوت وهم في بطنه وأحشائه، إلى روح ابني (عاصم) الخالدة التي حلقت في السماء أثناء إعداد هذه الدراسة فكانت فاجعة الفواجع الداميات".
 
تحت عنوان "السجن والعناد المقدس"، كتب الأمين العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين الشاعر مراد السوداني يقول: "إن هذه الدراسة استثنائية بما تقدمه من شواهد شعرية تزيد على ستة عشر ديوانا لشعراء عايشوا لحظة السجن بكل تفاصيلها وأهوالها ووثقوا التجربة بنزيفهم الشعري وبإيقاع دمهم الذي يواجه حديد السجن والسجان وسياقات الاحتلال في تمرير أشكال التعذيب والحصار والتجويع الذي تكثفه الزنزانة والسجن اللذان يسيلان خارجهما ليتحول الوطن إلى سجن ينفتح على المواجع والآلام وما يحتشد من بطولات وتضحيات وفعال بيضاء في زمن الرمل الأسود". مبينا أن المؤلف تتبع في كتابه شعر الأسرى محورين أساسيين هما نشأة شعر الأسرى وتطوره ومصادره وخصائصه وملامحه الفنية، وموضوعات شعر الأسرى ورسائله، لافتا إلى أن هذه الدراسة تشكل عتبة أولى بالغة الأهمية في شعر الأسرى والوقوف على أهم محطاته، وهو يقدم بداية يمكن للنقاد والباحثين أن يواصلوا البناء عليها في استكمال دراسة إبداعات الأسرى من خلال ما قدموه من عطايا إبداعية في الشعر والرواية والقصة والبحث في مختلف مكونات الإبداع، تأصيلا وتدوينا لإبداع الأسرى على الرغم من الظروف القاهرة التي يواجهونها والحيلولة دون تمكنهم من استخدام أدوات الكتابة ومصادرة ما يكتبونه، وتحديدا في سنوات السبعينيات.
ويرى السوداني أن عرقوب يقدم في هذه الدراسة قراءة مستفيضة لعدد من الأعمال الشعرية في محطات مختلفة من تجربة الحركة الأسيرة الفلسطينية التي قدمت وما تزال نماذج مضيئة تفضح ممارسات الاحتلال وتكشف تشوهاته وما يقترفه من جرائم يومية بحق الأسرى، هذا ما دعا أسرى الحرية لتكثيف إبداعاتهم والإصرار على الحياة من خلال ما يقدمونه من فعل إبداعي ومعرفي يؤصل تجربتهم ويقدمها شهادة حية يحفظها التاريخ.
وخلص السوداني، إلى أن الأسرى منذ الثلاثينيات وثورة القسام استطاعوا ان يقدموا نماذج فخر بصمودهم وإبداعهم وما حفروه على جدران الزنازين من أشعار باقية ظلت شاهدة على صلابتهم وتحديهم، وما قصيدة المناضل عوض النابلسي في العام 1937، وهو ينتظر الإعدام في السجن إلا دليل واضح على ذلك. حيث إنه حفر على جدران الزنزانة بآلة حادة قصيدته الراسخة والتي مطلعها "يا ليل خلي الأسير تيكمل نواحه"، مؤكدا أن هذه الأشعار ستظل علامات تشهد لأسرانا بالتحدي والثبات والمعاندة لكل صنوف التطويع، فهم نماذج صادحة بحقيقة بلادنا الصامدة والتي تصر على الحرية الكاملة على كامل التراب والعودة الكاملة.
ويقول د. مفيد عرقوب في كلمة بعنوان "فاتحة الكتاب": "إن هذا الكتاب لم يأت من فراغ، بل نتيجة تجربة عاشها من داخل سجون الاحتلال فقد سجن خمس سنوات، وعاش حياة السجن وآلامه وآماله، واختلط بعلمائه وأدبائه وشعرائه، وتولدت في نفسه القناعة بضرورة الكتابة عن شعر الأسرى، حيث اطلع على القصائد التي نظمها الأسرى الفلسطينيون".
ويشير عرقوب إلى حصر مادة هذه الدراسة في ستة عشر ديوانا لثلاثة عشر شاعرا وهم مع دواوينهم الشعرية: "برهان السعدي: شعر على  الدرب، خضر محجز: اشتعالات على حافة الأرض، سامي الكيلاني: قبل الأرض واستراح، عبدالعزيز الرنتيسي: ديوان حديث النفس، عبدالناصر صالح: ديوان المجد ينحني أمامكم، وديوان الفارس الذي قتل قبل المبارزة، فايز أبو شمالة: حوافر الليل: كمال غنيم: شروخ في جدار الصمت، المتوكل طه، رغوة السؤال، زمن الصعود، فضاء الأغنيات، محمد عبدالسلام: مواطن من الزنزانة، محمود الغرباوي: رفيق السالمي يسقي غابة البرتقال، معاذ الحنفي: ديوان أعلق في ليلك الليلك، معاذ الحنفي: ديوان أوراق محررة من سجن نفحه، وسيم الكردي: وازدان بحرك بالحناء".
ويقول المؤلف: "إنه في هذه الدراسة اتبع المنهج التكاملي الذي يعتمد على مناهج متعددة منها "المنهج الوصفي، وأعان هذا المنهج في وصف السجون الإسرائيلية والظروف التي عاشها الأسرى، والمنهج التحليلي، الذي استخدم في تحليل هذا الشعر تحليلا دلاليا؛ لمعرفة المعاني المستكنة وراء التراكيب اللغوية الظاهرة، والمنهج النفسي؛ لمعرفة نفسية الشاعر الأسير من خلال شعره"، مبينا أنه استعان بالمنهج التاريخي في تتبع الأحداث التي مرت بها القضية الفلسطينية عموما، والحركة الوطنية الأسيرة خصوصا.
ويقول عرقوب: "إنه في هذه الدراسة رصد خمس قضايا رئيسة يدور حولها هذا الشعر وهي، أولا: إن هذا الشاعر الأسير، هو الذي سجن ووقعت عليه شتى ألوان التعذيب، فهذا الشاعر انطلقت روحه من غياهب السجون متدفقة بهذا الشعر الذي يعبر عن الآلام التي اعتصرت فؤاده، وأقلقت نفسه، وقضت مضجعه، فجاء هذا الشعر واقعيا، معبرا عن تلك المعاناة أصدق تعبير؛ لذا خلا من التصنع، وتميز بالبساطة والشفافية، مصورا واقع الإنسان الفلسطيني داخل السجن وخارجه أتم التصوير، عاقدا الأمل على انتفاضة الشعب الفلسطيني لتحريره، ومركزا على طفل الحجارة الذي تكلم الحجر في يديه، معلنا عن بدء مرحلة جديدة من مراحل النضال الفلسطيني".
ثانيا الوطن، فهذا الشعر وطني بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان، والوطن عند هؤلاء الشعراء مقدس، وهو عروس، مهرها الأروح والنفوس، ويستحق كل تضحية، أما الثالثة، فهي الإنسان العربي خارج هذا الوطن، وأما الرابعة فهي الإنسان غير العربي الذي يؤازر العدو، فإن الشاعر يخاطب هذا الإنسان خطابا يكشف فيه عن أساليب العدو الصهيوني؛ لعل ذلك يسهم في توقف هذا الدعم له، أما الخامسة فهي محور العدو، ويوجه إليه الشعر تهديدا ووعيد وسخرية، وكشفا لمخططاته، وتعرية وفضحا لأساليبه، وهذا الشعر يكاد يكون كالقنابل في وجه هذا العدو الذي لا تأخذه بالأسرى رحمة؛ فيتفنن في ممارسة جميع أنواع العذاب في حقهم.
وعن الملامح الأدبية في هذا الشعر يقول عرقوب: "إن هذا الشعر يتميز بالواقعية والصدق، يتناول قضية واضحة وعادلة، وهي قضية فلسطين، التي يشكل السجن جزءا منها، ولا مجال لغير الصدق والواقعية في التعبير عنها، وتصوير الأحداث التي تدور حولها، ثم إن هذا الشعر تعلوه مسحة من الحزن والألم، فهو شعر سجين حزين يعبر عن قسوة السجن، وتفنن السجان في تعذيب الأسرى".
ويشير المؤلف إلى أن هذا الشعر جاء موجزا، تُعرض فيه المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة مع الإبانة والإفصاح عنها، ليسهل ترسخها في الذهن، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لأن الشاعر الأسير مراقب وتحصى عليه أنفاسه في السجن؛ لذا لا يوجد عنده وقت لإطالة الكلام وتنميقه؛ وعليه جاء هذا الشعر على شكل مقطوعات تمتاز بالاختصار الشديد، والمعنى السديد،  فهي أقرب ما تكون إلى أدب التوقيعات، وتميز هذا الشعر بالوحدة الموضوعية، فعندما تقرأ هذا الشعر يبدو لك وكأنه قصيدة واحدة لشاعر واحد.
ويرى عرقوب أن هذا الشعر يتكئ على الرمز، فعلى سبيل المثال يتحدث الشاعر عن فلسطين وكأنها معشوقة ومحبوبة، ولهذا الرمز في هذا الشعر ما يسوغه؛ فالشاعر مراقب، ومعتقل، ومحاسب على كل كلمة يقولها؛ لذا لجأ إلى  الرمز ليخفي وراءه ما يريد، ليتخلص من أذى العدو الذي يحاسبه على شعره، ويعتبره تحريضا عليه، فهذا الشعر يؤسس لما يمكن أن يطلق عليه "التاريخ الشعري"، لهذه الحقبة السوداء من تاريخ فلسطين، في تنكيل هذا العدو بهذا الشعب الأعزل، ومن هنا يصلح هذا الشعر لأن يكون وثيقة تاريخية مهمة تؤرخ لهذه الحقبة من تاريخ فلسطين الحديث تحت الاحتلال الإسرائيلي، ويفيد هذا الشعر المؤرخ، ليكون مصدرا ثريا من مصادر التاريخ الفلسطيني الحديث.
وخلص المؤلف إلى أن هذه الدراسة كشفت انسجاما مع القاعدة البلاغية السابقة أن من أبرز الأساليب البلاغية الإنشائية استخداما عند هؤلاء الشعراء هو أسلوب الاستفهام بأكثر أدواته ومعانية؛ وربما يعود ذلك لأن نفسية الشاعر قلقة ومضطربه؛ فهي في السجن في غير موقعها الطبيعي الذي تريد وتحب؛ لذا فإن الشاعر لا ينفك عن السؤال والاستخبار والاستفهام والاستعلام عن مصير قضيته الوطنية الذي يرتبط مصيره بها، وهذه التساؤلات أعطت أسلوب الاستهفام مساحة واسعة في شعر السجون في فلسطين بمختلف أدواته ومعانية البلاغية، حيث وجدت هذه الدراسة على قلة أسلوب التمني، وقلة الإنشاء غير الطلبي؛ ولعل ذلك يرجع إلى أن الشاعر الفلسطيني لا يبني مصيره على آمال وتعللات قد تقع أو لا تقع؛ فهو يحب أن يبني أمله على يقين قاطع يخلصه من هول السجن والسجان؛ لذا قل التمني والترجي في هذا الشعر.