عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Apr-2021

الهلال الحزين 2*د.عاصم منصور

 الغد

تستقبل الدنيا هلال رمضان، ضيفا عزيزاً، وكريماً بما يحملهُ من معاني البركة، والطهر، والنقاء، والإرادة الحقيقية للإنسان. لكن هلالنا هذا العام يطلّ علينا حزيناً، وهو يرقبُ ما يحدث في العالم من تغيّر وتقلّب في الحال والأحوال، فقد استحكم الوباء في غيبته، مخلفاً الكثير من الضحايا والمآسي، ومتسبّباً في تفاقم عقبات كثيرة سواءً كانت اجتماعية، نفسية أو اقتصادية. فلم يَسْلم من شرّه أيّ من مناحي الحياة العامة، وحتى الخاصة مع الأسف!
بهذه المقدمة كنتُ افتتحتُ مقالاً لي كتبته عشية رمضان الماضي، ولم يدُر في خلدي أن هذا المقال لم يفقد صلاحيته حتى اللحظة، فمرّة أخرى نستقبل هذا الشهر الفضيل، ويطل علينا هلاله، والعالم ما يزال يئن من وطأة هذا الوباء، الذي ألقى بظلاله الواجمة على آلاف المنازل في مختلف أصقاع الأرض، وختم على قلوب ساكنيها بوجع الفقد.
ويحل علينا رمضان، وما تزال المساجد تشتاق للقائمين فيها، والمتعبدين، والناسكين وتشتاق مآذنها لإطلاق نداء: “قوموا الى صلاتكم”، “حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح” لكن صوت المؤذن ما فتئ يردّد بكمد: “صلّوا في رحالكم”!
لقد كان يحدوني الأمل أن تتغلب البشرية على هذا الوباء، لكننا ما نزال نصارع في خضم المعركة، فحتى اللقاح الذي توقعّنا أن يكون في متناول شعوب العالم، واصل تعثره في الوصول إلى كل إنسان له الحق في العيش والحياة الكريمة، واحتكرته أنانية الدول الغنية التي استأثرت بنصيب الأسد منه، بل تاجرت فيه ومنعته عن الدول الفقيرة التي لم تكن ضمن حساباتها. وقد عايشنا مرحلة صعبة من الخوف والقلق بين: التردّد في الإقبال على أخذ اللقاح من قبل شريحة واسعة، ممن تأثروا بتبني نظرية المؤامرة، وبين فبركات السوشال ميديا ومعلوماتها المضللة.
ويأتي رمضان هذا العام بالرغم من قسوة وتدهور الوضع الإقتصادي الذي تمرّ فيه البلد، وهو في اسوأ احواله، كما يشهد ارتفاعا مطرداً في تسجيل أرقام العاطلين عن العمل، وتزداد قضية البطالة تعقيداً مع تزايد أعداد الخريجين، وانكماش سوق العمل. ويأت رمضان شهر المودة والإحسان والتلاحم الأسري الذي كان يجمع العائلة والأصدقاء على مائدة واحدة، بينما تباعد القلوب يفوق تباعد الاجساد، حيث تطغى الأنانية، وخطاب الكراهية والتهكم على كل منجز وطنيّ حتى ولو كان بسيطا، على منتدياتنا وصفحاتنا الاجتماعية.
لكن وعلى الرغم من كل ما قيل وذكر، يبقى الشهر الفضيل هو الأيقونة التي تحمل الكثير من المعاني الإنسانية والروحية الجميلة، منها القديم الذي ألفناه، ومنها ما يستجدّ وفقاً للظرف المصاحب.
فأوقات الشدة والمحن سوف تعطي معنى وبعداً جديدين لمفهوم الترابط الاجتماعي ولتعزيز قيم الغيرية، ونبذ الأنانية. كما سيظل هذا الشهر الكريم وفيّاً لتقاليده الراسخة ومطلقا دوافع عمل الخير، ومحفزّاً في أنفسنا وقلوبنا الحث على عمل المعروف، وباعثاً معاني التقوى والورع. يربّي الناس على قوة الإرادة وتحمّل الشدائد، والانتصار على مصاعب الحياة ونوائبها: ليغيّر في وقت واحد الكثير مما أعتدناه في حياتنا، وحياة ملايين البشر في شتى بقاع الأرض من عادات، بحيث يتغير السلوك اليومي الفردي والجماعي على نحو واسع، وينقلب برنامج الحياة اليومية، وتتمايز طريقة إشباع احتياجات الإنسان الأساسية في البدن والروح والحياة.
فسيحة هي آفاق الشهر الكريم، وعديدةٌ فرصه، وخفية أسراره، وحري بمن أدرك معانيه، وذاق حلاوة الطاعة فيه، أن يجعل منه ساحة لكل طيب من العادات والأخلاق يلتزمها وينشرها، ويتقاسمها خصوصا في هذه الظروف العصيبة، والتي تشكل اختباراً عملياً لحقيقة الإيمان، وأثره في حياتنا، وجوهر العبادة وانعكاسها على ممارساتنا اليومية.