عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Dec-2018

سحب الاعتراف بالكيان العبريبين الممكن والمستحيل* مصطفى أبو السعود
مدونة - 
قرر أحد الرجال العثمانيين افتتاح حماماً تركياً جديداً ،ومن أجل جذب الزبائن بطريقة مبتكرة للحمام قام بتعليق لافته كبيرة كتب عليها "دخول الحمام مجانا"،ذاع صيت الحمام الجديد في البلدة بأكملها وتهافت الناس عليه،وبعد دخول الزبائن إلى الحمام كان يحتجز الرجل ملابسهم ،وبعد أن ينتهى الزبون و يقرر الخروج ،يرفض صاحب الحمام تسليمه الملابس إلا بعد دفع ثمن استخدام الحمام .
هنا فوجئ الزبائن بتراجع الرجل عما كتبه على اللافتة بأن دخول الحمام مجاناُ ،وعندما واجهوه بما كتب  على الباب رد قائلاً "دخول الحمام مش زي خروجه" ، وأصبح رد صاحب الحمام مثلاً يتداوله الناس عندما يتورط شخص في مشكلة بالرغم من أن بدايتها لم تكن تنبأ بنهايتها .
اسقاطاً لفكرة الرجل التركي على واقعنا الفلسطيني والعربي، فقد استطاع العدو اغراء بعضنا بدخول المعترك السياسي من بوابة الاعتراف المتبادل، فتوهم بعضنا بقدرته على تحقيق ما يصبو إليه، فخلعوا ملابسهم ونعالهم، ودخلوا حمام السلام، دون أن يقرأها رأي القرآن والتاريخ في اليهود وغدرهم، فاكتشفوا أن سحب الاعتراف بالكيان الصهيونيليس مثل الاعتراف.
لكن وبعد مرور ربع قرن على الاعتراف بالكيان الصهيوني بدأت الاصوات تتعالى بضرورة سحب الاعتراف، فلا يخلو مجلس سياسي من المطالبة بضرورة بذلك في خطوة رد اعتبار للقضية الفلسطينية التي ما استفادت  من ذلك الاعتراف شيئاً.
ولو تأملنا في منطلقات تلك المطالبات سنجدها تسير وفق رؤي  تفتقد للانسجام المُغري ، بللا أبالغ لو قلت أنها متناقضة، ففريق يطلب سحب الاعتراف بالكيان الصهيونيلأنهيرى فيه تصويب لمسارٍ سياسي ماكان يجب أن يكون ،لأن الاعترافبقاتلك ومغتصب حقك هو سابقة غير شريفة في التاريخ الحديث، وهوإهانة للتاريخ والجغرافيا الفلسطينية والشعب الفلسطيني بأحيائه وأمواته، هذا المطلب  أقرب للحقيقة لأنه ينم عن رغبة صادقة من أصحابه أنهملم يكتفوا بالشعارات فقط، بل مارسوا ذلك على أرض الواقع من خلال مقاومة الكيان الصهيوني  بكل شيء،لانهم يرون أن الرد المنطقي  على وجود الاحتلالهو خلع السن بدل تناول المزيد من المسكنات.
بينما ينطلق الفريق الثاني  في دعوته لسحب الاعتراف بالكيان الصهيوني من باب التكتيك والمناورة تماشياً مع المطالب الشعبية ونفي الحرج عن نفسه،حيث يحاول أصحابهلعب دور البطولة في مسلسل يعرف المشاهدون أنه مسلسل أقرب للتهريج ، لأن هذا الفريق رمى بكل ثقله في حضن الكيان الصهيوني ولم يحتفظ بورقة قوة.
لكن السؤال المطروح بقوة هل سحب الاعتراف أمراًممكناً أم أنه أمنية مستحيلة ؟ 
الاجابة عن هذا السؤال تقتضي التجول في أروقة الفعل السياسي والميداني الفلسطينية والعربية والدولية، فعلى الصعيد الداخلي هلجبهتنا الداخلية جاهزةلتلك الخطوة،  وماذا عن  المحيط العربي الرسمي ، وهل سيدعم العالم تلك الفكرة؟
من المؤسف أن تكون الإجابة " لا " فبعضنا متمسك بالكيان الصهيوني ويدافع عنه بكل قوة قولاً وفعلاً، بل ويدعو غيره للتعامل معه باعتباره حقيقة لا مفر من الاعتراف بها، ثم إن الهرولة العربية الرسمية تجاه التطبيع تنفي امكانية تحقيق تلك الفكرة ، بل إن من يتأمل بذلك يجد أن التطبيع يمد طوق النجاة لدولة الاحتلال .
هنا لا أدعو طبعا للبقاء في كنف الاعتراف،لكن سحب الاعتراف فكرة تتطلب خطوات جبارة تبدأ بإيجاد رغبة فلسطينية وعربية خاصة ممن وقعوا في شباك غرام العسل الصهيوني، ثم بوقف التنسيق الأمني وفك الارتباط الاقتصادي شيئاً فشئياً، وترك الشعب يقول كلمته ويواجه مصيره، وتحمل الألم الناجم عن ذلك، وسيكون ذلك الألم القادم من العزة أفضل بكثير من الأمل الكذاب، وإلا ستبقى هذه الفكرة امنية مستحيلة.