عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Feb-2021

يتسلّون بمحاكمة ترمب*الياس حرفوش

 الشرق الاوسط

المحاكمة الجارية في مجلس الشيوخ الأميركي للرئيس السابق دونالد ترمب ليست من نوع المحاكمات المتعارف عليها في المحاكم. صحيح أن أعضاء المجلس المائة يشكلون ما يشبه هيئة المحلفين، ويقسمون اليمين على هذا الأساس، لينظروا في القضية المعروضة أمامهم، بتجرد كامل وبناء على الوقائع التي تعرضها لائحة الإدانة، لكن أعضاء مجلس الشيوخ هم سياسيون من الدرجة الأولى، تنقسم ولاءاتهم تبعاً لأهوائهم الحزبية، وسوف تفرض هذه الولاءات عليهم الطريقة التي سيصوتون بها في نهاية المحاكمة على إدانة ترمب أو تبرئته.
والمحاكمة استثنائية كذلك، من حيث إن المتهم والمدعي غائبان عنها. المدعي، أو صاحب المصلحة في الادعاء، الرئيس جو بايدن لا وقت لديه لمتابعة المحاكمة، كما تقول الناطقة باسم البيت الأبيض، بسبب برنامج انشغالاته الحافل. والمتهم، الرئيس السابق دونالد ترمب، المنشغل على ملعب الغولف في مارا لاغو بولاية فلوريدا منذ غادر واشنطن صباح 20 يناير (كانون الثاني)، رفض الإدلاء بشهادته أمام مجلس الشيوخ وكلف فريقاً من المحامين الدفاع عنه، غير أنه قرر «متابعة المحاكمة بهدوء» على التلفزيون، كما نقلت صحيفة «واشنطن إكزامينر» القريبة منه.
في كل الأحوال، وبصرف النظر عن خطب الادعاء والدفاع التي نتابعها من مجلس الشيوخ، فنحن أمام حدث تاريخي يواجه النظام الأميركي. حدث اقتحام مبنى الكابيتول قبل أكثر من شهر بقليل، في 6 يناير الماضي، هو حدث تاريخي، لم يحصل ما يشبهه منذ أكثر من مائتي سنة. ومحاكمة ترمب هي تاريخية كذلك، ليست فقط بسبب الاتهام الموجه إليه بإعطاء الأوامر لمناصريه باقتحام المبنى الذي يمثل رمز الديمقراطية الأميركية، بل فوق ذلك لأنه أول رئيس أميركي يواجه المحاكمة مرتين خلال ولايته أمام مجلس الشيوخ. وفي المرتين كان السبب وراء السعي لإدانة ترمب هو محاولته إبعاد جو بايدن عن البيت الأبيض: في المرة الأولى بتهمة الضغط على رئيس أوكرانيا للتحقيق في النشاطات التجارية والمالية لهانتر نجل جو بايدن في أوكرانيا، وفي المرة الثانية بتهمة محاولة الضغط على أعضاء مجلس الشيوخ لمنعهم من المصادقة على انتخاب جو بايدن.
في المرتين لم تنجح محاولات ترمب. لم يكن للاتهامات الموجهة ضد نجل بايدن أي تأثير على حملته الانتخابية. ولم يكن للهجوم على مبنى الكونغرس أي تأثير على التصويت بالمصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية. وها هو جو بايدن يقترب من إكمال شهره الأول في البيت الأبيض.
ومن هنا يقول المنتقدون للمحاكمة الجارية في مجلس الشيوخ: ما هو الهدف من كل هذا؟ طالما أن «عزل» ترمب حصل فعلاً بخسارته الانتخابات، وبالتالي فإن إدانته، حتى لو تمت الموافقة عليها، وهذا مستبعد، فإنها لن تعني شيئاً من الناحية العملية. ولذلك يصفون ما يجري بأنه «مسرحية سياسية»، لا هدف من ورائها سوى الانتقام من رئيس خسر الانتخابات بكثير من المرارة، وقال بنفسه عن الخسارة إنها أصعب ما يمكن أن يواجهه شخصياً. أما المؤيدون للمحاكمة من الديمقراطيين فيعتبرونها «درساً» لأي رئيس أميركي في المستقبل كي لا يستخدم سلطاته الرئاسية لممارسة الضغوط السياسية لمصلحته الشخصية.
لا المحكمة عادية ولا المحاكمة. ومن هنا بدأت عملية عد أصوات «الشيوخ» الجمهوريين، لمعرفة كيف ستميل عند التجربة الحقيقية، أي تجربة التصويت بالبراءة أو الإدانة. أتاحت 6 أصوات من الجمهوريين للمحاكمة أن تبدأ، بعدما صوتوا بالموافقة على اعتبارها محاكمة دستورية، بعد الجدل الذي حصل حول ما إذا كان يحق لمجلس الشيوخ ملاحقة رئيس أصبح خارج السلطة. غير أن هذه الأصوات لن تكون كافية لتمرير الإدانة التي يسعى إليها الديمقراطيون، الذين يحتاجون إلى 17 صوتاً من أصوات «الشيوخ» الجمهوريين.
ولأن هؤلاء سيواجهون في نهاية الأمر صناديق الاقتراع وأصوات الناخبين، فإنهم يتابعون باهتمام وقلق ما تقوله نتائج استطلاعات الرأي، وماذا تقول هذه النتائج؟ آخر استطلاع لمحطة «إيه بي سي» و«إيبسوس» يشير إلى أن 15 في المائة فقط من الناخبين الجمهوريين يعتبرون أن ترمب يستحق الإدانة بسبب الهجوم على مبنى الكابيتول. كل الأشرطة المصورة والخطب الرنانة وتصريحات ترمب الداعية إلى «وقف سرقة الانتخابات»، ومطالبته نائبه مايك بنس بعدم المصادقة على النتائج، كل هذه لم تغير شيئاً من الدعم الواسع الذي ما زال ترمب يتمتع به داخل الحزب الجمهوري، وذلك رغم حالة الحصار الإعلامي المفروضة عليه، سواء من تويتر، منبره المفضل، أو من الصحافة التقليدية والنافذة في مركز صناعة القرار، مثل صحيفتي «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، ومحطة «سي إن إن»، والثلاث على رأس خصوم ترمب التقليديين منذ كان في البيت الأبيض.
والدعم الواسع لترمب داخل الحزب الجمهوري هو الذي يقلق الديمقراطيين أكثر مما يقلقهم ما حصل في مبنى الكابيتول في 6 يناير. ويقلقهم أكثر أن ثلاثة أرباع الناخبين الجمهوريين ما زالوا يعتبرون بايدن رئيساً «غير شرعي»، وانتخابه كان نتيجة عملية «تزوير» واسعة لم ينجح أركان الحزب الجمهوري في وقفها!
يعرف الديمقراطيون أن ترمب لا ينسى، وسيكون بالمرصاد للسنوات الأربع من ولاية جو بايدن، وسيحضّر جيدا معركة الرئاسة لعام 2024، لكن أركان الحزب الديمقراطي يعتبرون أيضاً أن ما جرى في ذلك اليوم من يناير لا يصح أن يمر مرور الكرام ومن دون محاسبة. إنهم يجدونها فرصة ثمينة ليثبتوا أنهم الأكثر حرصاً على الديمقراطية الأميركية، والأكثر اهتماماً بصفحات التاريخ المقبلة، وما ستذكره عن عام 2020 الأميركي، الذي كان عام ترمب من دون منازع... فضلاً عن «كورونا».